| يحيى دبوق
لم تَعُد مسألة سقوط حكومة نفتالي بينت محلّ جدال؛ إذ إنّ رئيسها نفسه بات موقناً بأنّ ما تبقّى من عمر لائتلافه الحاكم لن يتجاوز أسابيع معدودات. إلّا أنّ ما يجري اليوم من شدّ وجذب بين معسكرَي الائتلاف، إنّما يستهدف ترتيب أوراق مرحلة ما بعد السقوط، والتي يحاول بينت إبقاء زمامها في يده، فيما يريد نائبه، يائير لابيد، سحبه منه، خصوصاً أن المرحلة الانتقالية قد تستمرّ لأشهر، إن لم يكن سنوات
تدْخل حكومة العدو الإسرائيلي شهرها الأخير من عامها الأول، من دون أيّ اطمئنان إلى أنّ ولايتها ستمتدّ إلى عامٍ ثانٍ. الحكومة التي باتت أشبه بـ«بطّة عرجاء»، تبدو شديدة الهشاشة أمام المتغيّرات والتحدّيات على اختلافها، فيما السؤال لم يَعُد حول احتمال سقوطها فحسب، بل حول كيفيّته وأسبابه، التي وفقاً لها يتحدّد شكل السلطة الانتقالية وهويّة رئيسها، إلى حين إجراء انتخابات جديدة لـ«الكنيست». حتى الأمس، كان الإعلان عن سقوط الحكومة وشيكاً، لكن الأمور سرعان ما عادت إلى المربّع الأول، بعدما قرّرت «القائمة العربية الموحّدة» برئاسة منصور عباس، الذي أعلن سابقاً تجميد عضويّته في الائتلاف الحكومي، الامتناع عن التصويت ضدّ الأخير في جلسة سحب الثقة التي كان دعا إليها حزب «الليكود» المعارض، وهو ما كفل تمديد عمر حكومة نفتالي بينت – يائير لابيد، من دون أن ينهي حالة اللايقين حول مصيرها.
وتنقسم الحكومة الحالية إلى معسكرَين: واحد برئاسة بينت، تصطفّ فيه أحزاب يمينية بدأ موقفها يتخلخل جرّاء الاستقالات في صفوفها؛ وآخر بقيادة نائبه يائير لابيد، الذي يُفترض – على الورق – أن يتسلّم الرئاسة من بينت، وفقاً لاتفاق الشراكة بين الجانبَين، في آب 2023. على أن المعركة بين المعسكرَين لا ترتبط بالدفاع عن الحكومة وبقائها، بل بطريقة سقوطها، الذي يقرّ بينت ومقرّبوه بأنه أضحى مسألة أسابيع قليلة فقط، وهوية مَن سيترأّسها خلال المرحلة الانتقالية.
وينصّ اتفاق الائتلاف على أنه إذا أطاحت الكتلة اليمينية بالحكومة، فإن لابيد سيتولّى رئاسة الوزراء لما لا يقلّ عن أربعة أشهر ونصف شهر أو خمسة أشهر، وهي فترة زمنية تشمل الانتخابات المقبلة، ومفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، لكن تجربة العامَين الماضيين تنبئ بأنّ الانتخابات قد تتكرّر عدّة مرات، ما يعني بقاء لابيد رئيساً شهوراً، إن لم يكن لسنوات. في المقابل، ينصّ الاتفاق على أنه في حال صوّت حزب أو أعضاء «كنيست» – وإن بشكل فردي – من معسكر لابيد (يش عتيد، أزرق أبيض، العمل، ميرتس، يسرائيل بيتنا، وراعم)، على حلّ البرلمان، أو ساهموا بشكل غير مباشر في حلّه، يبقى بينت رئيساً للوزراء في المرحلة الانتقالية إلى حين انتخاب بديل له، الأمر الذي قد يستغرق شهوراً أيضاً، إن لم يكن سنوات. ومن هنا، يمكن تفسير قرار كتلة «راعم» (منصور عباس) الامتناع عن التصويت لمصلحة سحب الثقة من الحكومة. إلّا أنّ هذا «القطوع» جرى تمريره لأسباب ترتبط بالقائمة نفسها، التي تشهد تجاذبات بين أعضائها حول البقاء أو الانسحاب من الائتلاف، وهو ما قد لا يبقى على حاله.
تعيش الحكومة الإسرائيلية على حدّ السيف، في ظلّ غموض حول إمكانية استمرارها
في الوقت نفسه، تكاد لعبة المزايدة والابتزاز بين مكوّنات حكومة بينت، لا تنتهي. فمن ناحية الأعضاء اليمينيين، وتحديداً حزب «يمينا» برئاسة بينت نفسه، يجري العمل على اتّخاذ مواقف وإجراءات غاية في التطرّف، من شأنها إحراج جزء من كتلة لابيد أو المحسوبين عليه، وبالتالي دفعهم إلى الانسحاب منها، بما يُتيح بقاء رئيس الوزراء الحالي في منصبه لدى سقوط الحكومة. في المقابل، تَبرز خطوات مماثلة على ضفّة المعسكر المضادّ، بهدف دفع يمينيّين إلى الانسحاب من الائتلاف، الأمر الذي يتسبّب بسقوط الحكومة، لكن مع انتقال رئاستها إلى لابيد. هذه «اللعبة السياسية القذرة» وفقاً لوصف المراقبين، كما اللاثقة بين مكوّنات الائتلاف، باتت سمة الحكومة الإسرائيلية الحالية، وهو واقع من شأنه أن يفسّر الكباش الداخلي بين أطرافها في أكثر من اتّجاه، بما بات يسري كذلك على القضايا الأمنية وأساليب معالجتها، وإن كان للمؤسسة العسكرية قرار الفصل فيها في حال وصل الخلاف إلى حدّ الإضرار بالمصلحة الإسرائيلية التي تتشخّص وفقاً لاعتبارات أكثر مهنية، لدى دوائر القرار العسكري والأمني في تل أبيب.
بالنتيجة، تعيش الحكومة الإسرائيلية على حدّ السيف، في ظلّ غموض حول إمكانية استمرارها، لا إلى نهاية ولايتها المفترضة في 2025، بل إلى أسابيع معدودة. وبما أن مسارها الآني مشبع بالتحدّيات، فإن سقوطها بات محسوماً. لكن، في حال سقطت، هل يبقى بينت رئيساً لها، أم يَخلفه نائبه؟ هذا هو الاعتبار الأوّل الذي يَحكم مواقف أطراف الحكومة وأفعالهم، في كيان باتت حكوماته الناتجة من الانتخابات تعيش أقلّ بكثير ممّا تعيشه تلك المؤقّتة الانتقالية.
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار