*خير الله علي
سؤال يطرحه أصحاب الأكشاك والمتعاطفون معهم من أهالي طرطوس مع انطلاق حملة إزالة هذه الاكشاك من قبل مجلس المدينة والمحافظة، وذلك بناء على قرار صادر عن وزارة الإدارة المحلية بهذا الخصوص . مما لم يعد هناك مجال للشك فيه أن هذه الاكشاك المنتشرة على أرصفة شوارع مدينة طرطوس ومناطقها باتت ظاهرة غير حضارية، بل ومؤذية بشكل أو بآخر، وبالتالي ما عادت مقبولة بالصورة التي هي عليه الآن. فهي إن أردنا قبول فكرة وجودها، أصلا، فإنها لم تصمم بشكل مقبول، ولم يتم توزيعها في أرجاء طرطوس ومناطقها بطريقة تحافظ على المنظر الجمالي للمكان، وتؤدي وظيفتها الخدمية للعابرين. فقد أنشئت هذه (الأدران) بأسلوب ارتجالي غير مدروس أدى إلى فوضى كبيرة صارت مع الوقت تشكل عبئاً على المدن وأرصفتها، وعلى المارة الذين وجدت لأجلهم، وعلى المزاج العام للناس. وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أمور كثيرة غير صحيحة، ولا تسر الخاطر تحدث داخل أروقة البلديات، صاحبة المسؤولية الأولى والأخيرة في هذا الموضوع. فظاهرة الاكشاك أصلا هي بدعة، إذ ما حاجة المدن إلى أكشاك بوجود المحلات التجارية؟ وإذا افترضنا أن هناك بعض المبررات لوجودها في أماكن محددة لخدمة المارة، فمن المؤكد أن وجودها داخل المدينة بهذه الكثافة، وهذا الإنتشار، هو قرار غير صائب، لا من بعيد ولا من قريب. ألا يكفي البلاد مخالفات البناء وفوضى العمران وأحزمة الفقر التي تزنر المدن السورية في طول البلاد وعرضها؟ لكن رغم ماتقدم نقول:ربما توقيت القرار غير موفق، فالأحرى أن يتخذ مثل هكذا قرار في ظروف اقتصادية جيدة للبلاد والعباد، أما والحال على ما هو عليه من نقص في فرص العمل، ورواتب ضعيفة إلى هذا الحد للموظفين في القطاعين العام والخاص، حيث الغالبية تبحث عن مصدر رزق إضافي، فمن الطبيعي أن يلاقي مثل هذا القرار اعتراضا كبيرا لدى أصحابها أو مستثمريها، وتعاطفا واسعا من جانب الناس، خاصة مع عدم وجود الحلول الصحيحة والناجعة للمشكلة. ولكن لمن لا يعلم، فإن هذه الاكشاك تحولت، لاسيما مع الأزمة الكبيرة التي تعرضت لها البلاد، إلى باب للفساد والارتزاق لدى موظفي البلديات والمتنفذين، كما أصبحت بؤرا للإفساد في الشارع، سواء بما يروج له بعضها ويبيعه من مواد منتهية الصلاحية، أو مواد مهربة، أو رديئة، وقد يكون الأمر أخطر من ذلك، فضلا عن المشاهد غير اللائقة التي فرضه وجودها على الأرصفة، أكان من أصحاب هذه الأكشاك، أو من ضيوفها الذين جعلوا من الأرصفة مقاه مفتوحة، والمشهد أمام الأكشاك المقابلة للحديقة العامة في طرطوس من جهة الجنوب خير شاهد على ذلك. أما عند الكراجين القديم والجديد، فقد تحولت المنطقتان إلى سوق موازية بمواصفات سيئة من كافة النواحي، فأصحاب هذه الاكشاك لم يعد يتسع لهم الرصيف مهما بلغ عرضه وطوله، فضلا عما يخلفوه وراءهم من بقايا وروائح وضجيج وفوضى، خاصة مقابل مساكن ضاحية الأسد التي تحول موقع الكراج بالنسبة للسكان هناك من نعمة حسدوا أنفسهم عليها بداية، إلى نقمة لم يعد بمقدورهم تحملها. لا شك ان الصالح، وهو قليل هنا، ذهب مع الطالح في هذه المعمعة، فالتعميم لا يجوز، إذ كما أن هناك أصحاب أكشاك، أو مستثمرين سيئون بالفطرة أو بسبب التربية، أو غياب القانون الرادع، فهناك أصحاب أكشاك يعملون بنور الله، كما يقال، لا يبتغون إلا رزقهم المعجون بعرق جبينهم، وبعضهم يشكل الكشك مصدر رزقه الوحيد، إلا أن سلوك الطالحين، أساء للآخرين، وأغلق مصدر رزقهم، للأسف. وهنا نصل إلى الموقف الارتجالي غير الحكيم من جانب الإدارة المحلية التي اتخذت القرار، قبل دراسة الأمر بشكل موسع ودقيق، وقبل إيجاد الحلول الصحيحة لموضوع الأسواق الشعبية كما هو موجود في كل دول العالم الراقي. إن مدنا حديثة العهد كطرطوس ومناطقها، وحتى ريفها وقراها كمحافظة سياحية، يجب أن يتم رسم مخططاتها بأفضل ما يخطر على بال من جمال وتنظيم وإدارة، ومن جملة ما يجب الاهتمام به؛ الأسواق الشعبية التي يجب أن تكون أبنية طابقية (مولات) تابعة للبلديات كمستثمر وحيد لها . موزعة داخل المدن وفي أطرافها. مخدمة من جميع النواحي، وذات أجنحة، حيث كل طابق أو جناح مخصص لبيع نوع محدد من السلع، فضلا عما يجب وضعه من ضوابط لنظام عمل هذه الأسواق، ومراقبتها مراقبة شديدة، بما يعني تجاوز مشاكل الأكشاك السابقة كلها. ربما الجانب الأهم فيما يجب أن تكون عليه هذه الأسواق إن وجدت، هو المستأجر لهذه المحلات، والذي يجب أن يكون فقط من قبل العنصر النسائي، فظاهرة وجود الشباب المفتولي العضلات في الدكاكين والمحلات ليست موجودة في بلدان تعرف حكوماتها كيف تستثمر جميع الطاقات لدى أبنائها، لأن مكان الشباب الصحيح والحقيقي هو مجال اختصاصهم العلمي، وإذا لم يكن لديهم اختصاص علمي، فمكانهم الأرض الزراعية والمدن الصناعية وورش العمال الحرفية وليس البقاليات والدكاكين وبيع اللانجري، وهذه مسؤولية الحكومة. تنفيذ قرار إزالة الأكشاك، يدل على أن الدولة عندما تريد أمرا تقول للشيء كن فيكون، وهي بأجهزتها الأمنية المختلفة، ومؤسساتها قادرة متى شاءت أن تفرض النظام في المجتمع، وهكذا فعندما تتنشر المخالفات وتعم الفوضى، ويتفشى الفساد، فلا شك أن أفراد المجتمع هم آخر من يتحمل مسؤولية ذلك. النفس أمارة بالسوء، ولكن ألم توضع القوانين الإلهية والوضعية من أجل الخراف الضالة، أي من أجل الشاذين المنحرفين المخالفين الخارجين عن القانون والمنطق والأخلاق؟ أخيرا ولمن لا يعلم أيضا، فإن معظم رخص هذه الاكشاك -باستثناء، أكشاك ذوي الشهداء والجرحى وذوي الاحتياجات الخاصة- تعود لأغنياء ومتنفذين، وربما بعضها غير مرخص أساسا، ومن هنا فإن الهاجس الذي يخيف الناس بعد هذه الحرب الضروس على الأكشاك هو أن تعود، ولكن بحلة جديدة، وبوكالة حصرية لمتنفذين يتقاسمون الكعكة، ويفرضون على الناس طريقة تعامل جديدة، وأسعار كاوية جديدة، وربما ثقافة من نوع آخر تزيد القهر والحزن والخيبة في نفوس خلق الله أكثر وأكثر.
(سيرياهوم نيوز6-2-4-2022)