في لحظةٍ هزّت العالم ومجتمع الصحافة، طرح مراسل في «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي. بي. سي) واحداً من أكثر الأسئلة الصادمة أخلاقياً على الهواء مباشرة: «هناك مسألة التناسب. هل من المبرر قتل خمسة صحافيين عندما يكون المستهدف واحداً فقط؟».
معادلة القتل الرقميّة
الجملة بُثت أثناء تغطية الإذاعة لعملية اغتيال اسرائيل لخمسة صحافيين فلسطينيين من قناة «الجزيرة» في غزة. هكذا، وبقسوة عفوية ووحشية باردة، اختزلت «بي. بي. سي» خمسة صحافيين، مجموعة من البشر، إلى مجرد أرقام في دفتر خسائر «مقبولة».
لم تتعامل الإذاعة مع قتل الصحافيين باعتباره جريمة حرب أو انتهاكاً لحرية الصحافة، بل كقرار تكتيكي يمكن تقييمه عبر ميزان الربح والخسارة. الفرضية الضمنية هنا هي أن عدداً من القتلى من الصحافيين قد يكون «مبرراً» إذا اعتُبر الهدف العسكري مهماً بما يكفي.
ربما الأكثر إثارة للصدمة في السؤال هو الطابع الاعتيادي الذي طُرح به. طرح المذيع السؤال بنفس النبرة التي قد تُطرح بها أحوال الطقس أو حركة المرور.
الضحايا كإحصاءات
ما يجعل نهج الـ «بي. بي. سي» مقلقاً إلى هذا الحد هو الطريقة التي تجرّد الضحايا من كل أثر للإنسانية. هؤلاء لم يكونوا أرقاماً مجردة ولا أهدافاً عسكرية — كانوا صحافيين يعملون على الأرض، من بينهم أنس الشريف، المراسل المعروف في «الجزيرة»، الذي وثّق حياة الفلسطينيين في غزة. كل واحد من الخمسة كان له اسم، وزملاء يفتقدونه، وأُسر لن تراه مجدداً.
ومع ذلك، تحوّلوا في صياغة شبكة الإذاعة البريطانية إلى معادلة حسابية بسيطة: هل يُعتبر موت خمسة أشخاص أضراراً جانبية مقبولة من أجل هدف واحد مقصود؟ كأنّ حياتهم لا قيمة لها إلا بقدر علاقتها العددية بهدف عسكري.
حين تخون وسائل الإعلام نفسها
من خلال تأطير الوفيات كسؤال عن التناسب، تقبل الـ «بي. بي. سي» ضمناً أن الصحافيين يمكن أن يكونوا أهدافاً مشروعة للعمل العسكري، طالما أن الأرقام «تتوازن».
يمثل هذا النهج خيانة عميقة لمهنة الصحافة نفسها. فالمؤسسات الإخبارية تتحمل واجباً أساسياً في الدفاع عن حرية الصحافة وسلامة الصحافيين في كل مكان. بدلاً من ذلك، قدّمت «بي. بي. سي» غطاءً فكرياً للهجمات على الإعلاميين عبر الإيحاء بأنه في ظروف معينة قد يكون قتل الصحافيين «مبرراً»
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار