|بقلم: ميرفت أحمد علي
في احتفاليةِ المسرحِ السنويةِ، تُطلُّ المناسبةُ على استحياءٍ، و تقتصرُ على بعضِ عروضٍ مسرحيةٍ تقدَّم على خشباتِ المسرحِ القوميِّ في سوريا، مفتقرةً إلى التحفيزِ الماديِّ و المعنويِّ؛ فالجمهورُ في شبهِ إجازةٍ مفتوحةٍ و إعراضٍ عن حضورِ العرضِ المسرحيِّ، رغمَ الإمتاعِ و التشويقِ المرتبطيْن بالمؤثراتِ الحركيةِ، و السمعيةِ البصريةِ المواكبةِ للعرضِ بتعقيداتهِ و بتَعالُقاتهِ بمفرداتِ الزمانِ و المكانِ، و بمستوى الميزانيةِ المرصودةِ، و بالطبيعةِ النفسيةِ و التأهيليةِ لكاستِ العمل، أي بمستوى الجاهزيةِ، و بظروفِ السفرِ و الإقامةِ، و تنفيذِ البروفاتِ، و هيَ بالمجملِ وشائجُ و علائقُ تشنُّجيةٌ، تواكبُ الفنونَ المَزْجيَّةَ المركبةَ مِن أكثرِ مِن مُكوِّنٍ و جزئيةٍ رافدةٍ للمُكوِّنِ الخامِ (الأساسيِّ): النص، و تؤسسُ لإشهارهِ بأبهى طلَّةٍ مقدورٍ عليها، ما يفسِّرُ هلعَ اللحظاتِ الأولى للافتتاحِ، و هاجسَ الخوفِ من اقترافِ الهفواتِ الإخراجيةِ و التمثيليةِ الأدائيةِ في أكثرِ الفنونِ إثارةً و اندفاقاً حيوياً، لارتباطِ المسرحِ بخاصيَّةِ (البثِّ المباشرِ)، التي تستجلبُ المتعةَ بصرفِ النظرِ عن السويَّةِ الفنيةِ للعملِ ككلّ. تلكَ التَّضييقاتُ على خِناقِ العرضِ المسرحيِّ و العاملينَ فيه، ليست وحدَها المسؤولةَ عن انكفاءِ هذا الفنِّ الاجتماعيِّ التعبويِّ التوعَويِّ على ذاتهِ، و لُطوئهِ في أقبيةِ الإهمالِ و التَّحييدِ، و استحضارهِ عندَ الطلبِ مرتبطاً بالاحتفاليةِ السنويةِ التي ينبغي أن تتحشَّدَ للنهوضِ بها و برموزِها مساعي العوامِّ و الخواصِّ منَ الناسِ، و الأفرادِ و المؤسساتِ، و حتى قبلَ الأزمةِ السياسيةِ في بلدِنا عانى المهجوسونَ بالصُّنعةِ المسرحيةِ منَ الحالةِ السرابيَّةِ و الخوائيَّةِ التي ابتُليتْ بها مشاريعُهم الإبداعيةُ و أفكارُهم الخلاقةُ لإثراءِ و لتنضيجِ المحتوى المسرحيِّ، و في مُقدّمهم خرِّيجو المعهدِ العالي للفنونِ المسرحيةِ، بسببٍ مِن غيابِ الدَّعمِ الماديِّ المؤسساتيِّ، بالتوازي معَ فشلٍ مماثلٍ في استدراجِ الدعمِ الأهليِّ و الخاصِّ، ليس على المستوى السوريِّ و حسب، بل العربيِّ أيضاً. ففاتورةُ إقامةِ مهرجانٍ مسرحيٍّ و تمويلهِ، تفوقُ أضعافاً مضاعفةً كلفةَ استضافةِ مهرجانٍ شعريٍّ، أو فنيٍّ تشكيليٍّ، أو تصويريِّ ضوئيِّ. و حتى الورشاتُ التدريبيةُ لإعدادِ الممثلِ المسرحيِّ، أو لتأليفِ و لإخراجِ نصٍّ مسرحيٍّ احترافيٍّ، لم يعدْ لها ذاكَ الصدى كما في الأمسِ. و يبقى أن نتمنَّى عودةً ميمونةً ملوِّحةً بالفرجِ للمهرجاناتِ المسرحيةِ السنويةِ، الجامعيةِ منها و غيرِ الجامعيةِ، للهواةِ و للمحترفينَ، بمضاءٍ، بقوةٍ و بعزمٍ على مستوى سوريا، يُدعى إليها محكِّمونَ من مؤسِّسي المسرحِ السوريِّ و مُوطِّدي دعاماتهِ، و كبارِ المؤلفينَ و المخرجينَ و النقادِ، تتسمُ بخاصِّيةٍ تنافسيةٍ، بها منصةٌ لتكريمِ روادِ المسرحِ، و أعلامهِ، و فنَّانيهِ، و الراسخينَ في الصنعةِ المسرحيةِ، فمنَ المُؤسي أن يقتصرَ الاحتفاءُ باليومِ العالميِّ للمسرحِ على بعضِ عروضٍ عابرةٍ للمحافظاتِ، أو محليةٍ متوسطةِ الجودةِ، لا تُجدي في إدهاشٍ و ابتكارٍ، و لا تُغني عن جوعٍ و تعطُّشٍ للفنِ المتأصِّلِ الذي كانَ رائجاً في المشهدِ التسعينيِّ (مثلاً) من القرنِ المنصرمِ، حيثُ أوقدَ الروَّادُ السوريونَ الأوائلُ جذوةَ الانتعاشِ و التأصيلِ المسرحيِّ، ليغدوَ المسرحُ السوريُّ فرسَ الرهانِ في المنافساتِ على المستوى العربيِّ، و صارَ يُضربُ بهِ المثلُ في الريادةِ، و الصوابيَّةِ، و التنوعِ في المذاهبِ المسرحيةِ، و المناهلِ الفكريَّةِ ، و الأذواقِ الفنيَّةِ.
فقد آنَ الأوانُ ــ يا سادة يا كرام ــ لرتقِ الثقبِ الكبيرِ، و المُتمادي في الاتِّساعِ، في نسيجِ العلاقةِ التفاعليةِ و التَّواصليةِ بينَ المسرحِ و الجماهيرِ؛ فلا يليقُ بـأبي الفنونِ هذا الجحودُ غيرُ المشهودِ من آلافِ العشاقِ و الهائمينَ، و انصرافُ الأجيالِ عنهُ لأسبابٍ يمكنُ تداركُها بأقلِّ الخسائرِ.
(سيرياهوم نيوز29-3-2022)