بناء على متابعة الإعلام الإسرائيلي منذ لحظة انفجار مرفأ بيروت وسلوكه في تغطية الحدث من الممكن أن نخلص إلى طبيعة الاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع لبنان وحزب الله.
يعبر الإعلام الإسرائيلي عن الاستراتيجية السياسية للمؤسسة السياسية والعسكرية بانعكاس صادق من خلال محتواه الإعلامي الذي يصدره للجمهور الإسرائيلي، بل في غياب المواقف الرسمية. يشكل الإعلام الخط السياسي الحقيقي للمؤسسة السياسية والعسكرية الرسمية الإسرائيلية، لذا بناء على متابعة الإعلام الإسرائيلي منذ لحظة انفجار مرفأ بيروت، وسلوكه في تغطية الحدث والصور، والفيديوهات التي يتم نشرها، والتعليقات لمعدي التقارير، ونوعية التحليلات التي تطرح، وصولا ًإلى قراءة لغة الجسم لمقدمي البرامج، من الممكن أن نخلص إلى طبيعة الاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع لبنان وحزب الله، ما بعد تفجيرات بيروت وأبرز نقاطها:
أولاً: هناك فرحة حقيقية داخلية لدى الإسرائيليين لما حدث في بيروت، برغم محاولاتهم الفاشلة لإخفائها، حيث لا يزال الحقد محفوراً في أعماق العقلية الصهيونية النازية على بيروت عاصمة المقاومة، مهما حاولت الديبلوماسية الصهيونية ادّعاء استعدادها لتقديم المساعدة للبنان، ومهزلة إنارة مقر بلدية تل أبيب بألوان علم لبنان وما واكبها من احتجاج صهيوني كبير على هذه الخطوة. هي لن تخفي بشاعة حقدها على لبنان: ويبقى التعبير الأكثر صدقاً عن الموقف الإسرائيلي، ما صرّح به عضو الكنيست “موشيه فيغلن” “الذي اعتبر أن ما حدث في بيروت أفضل هدية من الرب لليهود في عيد الحبّ اليهودي”.
ثانياً: منذ اللحظة الأولى للانفجار، اجتهد الإعلام الإسرائيلي للتأكيد مراراً وتكراراً من خلال المحللين العسكريين واستضافة المسؤولين الرسميين، أنه لا علاقة لـ”إسرائيل” بما حدث ، مشدداً على رواية الإهمال والفساد في المرفأ وفي لبنان بمجمله على الانفجار. وهنا نصبح أمام احتمالين:
الأول أن “إسرائيل” ليس لها علاقة بالتفجيرات وتخشى من تبعات تحميلها المسؤولية من قبل المقاومة في لبنان.
والاحتمال الآخر أن إسراعها في النفي القاطع استمرار لاستراتيجية المعركة بين الحربين المستمرة منذ حرب تموز ٢٠٠٦ والتي تعتمد على السرية وعدم استفزاز العدو إعلامياً.
لكن الاحتمال الأخير يحتاج إلى انتهاء التحقيقات اللبنانية بشكل تام وبأدلة ثابتة، لما يترتب على ذلك من استحقاقات مصيرية.
ثالثاً: تحميل حزب الله مسؤولية التفجير بشكل التفافي، وبطريقة متعمدة ولكن من خلال منطق إعلامي اجتزائي في كثير من التحليلات، يحمل في طياته سياسة تحريضية ممنهجة ذات محددات، من الواضح أنه تم تعميمها من قبل الرقابة العسكرية المؤتمرة باستراتيجية المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، حيث انهم يعتبرون حزب الله المسيطر الفعلي على لبنان والمتحكم بالمرفأ، وعندما تتم رواية قصة نترات الأمونيا وكيفية وصولها الى المرفأ والخلل الحكومي منذ ٢٠١٤م في تخزينها في المرفأ، وقبل أن يتضح عدم علاقة حزب الله بالحادث يتم القفز والتركيز على أن حزب الله يخزن صواريخه في الميناء، وأن نتنياهو كشف عن إحداثياتها سابقاً.
إلا أنه في المنطق المضطرب ذاته لا يمكن لتقاريرهم إخفاء حقيقة أن الاحداثيات التي كشف عنها نتنياهو، بينها وبين موقع الانفجار مسافة كبيرة.
رابعاً: تبعات الانفجار على لبنان. وهنا يبرز الهدف السياسي الإسرائيلي من جراء التفجير أو على الأقل حتى انتهاء التحقيقات، التوظيف السياسي للتفجيرات الذي يتمركز في تطبيق قرار مجلس الأمن 1559 لعام 2004، الداعي إلى نزع سلاح حزب الله وإبعاده عن الجنوب، حيث بات واضحاً أن المشروع الصهيو أميركي في المنطقة، بعد فشله في تطبيق هذا القرار من خلال حرب تموز 2006، وقبلها عبر إثارة الفوضى الداخلية في لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وبعدها المؤامرة على سوريا، الأمر الذي تحدث به رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق غيورا آيلاند بشكل مباشر بطرحه أنه “على وقع تفجير بيروت سيصبح الوضع الإنساني في لبنان كارثياً على مستوى توفير المواد الأساسية لحياة الناس”، وأنه “اذا تضافر الضغط الخارجي من قبل الدول المستعدة لتقديم مساعدات للبنان من أجل إعادة إعمار بيروت، مع الضغط الداخلي الشعبي والحكومي على حزب الله بخصوص سلاحه، من الممكن النجاح في نزع سلاح حزب الله وتفكيك قوته، لكن ليس من خلال قوة الذراع العسكرية هذه المرة، انما من خلال تركيز الضغط على حزب الله”.
خامساً: يسعى الإعلام الإسرائيلي لتوظيف انفجار بيروت وما خلّفه من دمار هائل ولا سيما أنه على غرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، كانت صور البث المباشر للانفجار حاضرة بقوة في ممارسة الحرب النفسية على حزب الله من جهة، وعلى الجبهة الداخلية اللبنانية من جهة أخرى، وذلك في محاولة جادة لإعادة بناء معادلة ردع جديدة مع حزب الله بعد نجاحه في صنع معادلة توازن ردع مع “إسرائيل”، تراجعت بها قوتها الهجومية تجاه مرتكز الدفاع بشكل كبير، ولاسيما أن التفجيرات أتت في توقيت كان التوتر على الحدود الشمالية على أشده، ويد حزب الله العليا بعد معركة قتال الغبار الإسرائيلية، وقصف مخاوفها من رد حزب الله الذي اعتبرها كثيرون في “إسرائيل” مهزلة عسكرية وسياسية معينة لقوة الردع الإسرائيلية.
بالرغم من كل الظروف التي تحيط بحزب الله والوضع في لبنان بشكل عام، وارتفاع التقديرات الإسرائيلية التي يروّج إعلامها أنها تصب في مصلحة “إسرائيل” من خلال تراجع حزب الله لانشغاله في الوضع الداخلي اللبناني بعد تفجير بيروت وآثاره السلبية، مازالت الخشية الإسرائيلية حاضرة بشكل ملحوظ من نجاح حزب الله في تخطي تبعات التفجير وقلب السحر على الساحر، كما فعل بالأزمة السورية وأطاح كل رهانات الاستراتيجية الإسرائيلية.
(سيرياهوم نيوز-الميادين٧-٨-٢٠٢٠)