لقمان عبد الله
لا تزال الولايات المتحدة، رغم مرور شهرين على انخراط اليمن في الحرب، في موقف صعب وحرج إزاء التطوّرات الأمنية في البحر الأحمر، خصوصاً أنّ صنعاء لم تستجب للضغوط والإغراءات التي استهدفت ثنيها عن إجراءاتها في البحر الأحمر. وإذ تبدو الإدارة الأميركية، ومعها المملكة المتحدة، متردّدة في حسم خياراتها التي يمكن أن تحقّق لها أهدافها بأقلّ الأكلاف، يَظهر أن عامل الوقت يعمل لمصلحة اليمن، الذي سيكون على الغرب التعايش مع الواقع الذي فرضه ما لم يبادر إلى فعل شيء لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة. على أن ثمّة اعترافاً غربياً بأن كلّ الخيارات المطروحة على طاولة البيت الأبيض لن تفلح في كسر الحصار البحري على الكيان، فضلاً عن أنها تنطوي على مخاطر عالية، وقد تستتبع تداعيات في الداخل الأميركي في ما بات يُعرف بـ«عام الانتخابات»، بحسب وكالة «بلومبيرغ» الأميركية. ويأتي ضيق الخيارات هذا في وقت يرى فيه مراقبون، من بينهم توربيورن سولتفيدت، المحلّل الرئيسي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة «فيريسك مابلكروفت»، وفقاً لما تنقل عنه الوكالة، أن «هجمات الحوثيين كانت بمنزلة ضربة إلى حدّ ما للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة للحفاظ على البحار المفتوحة منذ عقود».
بناءً على ما تقدّم، يبدو أنّ واشنطن قرّرت إعطاء الخيار الديبلوماسي فرصة إضافية، حاذيةً حذو الرياض التي تسعى إلى الاتفاق على وقف إطلاق نار دائم مع صنعاء. وبالفعل، حاولت الولايات المتحدة، عبر وسطاء إقليميين ودوليين، إقناع إيران بالتدخل لدى «أنصار الله»، ولكنّ طهران رفضت تولّي مثل هذه المهمة. وبالمثل، كرّرت لندن المحاولة نفسها عبر الوسيط العماني، عارضةً على الحركة سلّة من الإغراءات، بحسب ما أفاد به العميد عبد الله بن عامر، نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي، إلّا أنّ صنعاء رفضت أيضاً العرض البريطاني. وفي الاتجاه نفسه، تبعث الولايات المتحدة بمبعوثها إلى اليمن، تيم ليندركينغ، لينضمّ إلى وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في جولته الشرق أوسطية. واستبق ليندركينغ زيارته بتصريح إلى قناة «الجزيرة»، قال فيه إن هدف جولته الجديدة مناقشة خفض التصعيد في البحر الأحمر، معلناً أنّ بلينكن سيناقش أيضاً في إسرائيل زيادة المساعدات لقطاع غزة، في ما يبدو محاولةً لاحتواء التصعيد اليمني.
ثمّة اعتراف غربي بأنّ كل الخيارات المطروحة على طاولة البيت الأبيض لن تفلح في كسر الحصار البحري على الكيان
إلّا أنه «إذا فشلت الديبلوماسية، فسيتعيّن على الولايات المتحدة وحلفائها أن يختاروا بعناية الخيارات التي يمكن الدفاع عنها بوضوح، والتي تستهدف قدرة الحوثيّين على مواصلة تعطيل الملاحة في البحر الأحمر مع تجنّب التورط في صراع إقليمي»، وفقاً لما يراه الخبير في الأمن الملاحي في «المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية»، نيك تشايلدز. لكن صنعاء أكدت، مراراً، أنه لا فرق عندها بين أن يُعتدى على اليمن موضعياً، أو بالضربات الجوية لأصوله البحرية، أو بالحرب الشاملة، مشدّدةً على أن الغرب أمام خيارَين لا ثالث لهما: إمّا الاعتراف بنجاح الحصار البحري للكيان الصهيوني أو وقف إطلاق النار في غزة. كما أُبلغت الدول المشاركة في تحالف «حارس الازدهار»، أن أيّاً منها، ومهما كان دورها أو حجم مشاركتها في أيّ عدوان محتمل على اليمن، ستتعامل معها القوات المسلحة اليمنية تماماً كما تتعامل مع المصالح والسفن الإسرائيلية.
وفي انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع، يتكاثر الحديث عن الخيارات العسكرية المتوافرة لدى إدارة بايدن، والتي يجري التحذير من أن الإقدام عليها سيمثّل «خطأ فادحاً» من شأنه «قلب وقف إطلاق النار الهش رأساً على عقب، وتأجيج نيران صراع أكبر في الشرق الأوسط»، وفقاً لصحيفة «الغارديان» البريطانية. وفي ما يلي بعض من تلك الخيارات المطروحة على الطاولة:
أولاً: توجيه ضربات جوية مكثفة إلى المنشآت العسكرية، وعلى رأسها مستودعات الصواريخ الباليستية البحرية ومنصات إطلاقها والرادارات والبنية التحتية والخدمات اللوجستية. ولكن هذا الخيار، بحسب تقرير نشرته وكالة «بلومبيرغ» السبت، «يترك للحوثيين وسائل أخرى مثل الطائرات من دون طيار والألغام البحرية والزوارق الهجومية السريعة، في حين تخاطر الولايات المتحدة بتصعيد الوضع أكثر، ما يؤدي إلى تصعيد المعركة مع المسلحين اليمنيين، والتي يمكن أن تجتذب لاعبين آخرين مثل إيران».
ثانياً: تكرار هجوم عام 2018 على الحديدة، والذي استهدف الاستيلاء على المدينة، وذلك عبر مشاركة أميركية من الجو، وتنفيذ سعودي – إماراتي على الأرض. لكن هذا السيناريو يحتاج إلى وقت واستعداد كبيرين، فضلاً عن أنه إذا كان الإماراتيون ووكلاؤهم المحلّيون لا يمانعون تولّي مثل هذه المهمة، فإن السعودية ليست لديها أيّ رغبة في إشعال الصراع مع اليمن من جديد، خصوصاً أنّ من مخاطره تعريض عاصمتها ومدنها الرئيسية، بالإضافة إلى منشآتها النفطية والحيوية، للاستهداف اليمني.
ثالثاً: توسيع عمليات تحالف «حارس الازدهار»، لتشمل مرافقة السفن في المنطقة الواقعة بين خليج عدن والقسم الجنوبي من البحر الأحمر. غير أن ذلك يتطلّب عدداً كبيراً من السفن الحربية المزوَّدة بأنظمة دفاع جوي متقدّمة، فيما عدد من الدول، بخاصة العربية والإقليمية، متردّدة في الانضمام إلى التحالف الأميركي. ويضاف إلى ما تَقدّم، أن «هناك في المتوسط حوالى 250 سفينة تعبر البحر الأحمر في أيّ لحظة، وسيتعيّن على شركات الشحن القيام بتخطيط وتنسيق كبيرين للدخول في قوافل مرافقة»، وفقاً لآمي دانيال، الرئيس التنفيذي لشركة «وينوارد»، وهي شركة للذكاء الاصطناعي البحري.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية