بقلم: ميرفت أحمد علي
خرجَ الموسمُ الرمضانيُّ الدراميُّ السوريُّ هذا العام إلى حيِّزِ الاستقلاليةِ و الصناعةِ الوطنيةِ الخالصةِ من تعالُقاتِ الإنتاجِ الفنيِّ المشتركِ، و التطفُّلِ على المائدةِ الدراميةِ في دولٍ عربيةٍ مجاورةٍ كلبنانَ و مصر. ذلكَ الواقعُ الذي فرضتْهُ الضائقةُ المعيشيةُ، و توعُّرُ سبُلها أمامَ المنتجِ و المخرجِ و الممثلِ السوريِّ، سيَّما في العامينِ المنصرمينِ اللذينِ شَهدا تهافُتَ العديدِ منَ الفنانينَ السوريينَ و المخرجينَ و الكتَّابِ على السَّفرِ إلى غيرِ بلدٍ عربيٍّ لتصيُّدِ فرصِ النجوميةِ، و لتأمينِ فرصِ عملٍ. و اليوم تعودُ درامانا إلى سابقِ عهدٍ في السطوعِ و الإشراقِ، و تستحوذُ مجدداً على اهتمامِ المشاهدِ العربيِّ، لما في جُعبتها مِن مُستحدثاتِ أعمالٍ و مسلسلاتٍ تفنَّنتْ في الجرأةِ و المُكاشفةِ، و في المغامرةِ محسوبةِ الخُطى، و في رفعِ الأسقفِ الرقابيةِ؛ فأعطتْ درساً في أسبقيَّةِ المبادرةِ، و في الشجاعةِ و الإقدامِ، للتجاربِ الدراميةِ العربيةِ التي ظلَّتْ ــ عدا استثناءاتٍ قليلةٍ ــ رهينةَ الرَّهبةِ الرقابيةِ، و التخوُّفِ مِن مقصِّها، و التحوُّطِ و الاحترازِ مِن لائحةِ محظوراتِها التي قد تُطيحُ بجهدِ عامٍ كاملٍ منَ التحضيرِ، و بآلافِ الدولاراتِ كتكاليف إنتاجٍ؛ مردُّها الارتيابُ بمغزى مشهدٍ هنا، أو بسوءِ تأويلٍ لمشهدٍ هناك. في حينِ نجحتِ التجربةُ السوريةُ في العروضِ التلفزيونيةِ و المسرحيةِ في تليْينِ الموقفِ الرقابيِّ، و في تعديلِ نظرتهِ المُشكِّكةِ للفنِّ بوصفهِ حاجةً حيويةً للشعوبِ، و ليستْ ترفيهيةً فحسب!.
و يقفُ مسلسلا: (كسر عَضم) و (مع وقفِ التنفيذ) في مقدَّمِ المشاريعِ الإنتاجيةِ التي نجحتْ في استفزازِ المشاهدِ، و أخضعتْ واقعَهُ إلى الفَلترةِ عبرَ موشورِ النقدِ؛ فرصدتْ انعكاساتهِ الفاجعةَ، و عواقبَهُ الوخيمةَ، و مُخرجاتهِ الطيفيَّةَ القاتمةَ المتخاذلةَ؛ فأنبأَتْ هذهِ الأعمالُ عن عودةٍ ميمونةٍ غيرِ مرتجلةٍ، بلْ مخططٍ لها، للدراما السوريةِ ..جلُّ همِّها إعادتُها إلى الصدراةِ كما العهدُ بها، ووقفُ نزيفِ هجرةِ الفنانينَ السوريينَ، و الحدُّ مِن ظاهرةِ استجداءِ فرصِ العملِ في الخارجِ. و لطالما أثبتَ هؤلاءِ الفنانونَ ــ حالُهم حالُ أدبائِنا ــ براعتَهم في التخطِّي و السَّبْقِ و تخطُّفِ بريقِ النجوميةِ، و التحصُّلِ على الجوائزِ في المناشطِ التكريميةِ عربياً و إقليمياً. و منْ فضائلِ دراما رمضان (2022): إعادةُ نجومِ التمثيلِ المستحقّينَ إلى واجهةِ الصدارةِ و البطولةِ المطلقةِ، أمثال الفنَّانينِ الرائعينِ: (فايز قزق) و (كاريس بشار).و ثمَّةَ فنانونَ لم يستحوِذوا على البطولةِ المطلقةِ أو الفرديةِ، على أنَّهم أبرزوا كفاءاتٍ عاليةً في الأدوارِ المسندةِ إليهم مهما تضاءلتْ مساحتُها، أو جنحتْ بهم عن سابقِ عهدٍ لهم في المهنةِ. و هنا أُشيرُ بإكبارٍ إلى الأداءِ الخلاّقِ للفنَّانينِ المحبوبينِ: (عباس النوري) و (غسان مسعود) في مسلسل (مع وقفِ التنفيذ). بينما غابَ فنانونَ آخرونَ كالأديبِ و الفنانِ الكبيرِ (بسام كوسا)، الذي آثرَ هذا العامَ استعادةَ شخصيتهِ الإبداعيةِ كمؤلفٍ و كروائيٍّ، فأصدرَ مؤخراً روايةً بعنوان (أكثر بكثير). و لمنْ لا يعلمون، فإنَّ الفنَّانَ المبدعَ (بسام كوسا) هو كاتبُ قصةٍ قصيرةٍ قبل أن يتحولَ إلى التمثيلِ، فيغدوَ أحدَ أيقوناتهِ الفاخرةِ. عشقَ الجمهورُ السوريُّ و العربيُّ أصالةَ أدائهِ، و فخامةَ احترافهِ للفنِّ، و انحازَ إليهِ، و تواطأَ معهُ حتى في أدوارهِ المُسهبةِ في الشرِّ و التَّنمرِ و الغطرسةِ.
و لهُ نقولُ: لا بأسَ ــ فنَّانَنا الجميلَ ــ بأخذِ قسطٍ من الراحةِ، لعلَّها استراحةُ المحاربينَ الأشدَّاءِ المغاويرِ!
لكن، نرجو ألَّا تطولَ و تمتدَّ.
(سيرياهوم نيوز26-4-2022)