علي عواد
تصدّر DeepSeek الصيني عناوين الأخبار بعد إطلاق نموذج ذكاء اصطناعي (AI) يتفوق على ChatGPT في اختبارات مستقلة، ما أثار ذعر الأسواق الأميركية. هبطت أسهم كبرى الشركات واندلعت موجةٌ من الهجمات السيبرانية الغامضة التي استهدفت المنصة والمستمرة حتى لحظة كتابة هذه السطور.
تأسست DeepSeek (الأخبار 28/1/2025) عام 2023 بهدف تحقيق الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وتمكّنت الشركة من إطلاق سلسلةٍ من النماذج اللغوية المتطورة والمفتوحة المصدر بموجب ترخيص MIT، متفوقةً بذلك على منافسيها في وادي السيليكون بكلفةٍ أقلّ واستهلاك طاقة منخفض. إنجازٌ لافتٌ في ظلّ العقوبات الأميركية التي تحظر بيع الرقائق المتقدمة للشركات الصينية. وتصدّر تطبيق DeepSeek قائمةَ متجر «آبل» للتطبيقات في الولايات المتحدة، متجاوزاً ChatGPT التابع لـ OpenAI، وهو ما دفع الرئيس التنفيذي للأخيرة، سام ألتمان، إلى الإشادة بنموذج R1 الخاص بـDeepSeek واصفاً إياه بـ «المثير للإعجاب»، بينما أشاد باحثو «إنفيديا» بإسهامات الشركة الصينية في الحفاظ على مبدأ «الذكاء الاصطناعي المفتوح».
لكنّ هذا النجاح لم يمرّ بلا ثمن. خلال ساعات من تصدّرها المشهد، تعرّضت DeepSeek لهجمات سيبرانية ضخمة أول من أمس اضطرّتها إلى تعليق تسجيل المستخدمين الجدد لحماية بنيتها التحتية. وأشار خبير الأمن الرقمي في KnowBe4، يريك كرون، إلى أنّ الهجمات قد تكون محاولات ابتزاز أو أعمالاً تنافسيةً من شركاتٍ أو مستثمرين يسعون إلى إضعافها، وخصوصاً في ظلّ تأثيرها المالي المدوّي في السوق. ففي يومٍ واحد، خسر مؤشر ناسداك 100 نحو 3 في المئة من قيمته، مع تراجعٍ تاريخي لأسهم «إنفيديا» بنسبة 17 في المئة، ما كبّدها خسارةً تقرب من 600 مليار دولار، بينما انخفضت قيمة قطاع الطاقة المرتبط بالذكاء الاصطناعي بنسبة 21 في المئة. هذه التقلبات العنيفة كشفت هشاشةَ التقييمات المبالغ فيها لشركات التكنولوجيا العملاقة، التي تعتمد على سردية الهيمنة الأميركية في الذكاء الاصطناعي، وفقاً لتحذيرات أطلقها محلل السوق في «فرانكلين تمبلتون»، ماكس جوكمان. والأمر المُستغرب والجدير ذكره، قول الفاتيكان أمس إنّ «ظل الشر» موجود في الذكاء الاصطناعي وندعو إلى مراقبته.
التحدي الذي يمثّله DeepSeek يتجاوز الجانب التقني إلى الاقتصادي الجيوسياسي؛ فالنموذج الصيني المفتوح المصدر والمنخفض الكلفة يهدّد الاستثمارات الضخمة التي ضختها الشركات الأميركية مثل «ميتا» و«مايكروسوفت» و«ألفابت» (الشركة الأم لـ «غوغل») في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. وأشار المدير الإداري في Union Bancaire Privée، فير-سين لينغ، في حديث مع موقع «بلومبيرغ»، إلى أنَّ DeepSeek قد «يعطّل حالة الاستثمار في سلسلة التوريد العالمية للذكاء الاصطناعي»، بينما حذّرت كبير إستراتيجيي الاستثمار في Saxo Markets، تشارو تشانانا، من أنَّ الهيمنة الأميركية في هذا المجال «ليست أمراً مفروغاً منه». مع ذلك، حاولت «إنفيديا» تهدئة المخاوف بالتشديد على أنَّ تقنياتها تظلُّ ضروريةً لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، حتى مع القيود المفروضة على الصين. ووصف خبير إستراتيجيات السوق وكبير مديري الثروات في «ميرفي وسيلفست»، بول نولتي، اللحظة بأنّها «إشارة صحوةٍ تشبه سبوتنيك»، محيلاً إلى إطلاق السوفيات أول قمر اصطناعي في العالم في 4 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1957.
في خلفية هذه الأزمة، تُعيد الأسواق العالمية تقييم إستراتيجياتها: بينما تستعد الشركات الكبرى مثل «آبل» و«مايكروسوفت» للإفصاح عن أرباحها، يتزايد الضغط على المديرين التنفيذيين لإقناع المستثمرين بأنّ النفقات الرأسمالية الهائلة التي وضعوها في نماذج الـ AI الغربية، ستأتي فعلاً بعوائد ملموسة تمحي ما قدمه DeepSeek. لكنّ الصدمة الأكبر تكمن في إثبات DeepSeek أنَّ التفوّق التكنولوجي الصيني لم يعد بعيد المنال، متحدّياً العقوبات الأميركية عبر الابتكار في البرمجيات والكفاءة الحاسوبية بعد أيام من تنصيب الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة، دونالد ترامب، الذي دخل المشهد من باب المنافسة مع الصين والقومية الكارهة للعولمة.
جرس كبير قرعته جمهورية الصين الشعبية الشيوعية قبل أيام، ووصل صوته على هيئة زلزال ضرب وكر الرأسمالية بعد ساعات من إعلان ترامب عن مشروع «ستارغايت» للذكاء الاصطناعي بكلفة 500 مليار دولار (الأخبار 25/2/ 2025). الرسالة واضحة، والعالم يترقب خطوة أميركا التالية.
أخبار سورية الوطن١ الاخبار