عبد اللطيف شعبان
منذ عقود مضت كانت الفروق النسبية ملحوظة بين رواتب حملة الشهادات، ويندر أن كانت الفروق قائمة بين راتب عامل وزميله الآخر يحملان نفس الشهادة ويعملان في نفس الإدارة، والفروق التي كانت بينهما حال كانا يعملان في إدارتين مختلفتين، كانت تحكمها التشريعات التي منحت تعويض إضافي دائم أو عرضي لبعض العاملين تحت عنوان اختصاص أو طبيعة عمل أوعمل إضافي أو تعويض مهمة أو غلاء معيشة أو مكافأة، وكانت هذه التعويضات متوازنة وأقرب إلى العدالة والموضوعية
ولكن الفروق النسبية بين رواتب الشهادات تضاءلت في السنوات الأخيرة نظرا لصدور العديد من زيادات الرواتب بمبلغ واحد لجميع الشهادات ،وكثير من التشريعات التي كانت تحكم التعويضات المرافقة بقيت على حالها كنسبة أو كقيمة على الراتب القديم ما أضعف من قيمتها، علما أنه قد جرت بعض التعديلات البسيطة الإيجابية تتابعيا على هذه التعويضات ، ولكن بعضها لازال منخفضاً جدا ( مثال ذلك: لازال تعويض مدير مدرسة /500 / ل.س ) وعشرات مهام المديرين في العديد من الإدارات بدون أي تعويض لمهمة مدير .
وبدلا من الاهتمام بمعالجة ضعف الراتب الحالي قياسا بحجم قوته الشرائية، ومعالجة التباينات التي أصبحت قليلة جدا بين راتب شهادة وأخرى، ومعالجة تدني التعويضات المرافقة للراتب ( عدا عن عدم وجودها عند الكثير من العاملين ) انصب اهتمام وزارة التنمية الإدارية، للعمل باتجاه تشريع نظام للحوافز لصالح بعض العاملين في الدولة، وتم الاعداد له وإقراره واعتماده، وقبل أشهر تم التوجه بالعمل به لصالح بعض العاملين ( من حملة شهادة ما ويمارسون عمل ما ) في إدارة وأخرى، ومن الملفت للانتباه أنه قد تبين فيض الحافز لهذا العامل وذاك من حملة هذه الشهادة أوتلك، وممارسي هذا العمل أو ذاك، لمجرد نوع الشهادة أو مكان العمل بغض النظر عن حجم العمل المنجز، دون أدنى حافز لحملة شهادات أخرى أو ممارسي أعمال أخرى ذوي جهد ملحوظ وانتاج مشهود به، ما أظهر تحقُّق نفع مادي ملحوظ – مقرون بنفع معنوي – لصالح أعداد قليلة من العاملين شملتها هذه الحوافز، بالتوازي مع غبن كبير لحق بالقسم الأكبر من العاملين الذين لم تشملهم، ما تسبب بظهور علامات عدم الرضى بل والغضب من هذا التشريع لضعف عدالته وضعف موضوعيته، لشموله أعدادا قليلة من العاملين دون غيرهم وبتمايز كبير، ماولَّد حساسية كبيرة لدى غير المشمولين والذين يقضون نفس الدوام في عملهم الوظيفي، ومشهود بحصيلة عملهم في ضوء ماهم مكلفين به من أعمال ومتاح لهم من أجواء العمل..!
ويبدو أن أخيار أولي الأمر استدركوا الوقوع في عواقب ذلك ووجهوا بالتريث في تطبيق المرسوم رقم (252) لعام 2022 المتضمن النظام النموذجي للتحفيز الوظيفي للعاملين في الدولة وإعادة النظر فيه، بنية إجراء بعض التعديلات عليه، ولهذا الاستدراك إيجابياته الكبيرة، نظرا لأحقية ومشروعية العديد من الانتقادات التي توجهت له، ولايخفى على المهتمين المتابعين حصول ضعف الحكمة في بعض التشريعات التي صدرت خلال السنوات السابقة، ما اقتضى إعادة النظر ببعضها، والمؤسف عدم إعادة النظر ببعضها المجحف حتى تاريخه، مثال ذلك التشريع الأخير الذي قضى بالزام أصحاب رخص البناء التعاقد مع مقاولين لتنفيذها.
أرى / من وجهة نظري / وجوب وقف العمل بنظام الحوافز بصيغته المعروضة، خاصة وأن هذه الحوافز – على الأغلب – لن تكون من أصل الراتب وسيفقدها العامل بعد التقاعد، ما سيجذر لا حقا الفرق الكبير بين راتب العامل أثناء العمل وراتبه التقاعدي، وكفى المزيد من الفروقات بين رواتب العاملين، ما يقتضي توجيه الكتلة النقدية المخصصة لتشريع الحوافز لصالح زيادة الرواتب الضعيفة لجميع العاملين في الدولة حسب الفئات الوظيفية، طالما جميع العاملين مكلفين بنفس دوام ساعات العمل، ومن المفترض إن تهتم الإدارات – بل هي المعنية – باستثمار دوام العمل لكل عامل بما ينتح ما يعادل ويفيض عن راتبه، ولا ذنب للعامل حال إدارته لم تحسن استثمار دوامه، ومن حقها أن تحسم عنه راتب جزئي عندما يقصر في عمله.
الواقع الحالي والمصلحة للوطن والمواطن تقتضي أن تتم زيادة الرواتب لجميع العاملين بالتوازي مع الاعداد لتعديل ايجابي يرفع التعويضات المرافقة له بشكل عادل ومتوازن للمنوحة لهم سابقا ومنح تعويضات جديدة متناسبة وعادلة للذين يستحقون ممن كانوا محرومين منها، لا أن تمنح حوافز متميزة دائمة لعامل وآخر، مع ضرورة إبقاء الحوافز لحالات عرضية خاصة وآنية بحيث تمنح للعامل الذي ينتج أكثر مما هو مطلوب منه ولأصحاب المبادرات وللمبدعين في عملهم، ولمن يجدون حلولا لحالات إدارية وفنية، وجواز تكرير ذلك أكثر من مرة في العام، ولتكن الحوافز مجزيةتوازي حجم العطاء المتميز للعامل الذي استحقها.
وحبذا ألا يغيب عن بال وزارة التنمية الإدارية أن الأهم الأهم هو الحد من التثبيط الذي يعاني من تصاعده جميع المنتجين، والعمل لتحقيق التحفيز المستوجب من خلال إجراء كل مامن شأنه المساهمة في معالجة الهبوط المتدني في الانتاج وتحفيز المزارعين ومربي الثروة الحيوانية والعاملين في الانتاج السلعي لتحقيق المزيد من الانتاج بنوعية الزراعي والصناعي ووقف التصاعد المستمر في أسعار جميع السلع.
الكاتب:عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
(موقع سيرياهوم نيوز)