آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » اللعبة لم تعد «لعبة نقاط»

اللعبة لم تعد «لعبة نقاط»

| عبد المنعم علي عيسى

منذ يوم الـ 14من آب 2006، الذي سرى فيه قرار وقف إطلاق النار على أساس قرار مجلس الأمن 1701، كان من الواضح أن التوازنات التي أفرزها ذلك القرار على ضفتي الصراع غير مستقرة، وأن السكون الذي ساد بعدها كان أقرب لحالة الكمون التي تستحضر استكمال الشروط اللازمة لاستعادة «نشاطها» من جديد، فيما الفعل، أي استكمال الشروط، ظل رهينة أسباب وموجبات شديدة التعقيد لدرجة يتداخل فيها «الداخلي» مع «الإقليمي» و«الدولي» بشكل من الصعب معه التنبؤ في متى؟ وكيف؟ ستعبر حالة الكمون إلى نقيضتها التي سجلت العديد من المؤشرات المتراكمة مؤخراً إمكانية حصولها، لكن من دون أن يعني ذلك حتمية مغادرة الحالة في هذه الآونة لاعتبارات تتعلق بالخشية الإسرائيلية من تكرار سيناريو تموز 2006، والذي فيما لو تكرار فلسوف تكون التداعيات على الداخل الإسرائيلي بأضعاف ما كانت عليه عندما أعلنت تل أبيب عن قبولها بوقف إطلاق النار الذي عنى في وقتها قبولاً بـ«قيد» من النوع الذي لا تحتمله «الذراع» الإسرائيلية لكن الفعل، وفق الحسابات، كان أهون كثيراً من نقيضه قياساً لما يمكن أن يستولده هذا الأخير الذي قد يفضي بنتائجه إلى وضعية تصبح فيها الـ«مرساة» بوزن يكاد يفوق وزن «السفينة».

مطلع شهر آب الجاري هدد وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت بـ«إعادة لبنان إلى العصر الحجري»، إذا ما اندلعت الحرب بين كيانه مع حزب الله، وعلى الرغم من أن التهديد لم يكن جديداً لا في المضمون بل ولا في المصطلحات المستخدمة، إلا أنه يأتي ليكشف عن عمق دفين لكيان يرى منذ تموز 2006 أنه بات عند خطوط دفاعاته الأخيرة، وعلى مشارفها تصبح الخيارات محدودة هذا إن لم تصبح محصورة في خيار وحيد هو العودة إلى الآليات التي انتهجتها «الإمبراطورية المغولية» خصوصاً أن كم القوة المتراكم يتيح بممارسة نهج من هذا النوع، واللافت هنا أن التهديد بالعودة إلى هذا النهج يغفل تماماً السياقات التي قاد إليها هذا الأخير والتي كانت لها تداعيات خطرة على دواخل «الإمبراطورية» بنتيجة «الاستخدام المفرط للقوة» الذي كان سبباً أساسياً في سقوط الإمبراطورية المغولية، والأمر عينه تكرر مع كثير من «التجارب» كالآشورية مثلا، ما يؤكد أن «اللحظة» وخياراتها لم تعد بوارد التفكير بانتهاج حلول تأخذ بعين الاعتبار تداعياتها المحتملة على المديين المتوسط والبعيد، والفعل بحد ذاته يكشف عن وضع مأزوم فرضته منظومة عوامل معقدة لكن الأساسي منها هو قوة الردع التي استطاع حزب اللـه الاحتفاظ بها على مر الأعوام السبعة عشر الماضية.

سيرد الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه يوم الـ 14 من آب على التهديد الإسرائيلي بالقول: «أقول لقادة العدو أنتم أيضاً ستعودون للعصر الحجري إذا ذهبتم إلى الحرب مع لبنان، وعلى العدو أن يحسب كم هو عدد الصواريخ الدقيقة التي تحتاج إليها المقاومة لضرب كل المطارات المدنية والعسكرية وقواعد سلاح الجو ومحطات توليد الكهرباء والمياه ومراكز الاتصالات الرئيسية والبنى التحتية ومصافي النفط ومفاعل ديمونا»، قبيل أن يضيف: «عندها لن يبقى شيئاً اسمه إسرائيل، وعلى قادة العدو أن يعرفوا أنهم في هذه الساحة لا يلعبون لعبة نقاط بل لعبة وجود وفناء».

يمكن القول: إن مرد التسخين الحاصل ذو طوابق ثلاثة، أولها دولي ناجم عن التسخين الذي فرضه الصراع الأوكراني على المناخ العالمي والذي كان أثقل وطأة على البؤر التي غالباً ما تشكل خطوط تماس سرعان ما تزداد حماوتها على وقع أي ارتفاع في درجات الحرارة، وثانيهما إقليمي شديد الصلة بالملف «النووي الإيراني» الذي طالته، مؤخراً، تقارير تشير للوصول إلى توافق «ما» حال من دون الإعلان عن تفاصيل لها علاقة بـ«الإسناد» الإيراني لروسيا في صراعها الدائر راهنا مع الغرب، وله صلة أيضاً بالتوتر الحاصل في مناطق الشرق السوري الذي تشير تقارير فيه أيضاً لوجود نيات أميركية بالسيطرة على مدينة البوكمال الأمر الذي فيما لو حصل، ستكون له تداعيات عديدة أبرزها على جبهة حزب اللـه المفتوحة مع إسرائيل، أما ثالثها فداخلي له علاقة بالتطورات الحاصلة على ضفاف المقاومة الفلسطينية ذات «اللبوس» المختلف هذه المرة جنباً إلى جنب، اهتزاز الجبهة الداخلية للكيان على وقع «التعديلات القضائية» التي تنوي حكومة بنيامين نتنياهو تمريرها الأمر الذي ارتأت فيه قوى وتيارات إسرائيلية عديدة أنه يمثل انحرافاً لـ«التجربة» وضرباً لـ«النموذج» الذي أثبت نجاعته على مدى عقود.

من الصعب الآن ترجيح كفة أن تذهب «الحماوة» الحاصلة راهناً ما بين الكيان وبين المقاومة اللبنانية باتجاه بلوغها مرحلة الغليان، لكن ذلك لا يلغي احتمالية وصولها للدرجة آنفة الذكر تماماً، إذ لطالما كانت حسابات «تماسك» الجبهة الداخلية في الذروة دائماً لدى غرف صناعة القرار السياسي الإسرائيلي، ومن المؤكد أن فعلاً عسكرياً خارجياً يمكن له أن يشكل «لاصقاً»، ولو مؤقتا، لنسيج بدا عليه التهتك قبل حين، ناهيك عن أن غرف صناعة القرار السياسي بتل أبيب، ترقب عن كثب نتائج «الأفخاخ» المنصوبة لحزب اللـه على مساره الرامي لتعزيز قوته العسكرية عبر توسعة القاعدة الشعبية الداعمة لها، وإذا ما كان الأخير قد نجح مراراً في تجنب العديد من تلك الأفخاخ إلا أن القائمين بالفعل لن يكلوا في ممارسته أملاً في أن تثمر التجارب في وضع «لغم» يكون كفيلاً بدخول الحزب في «متاهة» يصبح الخروج منها هو هدفه الأول.

 

سيرياهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بشار الأسد والفرص المهدورة

  جعفر الحسيني       قد يكتب التاريخ بأن بشار الأسد صاحب أكثر فرص ضيّعها رئيس بالعالم! ولو أنه استثمر تلك الفرص ربما ما ...