سكينة محمد ولؤي حسامو
رغم الظروف الاقتصادية الصعبة ما زال أهالي حي الشيخ محيي الدين في دمشق يحرصون على التمسك بعادات شهر رمضان المبارك التي توارثوها عن أجدادهم لسنوات طويلة وتعزز التعاون والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع وتزيد أواصر المحبة والألفة فيما بينهم.
واستقطبت دمشق على مر الزمان الكثير من العلماء والفقهاء والمؤرخين وأهمهم الشيخ محيي الدين بن عربي الذي حمل الكثير من العلوم والمعارف وكرس قيما وعادات اجتماعية ما زالت باقية حتى اليوم تجسد الألفة والروحانية المرتبطة بالشام واهلها وتبدو واضحة خلال شهر رمضان المبارك.
كثير من هذه العادات الرمضانية كرسها الشيخ محيي الدين المولود سنة 560 للهجرة 1165 ميلادية في مدينة مرسية الواقعة شرق الأندلس والذي اختار دمشق للإقامة فيها سنة 620 هجري 1223 ميلادي وبقي فيها إلى أن وافته المنية عام 638 للهجرة 1240 ميلادي حيث دفن فيها… وتكريماً له ولأعماله الخيرية بني على ضريحه جامع عرف باسمه ما زال معلما أثرياً يقصده الزوار من أهالي المنطقة وجميع الأماكن في رمضان وفق الباحثة التاريخية إلهام محفوض.
الجامع الذي يقع وسط سوق شعبية بني بجانبه بيمارستان طبي لمعالجة الأسر المحتاجة والفقيرة وبنيت أمامه تكية سليمية كانت ملاذاً للفقراء والمتصوفين وطلبة العلم وما زالت تحيي عادات شهر رمضان ومنها السكبة كما ذكرت محفوض التي تعد عادة أسبوعية يلتزم بها أهالي الحي طيلة العام وبشكل يومي في شهر رمضان.
زارت كاميرا سانا المكان حيث يتم إعداد وجبات إفطار الصائم والتقت رئيس جمعية الهداية الإسلامية ورئيس التكية الشيخ محمد عربي التكريتي المشرف عليها منذ أكثر من 25 عاماً الذي قال ” عادة توزيع السكبة قديمة جداً ومتوارثة منذ أكثر 650 عاماً ومازال أهل الشام يعملون على إنعاشها وإحيائها لا سيما في شهر رمضان المبارك”.
ولفت التكريتي إلى أنه يتم في التكية تحضير شوربة الهريسة وتوزيعها لأكثر من 5000 شخص من أهالي الحي والأحياء المجاورة لكن في شهر رمضان يتوقف عمل الشوربة ليتم إعداد ما يقارب الـ 1000 وجبة إفطار للصائمين من الأسر المحتاجة وبأصناف متنوعة كـ”الرز والبازيلاء والفريكة واللحوم” توزع وفق بطاقات أعدت مسبقاً من قبل الجمعية مشيراً إلى أن مستلزمات الطبخ ومواده يتبرع بها أشخاص ميسورو الحال من أهل الخير لتخفيف معاناة بعض الأسر المحتاجة والحفاظ على العادات الأصيلة من الاندثار.
الشاب محيي الدين السيد من أهالي الحي أشار إلى أنه متطوع مع رفاقه للعمل في التكية حيث يقومون في شهر رمضان بإعداد وجبات الطعام وتغليفها وتبريدها استعدادا لتوزيعها أما باقي أشهر السنة فيعملون على إعداد شوربة الهريس التي توزع فجر كل خميس.
بدوره حسان علي الرفاعي أحد أهالي الحي أشار إلى أنهم كباقي أهل بلاد الشام سباقون لعمل الخير ومحافظون على عاداتهم وتقاليدهم الأصيلة مؤكداً أنهم يسعون في الشهر الفضيل لمساعدة الجيران والأهل والمحتاجين حسب إمكانياتهم.
السيدة حكمت مرعي أم لستة أبناء قالت إن رمضان هو شهر البركة والعطاء والإنسانية حيث تتردد باستمرار إلى الجامع للحصول على حاجتها من الأدوية والأطعمة من قبل فاعلي الخير.
صاحب أحد المحال التجارية في السوق عدنان كنعان أشار إلى أن سوق الشيخ محيي الدين من الأسواق الشعبية القديمة والعريقة التي تشعر ما إن تدخلها بأجواء رمضان الخاصة حيث يعرض الباعة وأصحاب المحال كل ما يتعلق بمتطلبات الشهر الفضيل من العصائر والمعروك والناعم وغيرها من المواد الغذائية التي تحتاجها الأسر في رمضان.
ويجد بعض الشباب في السوق الذي يرتاده الناس بكثرة في الشهر المبارك فرص عمل مجدية لهم كالشاب عيسى الأبرش الذي يبيع منتجاته من المعروك السادة والمحشي بالجوز والشوكولا والتمور والذي يعتبر من الحلويات الشعبية المحببة للصائم في رمضان ويلقى رواجاً وإقبالا كبيرين في السوق.
خرجنا من السوق وأصوات الباعة تملأ المكان كأنها ترنيمة موسيقية تطرب لها الآذان وتضفي على السوق البهجة والفرح التي يختص بها شهر رمضان المبارك لما له من مكانة كبيرة في نفوس وقلوب الناس.
سيرياهوم نيوز 6 – سانا