| علي عبود
نادرا مايمر يوم دون أن نقرأ عبارات من قبيل : تقنين صارم للكهرباء ، أوطوابير طويلة أمام الأفران ، أو جنون الأسعار ، أو اختفاء سلع أساسية من موائد ملايين السوريين ..الخ!
والملفت إن جهات حكومية على مختلف مسمياتها ومتدرجاتها وفي مقدمتها وزراء التجارة والنفط والكهرباء والإقتصاد تصر على إقناع المواطن إن السبب في كل ذلك هو الحرب تارة ، والحصار الإقتصادي غالبا.. فهل هذا صحيح؟
نعم .. أثّرت الحرب الإرهابية على سورية ، وكذلك الحصار الإقتصادي، بتنغيص حياة ملايين السوريين ، ولكن لايعني هذا إنهم كانوا يعيشون برغد وبحبوحة في العقود الماضية!!
ولن نبالغ إذا ما اختصرنا حال السوريين بهذه الجملة: حاضرنا إنعكاس للماضي البعيد!
(ويبدو أن حمى الأسعار طالت جميع أنواع المواد والسلع التموينية وغير التموينية ، فالفروج أصبح عزيز المنال والكوسا والباذنجان والبطاطا والبندورة وغيرها من الخضروات التي كانت لا تغيب عن موائد المواطنين في هذه المواسم أصبحت بدورها من المواد التي لا نجدها إلا على موائد الميسورين)!!
قد يبدو هذا الكلام ينطبق تماما على الحاضر ،لكنه مقتطع من زاوية نشرناها في 4/5/1987 !!
وإذا كان سعر الفروج بعدما وصل الكيلوغرام إلى 20 ليرة آنذاك لم يعد قي متناول من كان راتبه 1300 ليرة (300دولار) .. فماذا يمكن أن يقال عن سعر الفروج اليوم لمن لايتجاوز راتبه 40 دولارا بالسعر الرسمي؟
(صحيح أن جميع السلع متوفرة ولكن السؤال : من يستطيع أن يشتري حاجته منها من أصحاب الدخل المحدود ؟) !!
هذا السؤال الذي طرحناه بتاريخ 2/4/1988 ألا نطرحه اليوم على مدار الساعة!!
(فجأة ارتفعت أسعار البيض والفروج ومواد تموينية أخرى كالألبان والأجبان والمنظفات ، ولا يخفي أصحاب البقاليات عن زبائنهم بأن الأسعار سترتفع أكثر خلال الأسابيع القادمة لأن التجار تعودوا على رفع موادهم بشكل تدريجي بين الحين والآخر)!
هذا الكلام الذي كتبناه مع الكثير من الزملاء بتاريخ 17/9/1989 .. ماذا يختلف عن كلامنا اليوم؟!
(وفي جميع الأحوال كنا ننتظر ونحن نرى أسعار المواد تقفز هذه القفزات الجنونية حتى تجاوزت نسبة 300% ـ 400 % في العديد من المواد أن تتحرك وزارة التموين بجدية لإعادة التوازن إلى الأسواق ..
ولكن يبدو أن التحرك لا يزال يقتصر حتى الآن على الاجتماعات والجولات الميدانية دون نتائج ملموسة على أرض الواقع تخفف من الأعباء المعيشية للمواطنين)!
هذا التوصيف لواقع الأسعار والرقابة يعود إلى 30/3/1988 .. ترى الا يثبت ذلك إن حاضرنا هو إنعكاس أمين لماضينا البعيد وليس القريب جدا!!
(وإذا كانت وزارة التموين تؤكد في مناسبات عديدة إننا ننتج من الخبز أكثر من حاجة المواطنين فإننا نسألها فورا : لماذا هذا الازدحام المستمر والمتواصل على الأفران ؟
نعم السؤال مطروح في زاوية نشرناها بتاريخ 17/7/1988 .. ولا يزال السؤال يُطرح في أي زاوية سنكتبها الآن ومستقبلا!!
(وفي كل اجتماع نسمع تقريباً نفس العبارات : تحسين الرغيف ، إلغاء الازدحام على الأفران ، تشديد الرقابة ، ضبط المخالفين ، زيادة مخصصات الأفران ، منع تهريب الدقيق..الخ ومع ذلك فإن الأزمة مستمرة والشكاوى متواصلة وفي جميع المحافظات .. إلى حد أصبحنا نصدق فيه أن أزمة الخبز قد أصبحت فعلاً مستعصية على الحل)
أليس غريبا أن نكرر هذا التوصيف المنشور بتاريخ 2/9/1988 .. مرارا وتكرارا اليوم وفي الماضي القريب أيضا!!
(فبعد فترة قصيرة من تجربة المعتمدين الذين حصر بهم توزيع الخبز بدلاً من الأفران والمؤسسات الاستهلاكية والتجزئة والأكشاك بقيت الأزمة على حالها ولكن بشكل آخر ، وبدلاً من أن تكون الأزمة على أبواب الأفران وهي أسهل أصبحت مع معتمدي الخبز وهي أصعب)!
نعم .. ماكتبناه بتاريخ 13/5/1989 حول عدم تجاح تجربة معتمدي الخبز تصر وزارة التجارةعلى تكراره اليوم.. فلماذا؟
(يبدو أن هناك الكثير من المستفيدين من افتعال أزمة الخبز ، والمواطن الذي يضطر يومياً للتدفيش والانتظار ساعات طويلة أمام كوى الأفران والمخابز الآلية والاحتياطية والخاصة للحصول على ربطة أو ربطتين من الخبز السيئ جداً .. يدرك أكثر من غيره أن المستفيد من هذه الأزمة هو مستثمر الفرن أولاً ..
والأطفال الذين يبيعون الربطة الواحدة بعشر أو خمس عشرة ليرة لمن لا تسمح له ظروفه بالتدفيش ثانياً .. وهؤلاء الذين يحصلون على الدقيق بأساليب ملتوية لتصنيع الخبز المرقوق ، بمعدل ليرتين للرغيف الواحد ثالثاً !
ترى ماذا تغير من هذا التوصيف المنشور بتاريخ 2/7/1989 عما يحصل اليوم وكأنّ التاريخ يكرر نفسه في كل يوم وليس في كل سنة!!
والأمر لايختلف كثيرا بالنسبة للمحروقات (فالإختناقات التي تشهدها منافذ توزيع اسطوانات الغاز في دمشق والمحافظات الأخرى تشير إلى بروز أزمة خانقة في الغاز ، وقد لا تكون هذه هي المرة الأولى التي نعيش فيها مثل هذه الأزمة ،وبخاصة في فصل الشتاء حيث يزداد استهلاك الغاز)!
نحن هنا نقتطع جملة من زاوية منشورة بتاريخ 14/2/1989 .. وليس من زاوية منشورة اليوم أو منذ أيام أوأسابيع قليلة ماضية!
أما بالنسبة للحمضيات التي تعاني من أزمة تسويق وتصدير فهي أزمة دائمة وليست مستجدة وقد قلنا في زاوية بتاريخ 25/12/1989 التالي:
(ومع أن الأسواق الخارجية مفتوحة أمام الحمضيات فإن سورية تعاني من أزمة فيض في هذا المحصول يصل حالياً إلى 100 ألف طن ، وكان يتوقع لهذا الرقم أن يكون أكبر من ذلك بكثير لولا موجة الصقيع التي تعرضت لها الحمضيات العام الماضي ، وهذا يعني بأن الفائض في الأعوام القادمة سيزيد كثيراً عن حاجة السوق المحلية)!
بعد كل هذه الدلائل الا يثبت ذلك إن مامن حكومة منذ ثمانينات القرن الماضي ،وخاصة في سنوات الوفرة والبحبوحة ، كانت جادة بإيجاد الحلول لأزمات المواطن قبل أن تستعصي على أية حلول؟
(سيرياهوم نيوز3-خاص بالموقع22-5-2022)