نشرت صحيفة الغارديان مقالا قالت فيه إنها كانت صدمة للجميع أن يشاهدوا جنود شرطة الحدود الإسرائيلية وهم يهاجمون جنازة الصحفية الفلسطينية الراحلة شيرين أبو عاقلة. ولم تكن تلك الصدمة فقط من فرط قسوة الشرطة الإسرائيلية، بل لأن القوات الإسرائيلية أقدمت على تلك الممارسات التي ألحقت ضررا بالغا بسمعة إسرائيل.
ولم يكن هذا الهجوم هو الإجراء العدائي الوحيد الذي أقدمت عليه إسرائيل ضد أبو عاقلة، إذ يرجح أن الصحفية الفلسطينية قُتلت برصاص قناص إسرائيلي، كما داهمت الشرطة الإسرائيلية منزل أسرتها وهددت شقيقها قبيل الجنازة، وغيرها من الممارسات التي تعكس إحساسا متزايدا لدى صناع القرار وقادة الجيش في إسرائيل بالقدرة على الإفلات من العقاب مهما فعلوا.
وكانت إسرائيل قد وعدت الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن جنازة أبو عاقلة سوف تلقى القدر الكافي من “الاحترام”، لكن ذلك لم يتحقق على الإطلاق. وأظهرت الفيديوهات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ممارسات تتناقض مع ما وُعد به بايدن، إذ كان جنود إسرائيليون يمزقون العلم الفلسطيني الذي كان يغطي جثمان الصحفية الراحلة، كما انهال الجنود ضربا بالهراوات على حاملي الجثمان حتى كاد أن يسقط على الأرض.
رغم ذلك، لم تصدر إدانة واحدة من قبل الولايات المتحدة لقيادات إسرائيل بسبب ما حدث، بل لم تصدر أي إدانة لأي من ممارسات جيش الاحتلال لسنوات طويلة، وفقا لكاتبة المقال، إليزابيث تسوركوف. واقتصر رد فعل الخارجية الأمريكية تجاه ما حدث على تصريحات لأنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكية، وصف فيها القوات الإسرائيلية بأنها “تطفلت على مراسم الجنازة” كما لو كانت تلك القوات ضيوفا أتوا إلى الجنازة بلا دعوة.
ويمكن لإسرائيل أن تأمن العقاب على جميع ما تقترفه في حق الفلسطينيين وما تقدم عليه من انتهاكات في الأراضي الفلسطينية اعتمادا على صمت المجتمع الدولي وتقاعس العالم. وبينما لا يبدو أن الحكومة الإسرائيلية سوف تتخذ إجراءات للتحقيق فيما حدث أثناء الجنازة وتؤدب الجنود المتورطين أو تٌسائل القناص الذي قتل أبو عاقلة – التي كانت ترتدي سترة تشير بوضوح إلى أنها صحفية – دون أن يتسبب ذلك في إدانتها دوليا، قد تواجه الحكومة الحالية انتقادات حادة من الداخل من جانب اليمين الإسرائيلي.
وقد تأتي الانتقادات من اليمين نظرا لاختفاء شبه كامل لقوى اليسار السياسي في إسرائيل منذ حوالي عشر سنوات بعد أن أصبحت الغلبة في المشهد الإسرائيلي لليمين المتشدد بدعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، وهو ما يعني أن المنافسة السياسية في البلاد تأتي من قلب الكتلة اليمينية. ودفعت الهيمنة اليمينية على الساحة أغلب السياسيين الإسرائيليين إلى التحول إلى اليمين حتى لا يفقدوا شعبيتهم.
وكانت تلك الهيمنة سببا في أن يأمن أغلب الجنود سواء في الشرطة والجيش الإسرائيلي العقاب حال الإقدام على أي ممارسات تنطوي على انتهاكات أو جرائم في حق الفلسطينيين. ورغم حرص نتنياهو ومن بعده نافتالي بينيت، رئيس الوزراء الحالي على تفادي الظهور بمظهر المتهاون مع القوات الإسرائيلية، غالبا ما كانا يفشلان في ذلك.
والأحداث التي تدل على ذلك عديدة، أبرزها التقاط كاميرات للجندي الإسرائيلي إيلور عزاريا وهو يقتل شاب فلسطيني معاق في الخليل في 2016. وكان رد الفعل المباشر لنتنياهو هو إدانة الحادث، لكنه دعا إلى العفو عن عزاريا بعد رؤية نتائج استطلاعات رأي إسرائيلية تؤيد ذلك. وبعد أن قضى الجندي تسعة أشهر في السجن الحربي، أُطلق سراح الجندي القاتل وتحول إلى أحد نجوم الأوساط اليمينية في إسرائيل.
وقالت منظمة يش دين الحقوقية غير الحكومية الإسرائيلية إن 7 في المئة فقط من الشكاوى ضد الجنود الإسرائيليين انتهت إلى المحاكمة بينما أُغلق 80 في المئة من تلك الشكاوى دون إجراء تحقيق جنائي، وهو ما يجعل أفراد القوات الإسرائيلية يأمنون العقاب ولا يتوقعون على الإطلاق أن يواجهون أية تبعات لما يقدمون عليه من انتهاكات.
وقالت الغارديان إن محاولات تمزيق الجنود الإسرائليين العلم الفلسطيني الذي غُطي به جثمان أبو عاقلة توضح أن له مدلولا سياسيا واضحا يتضمن أنهم يريدون طمس أي معالم تدل على الهوية الفلسطينية.
ورغم ما ألحقته ممارسات القوات الإسرائيلية أثناء جنازة أبو عاقلة من أضرار بسمعة إسرائيل، لن تجد القيادة الإسرائيلية ما يحملها على التوقف عما ترتكبه من انتهاكات في حق الفلسطينيين إذا لم تظهر إدانة دولية لها نتائج سياسية ملموسة لما حدث في جنازة الصحفية الفلسطينية.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم