| ليلى نقولا
تشكل جزر سليمان، وهي أرخبيل من مجموعة جزر في جنوب المحيط الهادئ، منطقة استراتيجية مهمة تتسابق عليها كل من أميركا والصين.
أعربت كل من اليابان والولايات المتحدة الأميركية ونيوزيلندا وأستراليا عن قلقها من الاتفاقية الموقّعة بين الصين وجزر سليمان، مدّعية أنها تمسّ الأمن الإقليمي وتقوّض أمنها القومي، في موقف مشابه لما أعلنته روسيا من توسع الناتو الى حدودها، وخاصة في أوكرانيا.
وبالرغم من كل محاولات العرقلة من قبل واشنطن وأستراليا ونيوزيلندا، وقّعت الصين وجزر سليمان الواقعة في المحيط الهادئ اتفاقية أمنية، تعطي الجيش الصيني موطئ قدم في تلك الجزر، وتسمح بانتشار أمني وعسكري صيني في الجزيرة، لتحقيق الاستقرار وإرساء “النظام الاجتماعي” في الجزر، وتعطي الصين سلطة “حماية سلامة الموظفين الصينيين والمشاريع الكبرى” بمجرد وصولهم إلى الجزر.
وتشكل جزر سليمان، وهي أرخبيل من مجموعة جزر في جنوب المحيط الهادئ، منطقة استراتيجية مهمة تتسابق عليها كل من أميركا والصين للتوسع والتمدّد فيها، وتقع جغرافياً أقرب الى أستراليا ونيوزيلندا. وترى الدول المجاورة أن التوسّع الصيني الأمني يمسّ الأمن القومي للدول المجاورة لجزر سليمان في المحيط، ويقوّض التوازن الأمني في المنطقة.
لا شكّ في أن الأمن القومي للدول يتأثر بشكل أساسي بالأمن في الجوار الإقليمي، إذ إن الجغرافيا والتفاعلات عبرها تؤدي الى أن تكون القضايا الأمنية للدول متصلة بعضها ببعض، بحيث لا يمكن النظر إلى أمن الدول بشكل يفصل بعضها عن بعض.
في نظام دولي فوضوي، يشكّل الأمن الإقليمي مرآة عاكسة لصورة النظام الدولي في شكله الكلّي وحدوده، ويتأثر بمستويات عديدة أبرزها:
1- الظروف المحلية لدول الإقليم، بما في ذلك مقوّمات القوة والضعف لكل دولة.
2- العلاقات بين الدول في المحيط الإقليمي، وهل هي علاقات تعاونية أو تنافسية أو عدائية، وهذا يتأثر بتمازج التاريخ والجغرافيا والسياسة والموروثات التاريخية والذاكرة الجماعية.
3- دور القوى الكبرى ونفوذها ومدى تغلغلها في المحيط الإقليمي، وهو ما يؤدي إلى اختلال التوازنات وتحفيز الدول على معاداة جيرانها أو التسبّب في أخطار أمنية لهم، وهو بالضبط ما حصل في أوكرانيا.
4- العلاقة بين إقليم معين والأقاليم الأخرى، خصوصاً مع الدول المتجاورة التي يمكن أن تسبّب قلقاً أمنياً إضافياً.
وهكذا، تضع الدول بشكل عام استراتيجيتها للأمن القومي، آخذة بعين الاعتبار التحديات والأخطار التي تعاني منها في الداخل والخارج وفي الدول المحاذية، وتحدد كيفية الردّ على هذه التحديات. وانطلاقاً من هذه العوامل، تطرح الدول فكرة أن أيّ مسّ بالاستقرار الإقليمي يؤثر على استقرارها الداخلي بسبب القدرة على الانتشار والتأثير، لذا تقوم الدول بما في وسعها لمنع التهديدات الداخلية والخارجية، وخاصة تلك التي تأتي من جوارها الإقليمي، والتي تمسّ أمنها القومي.
وعليه، إن الفشل في توفير الأمن الكافي يمكن أن يؤدي إلى زوال الدولة، لذا تضع الدول أولى أولوياتها الحماية ضد التهديدات العسكرية، أي إن الهدف الرقم واحد بالنسبة إلى الدول هو البقاء. ويمكننا تقسيم الأمن القومي إلى نوعين أكثر تحديداً: الأمن والسيادة الإقليميان والاستقلال السياسي، أي إن كل دولة تريد حماية سلامتها الإقليمية، أو حدودها الترابية واستقلالها وسيادتها. وتُعَدّ السلامة الإقليمية جزءاً لا يتجزّأ من هوية الدولة واحترام الذات. ويشير الاستقلال السياسي إلى قدرة الدولة على البقاء خالية من التأثير الأجنبي، أو غير المرغوب فيه، قدر الإمكان، علماً بأنه في عالم مترابط ويعيش ضمن مبدأ “الاعتماد المتبادل”، لا يمكن لأي دولة أن تظل مستقلة تماماً بهذا المعنى.
ولقد توسّع مفهوم الأمن الحديث، فلم يعد يرتبط فقط بالتهديدات التقليدية، أي سلامة إقليم الدولة ووحدتها الترابية وبقاءها واستمرارها وسيادتها، بل توسّع الأمر، فبات يشمل الجريمة المنظمة عبر الحدود، والتهديدات الإرهابية والتحديات البيئية، وسواها، التي باتت تشكّل تهديداً لأمن الدولة.
وهكذا تطور مفهوم الأمن، فلم يعد يشمل الأمن العسكري فقط، بل بات يشمل المجالات الأخرى كلّها، كالأمن الاقتصادي، والبيئي، والغذائي والاجتماعي، إلخ… إن الهدف الأعلى، وهو الأمن، يرتبط بهدف أقل مرتبة يقود إليه، وهو القوة العسكرية. وهكذا تصبح القوة العسكرية هدفاً ووسيلة في آن واحد؛ الهدف هو الحفاظ على القوة العسكرية أو زيادتها، وذلك لتحقيق الأمن (وسيلة لتحقيق هدف أكبر وأعلى). وتترتب على هذا الهدف (القوة العسكرية) أهداف أقل، تُعتبر وسائل في الوقت نفسه أيضاً، منها إقامة الأحلاف العسكرية، وإضعاف قوة الآخرين، والاستحصال على المعرفة التكنولوجية العسكرية أو اقتناؤها، إلخ…
وهكذا، إن إقامة الأحلاف العسكرية في إقليم معين، لا تعني فقط الدولة ذات السيادة في ذلك الإقليم، بل تعني الدول المجاورة، لأنها تتعلق بأمنهم أيضاً ولا يمكن أن تُعتبر جزءاً من سيادة الدولة فحسب.
في النتيجة، إن اعتراف الغرب بأحقية الأمن لكل من الصين وروسيا، كما هو حق له، يجعل من العالم أكثر استقراراً ويحقق السلام في العالم. وبالعودة إلى واقعة الاتفاقية الأمنية لجزر سليمان مع الصين، والتي يراها الغرب تهديداً أمنياً، تماماً كما ترى روسيا توسّع الناتو تهديداً لها، فإن الحل يكون بمقاربة أمنية طرحَها الروس في وقت سابق، وأعلنها لافروف قبل بدء الحرب في أوكرانيا، وكرّرها الروس مراراً، وهي: “عدم قابلية الأمن للتجزئة. إما أن يكون الأمن واحداً للجميع، أو لا يكون هناك أيّ أمن لأي أحد”.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين