| الدكتور قحطان السيوفي
في الوقت الذي كان الرئيس الأميركي جو بايدن يعمل لتبني خطة ضريبة جديدة على دخل الأثرياء الأميركيين، وفي إطار خطة لتأمين المزيد من الموارد لمواجهة الأعباء المالية الناجمة عن جائحة كورونا، انطلقت الأزمة الأوكرانية في أواخر شباط الماضي ما تطلب المزيد من الحاجة لموارد إضافية، ليدفع الرئيس بايدن أكثر من ملياري دولار حتى الآن لدعم أوكرانيا.
بالإضافة لمعاناة المستهلكين الأميركيين نتيجة التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات في الأسواق الأميركية، والتي سيدفع ثمنها سياسيا حزب بايدن الديمقراطي خسارة كبيرة في الانتخابات البرلمانية النصفية في الخريف القادم، أعلن منذ أيام البيت الأبيض للأميركيين أن معدّل التضخّم لشهر آذار في الولايات المتحدة، كان مرتفعاً، مرجعاً ذلك إلى الحرب الأوكرانية، وجاء تقرير وزارة العمل الأميركية، ليؤكد ذلك فأسعار المواد الغذائية ارتفعت خلال الفترة نفسها بنسبة 8.8 بالمئة.
سجل معدل التضخم في الولايات المتحدة أعلى مستوى له منذ 40 عاماً، فبعد الحرب الأوكرانية حظر الرئيس بايدن جميع واردات النفط والغاز من روسيا، فقفزت أسعار الطاقة في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية وكانت بنسبة 32 بالمئة في آذار الماضي رغم أن واشنطن لا تستورد سوى 3 بالمئة من النفط الروسي ولا تستورد أي غاز منها، فقد ارتفعت أسعار البنزين لأعلى مستوى لها منذ العام 2008 وارتفعت أسعار السلع ككل بنسبة 8.5 بالمئة، وهي أكبر زيادة سنوية منذ 1981 ودفع معدل التضخم المرتفع في الولايات المتحدة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الشهر الماضي إلى رفع سعر الفائدة الرئيسي لأول مرة منذ ثلاث سنوات، وذلك كمحاولة لتقليل آثار الحرب على الاقتصاد الأميركي.
وتوقع رئيس المجلس أن تكون الفائدة 2 بالمئة بحلول نهاية العام الجاري بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية والأسعار قي أميركا تتسارع في وقت لا تواكب فيه الأجور ذلك.
كما أن متوسط الدخل في الساعة في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 5.6 في المئة حتى آخر آذار، وهو أقل بكثير من الارتفاع الأخير في تكلفة المعيشة.
بات الاقتصاد الأميركي مهدداً بتراجع نسبة النمو التي حققها العام الماضي، وارتفاع أسعار المعادن المنتَجة في روسيا مثل البالاديوم والنيكل سيؤدي إلى إبطاء إنتاج السيارات في الولايات المتحدة سواء تلك التي تعمل بالكهرباء أو بالغاز، كما أن الشركات الأميركية العابرة تأثرت بتداعيات الحرب؛ فالشركات العملاقة مثل أبل ومايكروسوفت وديل، أوقفت مبيعات منتجاتها في روسيا، وأوقفت شركة بوينغ وإيرباص عملياتها في روسيا وصادراتها إليها أيضا، وكذلك شركة فورد للسيارات وغيرها، وقد عبر وزير الزراعة الأميركي عن مخاوفه في ظل الأزمة الحالية أن يتأثر قطاع الزراعة الأميركي بارتفاع أسعار الأسمدة.
وتعد روسيا ثاني أكبر منتج لسماد البوتاس بعد كندا، والذي تتميز موسكو بقدرتها على إنتاجه بكميات ضخمة وبتكلفة منخفضة.
بالمقابل ما تأثير الحرب الأوكرانية وارتدادات العقوبات الغربية على روسيا، على الاقتصادات الأوروبية؟ إن استهداف قطاع الطاقة الروسي بعقوبات قاسية ستنعكس سلبا على الاتحاد الأوروبي: الذي يستورد 40 في المئة من الغاز الذي يستهلكه من روسيا؛ وتناقش الدول الأوروبية إمكانية مقاطعة الغاز الروسي! ومبادرة بايدن التي تهدف ظاهرياً لتعويض مقاطعة أوروبا الإمدادات الغازية الروسية.
ونشرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية مراحل مبادرة بايدن الثلاث: الأولى للمدى القصير: تصدير 15 مليار متر مكعب سنويا من الغاز المسال الأميركي لتعويض النقص المباشر للإمدادات الروسية.
الثانية للمدى المتوسط: إنشاء سوق غاز أوروبية واسعة عام 2030 تعتمد بشكل كبير على إمدادات الغاز المسال الأميركية.
ثالثاً المدى البعيد: مساعدة أوروبا «بالإسراع في التحول نحو الطاقات النظيفة» بديلاً للغاز.
تواجه خطة بايدن تحديات كبيرة منها كيفية تعويض الفرق ما بين الإمدادات الروسية الحالية البالغة 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي واستبدالها بالأميركية البالغة 15 مليار متر مكعب سنويا فقط على المدى القصير.
فكيف سيتم تعويض نقص نحو 140 مليار متر مكعب من الإمدادات سنوياً خلال الفترة القصيرة المدى؟ ولا يمكن لدول قطر والجزائر والنرويج ونيجيريا وأستراليا ومصر، تأمين الفارق الضخم في الإمدادات بسهولة ولا لأوروبا التعايش مع النقص وهناك صعوبات لوجيستية تواجه خطة بايدن.
أسئلة كثيرة على السلطات الأوروبية أن تناقشها قبل الموافقة على المقاطعة، فمن الصعب جداً الولوج في مغامرة المقاطعة دون تأمين كامل حاجتها من الطاقة، أي نحو 55 في المئة من طاقتها على الغاز الروسي.
قد لا يستطيع الاتحاد الأوروبي مقاطعة إمدادات الطاقة الروسية، ويبقى حصول أوروبا على هذه الإمدادات أسهل وأقل تكلفة، وسينتج عن مقاطعة إمدادات الطاقة الروسية مشاكل كثيرة لأوروبا ليس أقلها إثقال كاهل المستهلك الأوروبي، كما يزيد من سعر الصادرات ويقلل من إمكاناتها التنافسية.
إن التطورات السياسية المرتبطة بالحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا وارتداداتها لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد والمواطن الأميركي كما سيعاني منها أكثر الاقتصاد والمستهلك الأوروبي خلال الفترة المقبلة.
سيرياهوم نيوز3- الوطن