حماد صبح
تأتينا الأخبار العربية الأساسية عما يحدث سرا في المنطقة من الإعلام الإسرائيلي لغياب الشفافية وحرية الإعلام والرأي في الدول العربية ، وتوفر قدر منها جيد في إسرائيل ، وللعلاقة القوية المنظمة بين الإعلام وكل مؤسسات الدولة فيها . وهذه العلاقة تسهل اطلاع هذا الإعلام من خلال رؤساء هذه المؤسسات على ما يجري في المنطقة من أحداث سرية ذات صلة بإسرائيل ، هي غالبا سارة لها ، وغامة للمواطن العربي المحروم من التأثير على هذه الأحداث التي تفعل أفاعيلها في واقعه ومصيره .
ومن الأخبار العربية السرية ذات الصلة بإسرائيل ما كشفه أريئيل كهانا في ” إسرائيل اليوم ” ، وصفوته أن إسرائيل عرضت في زمن رئاسة نتنياهو لوزرائها خطة على الدول العربية التي تقيم علاقة معها لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية شريطة موافقتها على الابتعاد عن إيران وإخراجها من أراضيها بحجة أن الأمور هدأت في هذه الأراضي ، ولا حاجة لوجود إيران وسواها من القوى التي تدخلت للمشاركة في الدفاع عنها ، ومنها حزب الله بداهةً .
ويقول الكاتب أن الأردن ومصر رحبا بالخطة ، ويتابع أن حكومة بينيت لا ترى نفسها ذات صلة بها ، وأنها تخص الدول العربية وحدها ، وإذا صح ما قاله عنها فسببه يأسها من نجاح الخطة لا قناعتها بأنها لا تخصها . وإضافة إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية بعد إخراج إيران منها ؛ تقترح الخطة قيام الدول الخليجية ، خاصة الإمارات ، بتمويل إعادة إعمار سوريا . واليقين الذي لا شبهة فيه أن انفتاح الإمارات على سوريا الذي توجته زيارة الأسد لها في مارس الفائت جزء من هذه الخطة ، فالهدف الأساسي للانفتاح هو الفصل بين سوريا وإيران خدمة لإسرائيل ، وإضعافا لمحور المقاومة الذي يأتلف فيه حزب الله وإيران وسوريا والمقاومة الفلسطينية وجماعة أنصار الله .
وهذا المسعى الخبيث المعادي للعرب والمسلمين ليس له ذرة أمل في النجاح . ولو كانت هذه الذرة موجودة لنجح قبل أن تبتلى سوريا بالعدوان الكوني الذي امتد أحد عشر عاما ، ولا زالت بعض ظواهره المخربة قائمة فيها ممثلة بالاحتلال الأميركي في المثلث الحدودي الأردني العراقي السوري ، وبالتواجد التركي في شمالها ، وبالجماعات المسلحة في الشرق وفي الشمال ، وبالاعتداءات الإسرائيلية التي تقع بين وقت وآخر على الأراضي السورية . وقبل ذلك العدوان الكوني ، وحين لم تكن إيران موجودة عسكريا في هذه الأراضي ، عرضت إسرائيل على سوريا الانسحاب من الجولان ثمنا لقطع علاقتها السياسية مع إيران ، فرفضت ، وما رفضته قبل أن تقف معها إيران في محنتها الكبرى لن تقبله بعد هذا الوقوف الذي كان فاعلا أساسيا وحاسما في صمودها الأسطوري البطولي .
وحين توازن سوريا ومعها كل شرفاء العرب بين وفاء إيران وشهامتها وبين غدر بعض الأنظمة الخليجية وخستها فإنها ستختار صداقة الوفي الشهم ، وتركل الغادر الخسيس المؤتلف مع أميركا والغرب الاستعماري وإسرائيل . كيف تغتفر سوريا وشرفاء العرب لمن طلب حين كلف بالقضاء على دولتها وكيانها 2000 مليار دولار لإنجاز هذه المهمة الإجرامية البربرية ؟! وهذا ما كشفه مؤخرا حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها السابق عن بندر بن سلمان رئيس المخابرات السعودية الذي تولى ملف إسقاط القيادة السورية وتخريب سوريا بعد أن كان في يد حمد ، فأفلتت ” الصيدة ” بعد تولي بندر ذلك الملف مثلما وصف حمد سوريا منذ سنوات ، وحينها كتبت مقالا يستنكر ذلك الوصف الوضيع الذي يختصر دولة عربية في منزلة سوريا الجليلة بصيدة ، أي فريسة ، والبقية المستنتجة من هذا الوصف أن صاحبه وحش صحراوي أو غابي . ومن غرائب رغبة بعض الدول الخليجية في إبعاد سوريا عن إيران أن لها علاقات قوية متنوعة معها ، وأنها بتمويل العدوان على الدولة السورية وتسليح الجماعات التي حاربتها دفعت الدولة السورية لتوثيق علاقتها بها ؛ بإيران . تفعل الفعل المنكر وتستنكر نتائجه . وهذا ما فعله النظام السعودي في اليمن .
هاجمه في تحالف من عشر دول ، وآلاف من المرتزقة ، وجهات سرية تشمل إسرائيل ، وحين استعانت جماعة أنصار الله بخبرة إيران في صناعة المسيرات والصواريخ غضب ذلك النظام ، واستنكر تلك الاستعانة .
وإسرائيل في اقتراحها في شأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية بثمن الابتعاد عن إيران لا تقدم أي شيء من طرفها . فليس في الاقتراح إعادة للجولان مثلما عرضت قبل الحرب العدوانية على سوريا ، ولعل حافز غياب هذا العرض شعورها بأنها بعد تطبيعها العلني مع أربع دول عربية صارت في وضع جيوسياسي أفضل كثيرا مما كانت عند عرضها القديم ، وأن إدارة ترامب أقرت ضمها للجولان . وهذا وهم كبير منها ، فلن يجديها أي تطبيع مع الدول العربية ما دامت عقدة القضية الفلسطينية دون حل ، ولا سلام ولا أمان لها من فوق رؤوس الفلسطينيين ، ورعبها الذي فجره قتل 11 من مستوطنيها مؤخرا ، واستغاثتها بالسلطة الفلسطينية والأردن ومصر لمعاونتها في تهدئة الشعب الفلسطيني في رمضان المبارك برهان على أن معضلة وجودها ومصيرها كائنة بين النهر والبحر ، وأن حالها الجيوسياسي لا يسهل لها بالتوافق مع الدول العربية التي صارت حليفة لها مقايضة إعاة سوريا إلى الجامعة العربية بابتعادها عن حليفتها الوفية إيران .
سوريا لن ” تبيع ” إيران لتشتري الجامعة العربية وإسرائيل في لُفافة واحدة مسمومة ، وعار تاريخي على كل دولة عربية تقبل أن تكون إسرائيل محفزا لها للموافقة على إعادة سوريا لتلك الجامعة الجثة التي توفرت منذ زمن بعيد كل مؤهلات دفنها .
كاتب فلسطيني
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم