خالد الجيوسي:
بدا لافتاً هذا الاستعراض الإعلاميّ الذي ذهب إليه الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، بعد مُوافقة القضاء التركي على إرجاع كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، قبل أن يُحوّلها العلماني المُؤسّس لتركيا الحديثة مصطفى أتاتورك إلى متحف، لإعطاء دولته الصبغة العلمانيّة، حيث حرص أردوغان على تفقّد صوفيا مرّتين شخصيّاً قبل فتحه أمام المُصلّين.
وكانت لافتةً هذه التغطيات الإعلاميّة الواسعة، التي أقبل عليها الإعلام التركي، والقطري على حدٍّ سواء، لنقل أوّل صلاة جمعة من “مسجد آيا صوفيا”، وإقبال الأتراك على أوّل صلاة تحت سقف الرمز المسيحي سابقاً، والرموز المسيحيّة الداخليّة فيه التي أخفتها السلطات التركيّة، لمسائل الخُشوع لصلاة المُسلمين.
وحرص الرئيس أردوغان على قراءة القرآن بنفسه، حيث ظهر في المقطع المُتداول، وهو يُرتّل آيات من القرآن الكريم، وقبل أداء أوّل صلاة مُنذ 86 عاماً، وظهر رئيس تركيا، مُرتدياً بذلته الأنيقة كما عادته، وربطة عُنق، ووضع على رأسه طاقيّة بيضاء، يرتديها عادةً بعض المُسلمون خلال أداء صلواتهم، ويضعها الخليجيّون كفاصل بين الشماغ والرأس، حيث يعلو الشماغ العقال.
مشهدٌ آخر لافت خلال الصلاة الأولى في آيا صوفيا، كان ظهور رئيس الشؤون الدينيّة التركيّة على أرباش خطيب الجمعة وهو يُلقي خطبته حاملاً سيف السلطان محمد الفاتح، والذي أعاد فيها التأكيد على أنّ إعادة فتح آيا صوفيا للعبادة هو شعاع أمل لجميع مساجد الأرض الحزينة والمظلومة، وفي مُقدّمتها المسجد الأقصى، وهو بذلك باعتقاده وفق مُعلّقين يُدغدغ المشاعر الإسلاميّة بقُرب آمال تحرير فلسطين والمُقدّسات، وقد استخدم الرئيس أردوغان ذات “الآمال” بعد قرار المحكمة تحويل صوفيا إلى مسجد.
أمّا بالنسبة لظُهور سيف الفاتح مع الخطيب، فهو وفق مُعلّقين، يحمل دلالات ورسائل سياسيّة، من أهمها مُحاولة تذكير الرئيس أردوغان، بالفتح العظيم وفق نظره، على يد السلطان الفاتح للقسطنطينيّة التي استعصت على المُسلمين وغيرهم عبر التاريخ، وعودة بلاده تدريجيّاً، إلى الأسلمة العثمانيّة وأمجاد السلطنة، والتخلّي عن علمانيّة تركيا الحديثة، والسلطان الفاتح هو السلطان الذي حوّل الكتدرائيّة إلى مسجد بعد فتحه القسطنطينيّة العام 1453 تحت الراية العُثمانيّة.
وبالرّغم من مخاطر تفشّي فيروس كورونا، تداولت المنصّات، مقاطع فيديو، لاحتشاد بشري كبير لا يلتزم بقواعد التباعد الاجتماعي، أظهر تكبيرات الأتراك في إسطنبول، وردّدوا في مشاهد أعادت المشهديّة العثمانيّة، وهتافات الجيش الانكشاري الشهير الذي كان يكون ولاءه للسلطان حصرًا، خلال حقبة الخلافة العثمانيّة، وردّد الأتراك: “يالله.. بسم الله.. الله أكبر”.
وأطلق الإسلاميّون من جهتهم، على الصلاة الأولى في جامع آيا صوفيا، “صلاة الفتح الثاني” على الجمعة الأولى للصلاة في صوفيا، منذ 86 عاماً، وكأنّه الفتح الأوّل على حدّ قولهم.
وفي مُقاربةٍ عدّها مُعلّقون مقصودةً، ومتعمّدة، فقد اختار الرئيس أردوغان، إعادة فتح آيا صوفيا أمام المُصلّين، في ذكرى تاريخ سُقوط الخلافة العثمانيّة في مُعاهدة لوزان، 24/ يوليو/ 1923، وذاته العام 2020.
وقُدّر عدد المُصلّين بأوّل صلاة تشهدها آيا صوفيا، بالآلاف، فيما رصدت عدسات وسائل إعلام، تهافت ومُسارعة من الأتراك للصلاة في الجامع مُكبّرين وكأنّه يوم الفتح على حد توصيف مُغرّدين، بعد أن كان حكرًا على السيّاح.
على الضفّة المُقابلة، تداول المُعترضون، على تحويل صوفيا إلى مسجد، صورًا لسيّدة ترقص “الباليه” تحت سقف المتحف قبل تحويله إلى مسجد، بينما انتشرت اليوم سجّادات الصلاة على الأرضيّات، استعدادًا لاستقبال المُصلّين، فيما أعلنت اليونان يوم الجمعة كيوم حداد وطني، تنكّس فيه الأعلام للمُنتصف، تزامناً مع افتتاح آيا صوفيا مسجدًا للمرّة الأولى في تركيا.
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 24/7/2020