الرئيسية » كلمة حرة » عادات ليست على مقاسكم

عادات ليست على مقاسكم

| خير الله علي

قبل هذه العشرية السوداء التي سُمّيت عشرية النار، لم نكن نحن السوريّون في رغد من العيش كما يحلو للبعض أن يقول. وأبدا، ما كان الحال على ما يرام، فالفساد الإداري وفشل التخطيط وربما الاصح إفشال التخطيط وغير ذلك من مظاهر الترهل في عمل الإدارات كانت واضحة كيفما اتجهت الأنظار، وحتى الإعلام الرسمي لم يتوان في تناول ذلك الخلل، كما لم يقصّر الكتاب والمفكرون على مدى سنوات، في الإشارة إلى كل ذلك، وطرح الحلول أيضا.

وكأمثلة نذكر: ظاهرة التوسع غير المعقول لمناطق السكن العشوائي حول المدن، والتي نصف سكانها أو أكثر يٌعدّون من الشريحة الحاصلة على شهادات عالية ..تراجع الخدمات …ظهور القطاع الخاص كمنافس غير شريف.. لا بحث علمي يعتدّ به…تدهور حال شركات ومصانع القطاع العام لصالح تجار الاستيراد.. زحمة البسطات والأكشاك على الأرصفة. تزايد أعداد الأسواق الشعبية ومحلات البالة … مشكلة المواصلات المزمنة .. هجرة الكفاءات والعقول…ووو الأمثلة كثيرة.

رغم ذلك كانت مشكلة الوقود محلولة والطعام كان متوفرا للسواد الأعظم. لكن العز كان دائما للرز، وجماعة الرز كانوا أولئك القائمين على الأمور وحاشيتهم، يضاف إليهم تجار حديثو نعمة..منافقون..وصوليون.. ولدوا من رحم الفساد. اولئك هم الذين أكلوا البيضة وقشرتها، ومعظهم كان أول من باع الوطن بقشرة بصلة وشمّع الخيط مع أول تمرد.

الغريب أن نتائج الحرب بعد أن استعاد الجيش سلطة الدولة على الجزء الأكبر من الجغرافيا، جاءت مخالفة لكل توقعات السوريين المخلصين، خاصة بعد أن ظنوا أن المنافقين الذين نهبوا المال العام من تجار ومسؤولين في الحزب والدولة قد غادروها، فما انتظره السوريون المخلصون من تحسين لواقهم المعيشي وعدالة اجتماعية وحرية في التعبير وإعلام يمثل الدولة بكل ما فيها وشفافية وغير ذلك لم يحدث. 

والذي حدث أنه فوق الموت جاءت عصّة القبر كما يقول المثل الشعبي، فكأن حكومتنا الرشيدة انتبهت إلى أن رعاياها لديهم وفرة في الأكل والشرب والمازوت والغاز والكهرباء، وأن هذه الوفرة لا تناسبهم، لأنها من وجهة نظرها عودتهم عادات سيئة تدل على البعزقة والإسراف والتبذير، وأن مداخيلهم الكبيرة التي توفرها لهم رواتبهم (المبحبحة)وأعمالهم الحرة في الزراعة والصناعة والتجارة، هي الأخرى أيضا أكبر من مقاسهم، وأنهم يسيؤون إدارتها.

ولذلك قررت تغيير هذه العادات لديهم من خلال برنامج الترشيد والتقنين الذي جاء به جهابذة الاقتصاد والمستشارون العباقرة ..ترشيد وتقنين؟؟؟ يقول عقلاء: لو كان برنامج ترشيد وتقنين لما أعترض أحد عليه، ولو أنه شمل الجميع، لما نطق مخلوق ببنت شفة،  وإنما كان نوعا من المصل كي يبقى المحتضر يتنفس فقط لا غير.

فقد أصبح توفر الكهرباء والمحروقات والماء والطعام والشراب وحتى الخبز هو نوع من المصل، أو المخدر، وتكحلت الرواية بقرارات رفع الضرائب إلى حدود شلت فيها الحركة؛ حركة التجارة والصناعة والزراعة ووو… ومتى؟ في فترة زمنية قاسية تصهر المواطن السوري وتطحنه كأنها حجرا رحى لا شفقة عندها ولا رحمة…فترة خسر فيها غالبية الناس مدخراتهم بالكامل.

لم تنتبه الحكومات المتعاقبة على مدى عقود من الاستقرار والوفرة إلى إدارة الموارد بطريقة صحيحة ومدروسة، واستثمار تلك الوفرة التي كانت بالتأكيد ضخمة، في انشاء مشاريع كبيرة، كالمصانع الثقيلة والخطوط الحديدية والانفاق والمدن المنظمة والمترو والسدود وغيرها، فقررت الآن وبهذه الأوضاع الكارثية أن تقوم بهذه المهمة؛ مهمة الترشيد طبعا.

وبعدما وقعت الواقعة، وبدلا من أن تبحث عن حلول فعّالة وناجحة لتعويض النقص الحاصل في الموارد نتيجة الحرب، وتحفيز المشاعر الوطنية عند الشعب المكتوي بنار الأزمة، وتشرّع أمامه أبواب العمل والأمل على مبدأ دعه يعمل دعه يمر الشعار الذي رفعته دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، راحت تغلق تلك الأبواب واحدا بعد الآخر من خلال قرارات وقوانين وسياسات اقتصادية غريبة عجيبة يسنها مسؤولون على مقاسهم ومقاس أولادهم جماعة البزنس مان..جماعة نعم للاستيراد ..لا للتصدير.

والمصيبة الأكبر أن قرار تغيير العادات لم يتوقف عند اجبار الناس على إدارة القلّة فحسب، بل امتد إلى تغيير منظومة الأخلاق، وهذا ما يسمونه الجهابذة: التكيف ومواكبة العصر والتطورات، فالذي لا يرتشي عليه أن يرتشي، والذي لا يكذب عليه أن يتعلم الكذب، والذي لا يسرق عليه أن يمتهن النهب واللصوصية، ومن لا يستطيع ذلك أمامه واحد من حلّين: الموت قهرا، أو الرحيل إن استطاع إلى ذلك سبيلا.

نقول هذا الكلام ونحن نعلم حجم المؤامرة على بلدنا، وثقل العقوبات، لكننا نعلم أيضا

أن جلّ ما ذكرناه كان نتيجة تصرفات قياصرة الداخل وفاسدوه. 

وبالآخر يأتي من يقول لك أن مسلسل /كسر عظم/ شيطن المجتمع السوري.

(سيرياهوم نيوز1-5-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

يسألونك عن أمريكا؟!

  سمير حماد يسألونك عن أمريكا ؟ أخطبوط المال والأعمال والسياسة والأذرع الممتدة على امتداد الكرة الأرضية, حيثما ارتُكبت جريمة حرب أو تغيير سياسي أوانقلاب ...