|محسن سلامة
الشاعر الكبير جرير سمّي كذلك لأنّ أمّه رأت وهي حامل كأنّها تلد حبلاً يجرّ و يأخذ بأعناق الناس ،
وُلِدَ الشاعر جرير لسبعة أشهر فقط ،
فكان يعيّره الفرزدق : لم تنضجْكَ أرحام النساء ،
يقول العلم : أغلب هؤلاء يصبحون عباقرة
قال الأصمعيّ : كان جرير يواجه ثمانين شاعراً ويغلبهم ، وثبتَ له الفرزدق والأخطل فقط
وهو القائل :
أعددتُ للشعراء سمّاً ناقعاً فسقيتُ أوّلَهم بكأس الآخر
أرسلَ الشاعر الأخطل الكبير ابنه ليرى خبر جرير والفرزدق ، فعاد إلى أبيه يقول :
وجدتُ جريراً يغرف من بحر والفرزق ينحت من صخر
وهذا الشاعر الراعي النميريّ يتجرّأ على تفضيل الفرزدق أمام الناس على جرير ،
فلم ينم جرير تلك الليلة إلى أن طلع الصباح ، قال قصيدة في هجاء الشاعر الراعي سمّاها الناس القاضية ، لأنّ الشاعر الراعي مات على أثرها كمداً :
فغُضَّ الطرفَ إنّك من نُميرٍ فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا
إذا وُزِنتْ حلومُ بني نُميرٍ على الميزان ما وزنتْ ذبابا
هدّد الفرزدق جريراً بالقتل ولو في الشعر ، فردّ عليه جرير في أكثر من قصيدة ، من مطالع بعص هذه القصائد :
_ زعمَ الفرزدقُ أنْ سيقتلُ مربعاً أبشرْ بطول سلامةٍ يا مربعُ
_ أشاركتني في ثعلب قد أكلتُهُ فلم يبقَ إلّا رأسه وأكارعه
_ لقد ولدتْ أمُّ الفرزدق فاجراً فجاءت بوزواز قصير القوائم
_ مات الفرزدق بعدما جدّعْتُهُ ليت الفرزدق كان عاش طويلا
اختارت العرب جريراً شاعرها الأوّل لقوله في المديح ، مديح الخليفة :
ألستم خيرَ مَنْ ركبَ المطايا وأندى العالمين بطون راح
انتصر على الفرزدق والأخطل في حضرة الخليفة عبد الملك بن مروان ، ونال الجائزة الأولى ،
بدأ الفرزدق المبارزة الشعريّة في مديح نفسه وهجاء خصميه :
أنا القطران والشعراء جربى وفي القطران للجربى شفاء
ثمّ تقدّم الأخطل ، وقال :
فإنْ تكُ زقّ زاملةٍ فإنّي أنا الطاعون ليس له دواء
وقام جرير بكلّ اعتداد بالنفس يقول :
أنا الموتُ الذي آتي عليكم فليس لهاربٍ منّي نجاء
فانتصر على خصميه فالموت أقوى من القطران والطاعون
كان جرير رقيق العاطفة ، وهو الذي يقول في زوجته :
لولا الحياءُ لهاجني استعبارُ ولزرتُ قبرَكِ والحبيبُ يُزارُ
وهو القائل في جمال العيون :
إنّ العيونَ التي في طرفها حَوَرٌ قتلْنَنَا ثمّ لم يُحيينَ قَتلانا
حجّ جرير ، وكان على كلّ شاعر أن يذهب إلى دار سُكينة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب لينال رضاها على شاعريّته ، فلم تأذن له ، لقوله في حبيبته وقد زارته يوماً :
طرقتْكَ صائدةُ القلوبِ وليس ذا وقتَ الزيارة فارجعي بسلامِ
قالت سُكينة :
كان الأحرى به أن يقول : فادخلي بسلام
لأنّ الأنثى لا تُردّ بهذه الفظاظة ، فعاد مكسوفاً
قال جرير في الفاسدين والأغنياء :
تركتُ عيالي لا فواكهَ عندهم وعند ابن سعد سكّرٌ وزبيبُ
تحني العظامُ الراجفاتُ من البِلى وليس لداء الركبتين طبيبُ
هو أبو حَزْرة جرير بن عطيّة بن حذيفة التميميّ ، ولد باليمامة سنة 653 م __ 33 هجريّة
(سيرياهوم نيوز13-4-2022)