الرئيسية » كتاب وآراء » مَن الأقرب لنا: إيران أم أنظمة التبعية والتآمر (العربية)؟

مَن الأقرب لنا: إيران أم أنظمة التبعية والتآمر (العربية)؟

| رشاد أبو شاور

في الصراع مع الكيان الصهيوني لا بد من السؤال: مَن يقف معنا كعرب ويدعم كفاحنا، ومَن يقف مع عدوّنا ويدعمه؟

يتردّد هذا التعبير كثيراً هذه الأيّام: لا مصالح دائمة ولا خصومات دائمة، وهذا التعبير بات كأنه حقيقة ثابتة لا تتغيّر، علماً بأنه تعميم مطعون فيه، وناقص، ومضلّل، ومن يستخدمونه خاصة في بلاد العرب يستندون إلى منطق شكلي جوهره مصلحي إقليمي ضيّق خارج عن مصالح الأمة.

هناك خصومات غير ثابتة تتغيّر لتحل مكانها علاقات مصلحية مختلفة، تلتقي فيها مصالح مشتركة، وهذه العلاقات التي تأتي بعد خلافات وصراعات تبدو كأنها لن تزول، ولن تُصلح، تتبدّد عند اكتشاف أنها، أي الخلافات أو الصراعات، باتت عبئاً وخسارة وإضاعة وقت على فوائد مشتركة للطرفين المختلفين لأسباب انقضى وقتها، وباتت وراء الظهر، ولا يجوز أن تستمر.

ولكن هناك بالتأكيد عداء لا يمكن أن ينتهي إلّا بانتهاء أحد الطرفين، وهذا حدث مع شعوب وأمم خاضت صراعات دامية عنيفة مكلفة مع مُحتلّي بلادها وناهبي خيراتها، إلى أن تمكّنت من طردهم وحقّقت حريتها. ألم يحدث هذا في الجزائر؟ ألم تقاتل الجزائر إلى أن كنست الاحتلال الفرنسي الذي استمر مئة وثلاثين عاماً ونالت استقلالها بعد ثورة ضحّت فيها بمليون ونصف مليون شهيد، هذا عدا عن الخراب الذي تسبّب فيه الاستعمار الفرنسي القاسي والشرس والوحشي بأساليب قمعه… واستقلّت بعد التضحيات المكلفة عام 1962… وألهمت ثورة الجزائر شعوباً كثيرة في العالم، ومنها شعب فلسطين العربي الذي ما زال يقاتل لنيل حريته.

هناك صراعات لا يمكن أن يُقال عنها: لا مصالح دائمة ولا خصومات دائمة، كما يروّج بعض حُكّام العرب هذه الأيام، ممّن هم في مراكز السلطة والتحكم، وفي المقدمة منها: الصراع العربي الصهيوني.

بين الأمم المتجاورة يمكن أن ينشأ صراع، وخلافات، سواء على الحدود أم لأطماع في التسيّد، ولكنّ هذه الخصومات يمكن أن تُحلّ بتغيّر في سلطة باغية، أو بتوازن القوى، أو بالتقاء المصالح وعدم بغي أمة، أو شعب، على الجار القريب المستقرّ على أرضه التاريخية. (هذا ماثل في عدوان تركيا الإردوغانية على الأرض العربية السورية)… فبمجرد سقوط نظام إردوغان وحزبه الحاكم يمكن أن تُصلح العلاقة وتتغيّر إلى صداقة وجيرة طيبة.

في زمن الشاه كانت (إيران) سياسياً في موقع العدو، لأنها كانت صديقة للكيان الصهيوني، وكانت تهدّد أمن العرب في منطقة الخليج، وكانت تتآمر على الحركة القومية العربية الناهضة بقيادة جمال عبد الناصر… ولكن هذا العداء انتهى عندما قامت ثورة الشعب الإيراني الإسلامية، وطردت السفارة الصهيونية ومنحتها للشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية.

هنا باتت المصالح أخوية ما دامت الثورة الإسلامية تقود إيران، وتوجّهها ضد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية. في الصراع مع العدو الصهيوني المحتل لفلسطين، لا يمكن طرح مقولة: لا مصالح دائمة ولا عداوة دائمة، فهذا صراع تناحري لا يمكن أن ينتهي إلّا بحسمه لمصلحة صاحب الحق المعتدى عليه، وهو في هذه الحالة الأمة العربية على أرض فلسطين، حيث إن أيّ تنازل يعني أن المصلحة الدائمة للأمة تبقى في حالة خسارة، مهدّدة، ويمكن أن تتفاقم خسارتها ويتهدّد وجودها.

في الصراع مع الكيان الصهيوني لا بد من السؤال: مَن يقف معنا كعرب ويدعم كفاحنا ومقاومتنا في فلسطين وفي كل قُطر عربي يُعتدى عليه… ومَن يقف مع عدوّنا ويدعمه ويقوّيه؟ (هل هناك ضرورة للتذكير بأن عدوّنا الصهيوني يحتل الجولان السوري، وبعض الأرض اللبنانية ويواصل اعتداءاته باستمرار؟).

الكيانات الإقليمية العربية أسفرت عن وجهها، وأخذت تخوض حرباً معلنة في وجه كل قوى المقاومة، وأنظمة الحكم الرافضة للهيمنة الأميركية، وللوجود الصهيوني وجرائمه في فلسطين، وهنا تبرز أمامنا حقيقة لا لبس فيها، وهي أن الأمة العربية ليست واحدة في مصالحها، وأنه يوجد منها مَن بات في موقع العدوّ تماماً، وما عاد هذا الأمر يحتمل الاجتهاد والغوص في التحليلات والتفسيرات والتأويلات.

هنا أسأل: لماذا كانت دويلات الخليج تُنشِئ علاقات مع شاه إيران حليف الكيان الصهيوني، وتحرص على استرضائه بخنوع، وانقلبت إلى حالة من العداء عندما خلع الشعب الإيراني ذلك الطاغية المعادي للعرب والمتحالف مع الكيان الصهيوني؟

إن حلفاء الشاه وأصدقاءه من الحكّام العرب هم اليوم مَن يكيدون للجمهورية الإسلامية، وهم أنفسهم من يطبّعون مع الكيان الصهيوني، ويتآمرون على فلسطين القضية والشعب، ويطعنون الأمة العربية وكل مسلمي ومسيحيي العالم الذين تُستباح مقدساتهم في فلسطين، ويهدَّد أمنهم… ويتآمرون على كل المقاومات العربية خدمة لأميركا والكيان الصهيوني.

هل نسأل: مَن كان يتوقع في أي يوم أن تقيم سفارة الكيان الصهيوني حفل تأبين في أبو ظبي  في مناسبة ما يسمّونه عيد “الاستقلال” أي احتلال فلسطين، ويتم تأبين جنود العدو الذين قُتلوا وهم يخوضون حربهم لاحتلال المدن والقرى الفلسطينية، وتأبين مَن يوصَفون بمدنيّيه من عصابات الهاغاناه وشتيرن؟

بماذا نصِفُ مَن يرسلون طائراتهم المُشتراة بمال النفط العربي لتشارك في احتفالات عيد “استقلال” الكيان الصهيوني… أي في ذكرى نكبة العرب في فلسطين؟

خوَنة… من دون لعثمة، ومن دون تردّد، ونضعهم بالضبط مع العدو الصهيوني الذي يخوض عرب فلسطين معاركهم البطولية المبهرة لاقتلاعه، وإعادة فلسطين حرة عربية لتتواصل أرض الأمة مشرقاً ومغرباً، وينتهي الكيان المغروس خنجراً في قلب الأمة، مانعاً لتواصلها، وقاعدة عسكرية دائمة لمطامع الإمبراطورية الأميركية.

من الحقائق التي أدركتها الشعوب المقاومة الثائرة، أنه لا يمكن الخلط في معارك الحريّة، فلا بد للأمة، وقادتها، من إدراك مَن يقف معها ويدعم نضالها، ويؤازرها في معركة حريتها، ولا بد من الصلابة في المواقف، وعدم الخلط…

الجمهورية الإسلامية تساعد الشعب الفلسطيني المقاوم، وتدعمه عسكرياً، ومالياً، ودبلوماسياً، وتنصره في كل المحافل… وهذا لا يحتاج إلى براهين.

مَن يبرّرون خوفهم وقلقهم على بقائهم من برنامج إيران النووي لا يجدون ما يقلق في مئات الرؤوس والقنابل الذريّة التي يملكها الكيان الصهيوني… علماً بأن إيران تحكمها فتوى المرشد بتحريم السلاح النووي الشرير!

مع ذلك، فبدلاً من أن يتّحدوا، فإن الصراعات بينهم محتدمة دائماً، فهم يتنافسون ويتنابذون ويتكايدون، ويتسابقون على التقرُّب من أعداء الأمة.

أنا أعرف كمتابع أنّ حماس تتلقّى الدعم المالي، وكذلك الجهاد، والجبهة الشعبية، والجبهة الشعبية القيادة العامة… وفصائل أخرى، وأن سفير فلسطين في الجمهورية الإسلامية ينتمي إلى فتح، وهو عميد لجميع السفراء… أليس هذا دعماً سياسياً ودبلوماسياً لفلسطين القضية والمقاومة والشعب؟! 

هذا في حين يعتبر أولئك الحكّام التابعون أن عمليات المقاومة في فلسطين هي عمليات إرهابية!

أنا أسال كل فلسطيني، وعربي مسلم ومسيحي: هل تُساوي بين آل سعود الذين تآمروا باستمرار على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ويذبحون شعب اليمن، ويقهرون شعب البحرين الثابت في انحيازه إلى فلسطين وقدسها، وأبناء زايد المطبّعين الذين باتوا متماهين مع الكيان الصهيوني وحاكم البحرين، وبين مواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟!  

لا أظن أن أحداً ممّن يتابعون مسيرتي الفكرية والثقافية يمكن أن يشكّك في تفكيري وانحيازي، ولهذا أرى أن من يقف مع قضيتي وينصرها، ويدرّب مقاتلي فلسطين، ويمدّهم بالسلاح والخبرات، ويشدّ أزرهم في مواجهة مشروع الكيان الصهيوني التدميري والتخريبي… لا يمكن أن يُنظر إليه كحكّام دويلات التبعية.

يجب أن لا ننسى ما فعله حكام التبعية بسوريا، وكيف أباحوا أرضها للعثماني إردوغان ليحتلّها، وكيف سلّحوا وموّلوا مئات الألوف من المرتزقة ليمزّقوا نسيج ووحدة شعب سوريا، حامل راية العروبة وحامي هويتها… وهل ننسى اعتراف رئيس وزراء قطر بـ”أنهم” أنفقوا 137 مليار دولار لصيد سوريا… وتحسُّره لأن الصيدة قد أفلتت!

إنهم أعداء للعروبة الجامعة، للعروبة التقدمية، للعروبة النهضوية، وإننا يجب أن لا نغفر لهم… ومن العار والجهل أن نساوي بينهم وبين مَن يقف معنا ويدعمنا ويجعل القدس عنواناً كبيراً في صراعه مع الكيان الصهيوني… وهو صراع مكلف.

ينتمي حكّام دويلات النفط إلى مصالحهم، ويُوالون مَن يرعونهم ويديرون شؤونهم، وهم انفصلوا عن الأمة العربية، ولم يعودوا منتمين إلى طموحات ملايينها، فهم يراكمون ثروات لم يتعبوا في جَنيها، ويرون أن وُلاتهم الأميركيين أوجدوها لهم، وأنهم اكتشفوها وقسّموا لهم “رزقهم” منها، والولاء لا يكون إلّا لهم، ورضاهم يتضاعف مع رضى الكيان الصهيوني… وهناك تكمن مصلحتهم، ولذا نقول ببصيرة المنتمين إلى فلسطين وإلى العروبة الحقّة: العربي هو مَن يقاوم وجود الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين والجولان والأرض اللبنانية… وليس عربياً مَن يرفع العلم الصهيوني في سماء بقعة من أرض الوطن العربي… والإيراني، والفنزويلي، والكوبي… أقرب إلينا ممّن تحلّق طائراته مع طائرات العدو فوق القدس، منضوياً تحت علم النجمة السداسية الصهيوني. شعبنا يعرف كل هذا، وملايين العرب يعرفون عدوّهم ويميّزون بينه وبين صديقهم… وفلسطين ستبقى هي الكشّاف، وليس كلّ مَن يدّعي أنه عربي مخلص ووفيّ لها، وفي امتحانها يسقط المتقاعسون المنتمون إلى العروبة بالصدفة.

عندنا مثل يقول: جزى الله الشدائد كل خير تعرّفني عدوّي من صديقي… فهل نحتاج إلى مزيد من الشدائد فوق الشدائد التي ابتُلينا بها، لنعرف مَن عدونا ومَن صديقنا؟!

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...