انتهى اجتماع القاهرة، أمس، من غير حدوث تقدّم إيجابي جدّي، بل على العكس من ذلك، سادت أجواء سلبية بعدما تبيّن أن العدو تراجع حتى عن ما أُقرّ بمشاركته في اجتماع باريس. وأفل الوفد الإسرائيلي المعنيّ بالتفاوض، عائداً من القاهرة إلى تل أبيب، مساء أمس، من دون أن يصل أي وفد من حركة «حماس» إلى العاصمة المصرية، للمشاركة في المحادثات. وبدا واضحاً أن مشاركة الوفد المذكور، الذي أرسله رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وأرفق معه «عينه»، مستشاره الخاص، بدل مسؤول ملف الأسرى في الجيش، من أصلها، كانت «مجاملةً وتلبيةً لطلب (الرئيس الأميركي جو) بايدن»، وفقاً لما نقلته «القناة 13» العبرية عن مسؤول إسرائيلي.ويوضح هذا المعطى، بشكل غير مباشر، هزال الضغوط الأميركية التي يدّعي بايدن ممارستها على نتنياهو، إذ بعدما استجاب الأخير لضغوط الأوّل، أرسل وفداً إلى القاهرة، لكن ليمنع التوصّل إلى صفقة، وليس للدفع بها قُدماً، وذلك على الرغم من رسائل متكرّرة من بايدن، طالب فيها نتنياهو بتليين موقفه وشروطه بخصوص الصفقة المزعومة. وبحسب ما نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين، فإن «بايدن أبلغ نتنياهو أنه قد يتعيّن على إسرائيل إطلاق سراح المزيد من الأسرى مقابل كل رهينة»، لكنّ «نتنياهو أكّد أن إسرائيل مستعدّة لإطلاق سراح 3 أسرى مقابل كل رهينة، كما حدث في الصفقة السابقة». وإذ أشار الموقع إلى أن «بايدن يتّفق مع نتنياهو على أن طلب حماس بالإفراج عن آلاف الأسرى مبالغ فيه»، إلا أنه أوضح أن الرئيس «يعتقد أن على إسرائيل أن تُبدي المزيد من المرونة في ملف تبادل الأسرى».
وبحسب مصادر مطلعة على المفاوضات، تحدثت إلى «الأخبار»، حمل الوفد الإسرائيلي إلى القاهرة اقتراحاً ينسف «ورقة باريس»، يقوم على «صفقة من مرحلة واحدة، تشمل جميع المدنيين إضافةً إلى المجندات، وفق صيغة أسير إسرائيلي واحد، مقابل 3 أسرى فلسطينيين، مع إمكانية غير أكيدة، لرفع عدد الأسرى الفلسطينيين قليلاً». كما شدد الوفد على أنه «لا وقف لإطلاق النار، بل فقط هدنة مؤقتة، يتوقّف خلالها تحليق الطائرات لمدة 6 ساعات فقط يومياً، كما في الهدنة السابقة»، عارضاً «زيادة في المساعدات الإنسانية إلى القطاع، من دون انسحاب الجيش إلا من المناطق المكتظّة، مع الإبقاء على حواجز ثابتة، ومنع تنقّل المدنيين بين جنوب القطاع ووسطه وشماله». كما أفادت المصادر بأن «الأميركيين طلبوا مزيداً من الوقت لاستكمال التفاوض».
ويتفق ما سبق مع ما أشار إليه عاموس هرئيل، في تقرير نشرته صحيفة «هآرتس»، جاء فيه أن «صيغة الصفقة التي تم الاتفاق عليها قبل أسبوعين في باريس (إطلاق سراح المخطوفين والجثامين على ثلاث مراحل مقابل إطلاق سراح الكثير من الأسرى الفلسطينيين ووقف طويل لإطلاق النار) تبلورت بمبادرة من إسرائيل، وتجنّد الوسطاء لدفعها قدماً، ليكتشفوا لاحقاً أن نتنياهو غير معنيٍّ بها، وأنه اختار انعطافة مذهلة». كما أكّدت ذلك المعلومات التي نشرتها قناة «كان»، والتي أفادت بأن «نتنياهو رفض مقترحاً لإبرام صفقة تبادل أعدّه قادة الموساد والشاباك والجيش».
تستكمل واشنطن درب التضليل الطويل، وهي تُهمل الوقائع السلبية، وتنشغل بنفخ بالونات فارغة، حول تقدّم في المفاوضات
أما «التهديد بعملية في جنوب القطاع»، أي رفح، فهو – بحسب هرئيل – «قد يشكّل أداة ضغط على حماس، على أمل أن تتساهل في المفاوضات»، لكنه في الوقت عينه «يساعد أيضاً في حرف النقاش الإعلامي عن حقيقة أن الاتصالات تبدو عالقة في هذه الأثناء، ليس فقط بسبب طلبات حماس المتطرّفة، بل لأن نتنياهو لا يُظهر أي استعداد لتخليص العربة من الوحل». وفي السياق نفسه، تفيد مصادر متابعة بأن «الجيش الإسرائيلي لا يحشد ألوية قتالية بالقرب من رفح، ولم يحشد جنود الاحتياط، وأغلب وحداته القتالية لا تزال في خان يونس»، وهذا «لا يعني أن الهجوم على رفح لن يحدث، لكن من غير المرجّح أن يكون وشيكاً كما يحاول نتنياهو أن يُظهر خلال تصريحاته». وتشير المصادر إلى أنه «ليس بعيداً أن يكون طرح العدو عقد صفقة من مرحلة واحدة فقط، مع هدنة مؤقتة تصل إلى نحو 6 أسابيع، يهدف إلى إتمام التحضيرات اللازمة لعملية عسكرية واسعة في رفح، وقد يجري نقل المدنيين من منطقة العمليات المفترضة، وإقامة قرى من الخيام لهم في مناطق أخرى من القطاع، خلال الهدنة هذه، وهو ما يعتقد العدو أنه سيمنحه مزيداً من الوقت وحرّية العمل لاحقاً، وسيخفّف عن كاهله الضغوط السياسية». وكان تقرير في مجلّة «بوليتيكو»، أمس، نقل عن مسؤولين أميركيين قولهم إن «إدارة بايدن لا تخطّط لمعاقبة إسرائيل إذا شنّت هجوماً في رفح لا يضمن سلامة المدنيين».
في غضون ذلك، تستكمل الولايات المتحدة درب التضليل الطويل، وهي تُهمل الوقائع السلبية، وتنشغل بنفخ بالونات فارغة، حول تقدّم في المفاوضات أو فرص جدّية لوقف الحرب، أو حتى خطط وشروط لوقف المقتلة الكبرى، والمستمرّة منذ أكثر من 4 أشهر، بحق أطفال ونساء قطاع غزة. وفي هذا السياق، قالت الخارجية الأميركية، مساء أمس، إن الإدارة «تعتقد أن اتفاقاً لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس لا يزال ممكناً»، بينما أشار وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إلى «(أننا) نقوم بما في وسعنا من أجل إعادة كل المختطفين إلى أسرهم»، مضيفاً: «نعمل مع مصر وقطر بشأن مقترح يقود إلى إطلاق سراح الرهائن المتبقّين في غزة».
أما في تل أبيب، فزعم رئيس هيئة الأركان في الجيش، هرتسي هاليفي، أن جيشه «حقّق إنجازات عسكرية غير عادية، لكن للأسف لها أثمان باهظة»، مضيفاً «(أننا) نحارب منذ 4 أشهر، ولا يزال الطريق أمامنا». وأكد هاليفي أن «الجيش سيعود إلى شمال قطاع غزة وحيثما وُجد الإرهاب». لكن أبرز ما أشار إليه هو أن «الحرب قد تغيّرت، فقد كانت صعبة في البداية، والآن تحوّلنا إلى الهجوم»، ما يعني أن المستوى الأمني لا يرى مجالاً لوقف العمليات العسكرية، ولا حتى لتغيير شكلها ونمطها، وهو لا يزال يعتقد أنه في الطور الهجومي، على عكس ما كان يُروّج له عن أن الجيش الإسرائيلي سينتقل إلى المرحلة الثالثة في كامل القطاع خلال وقت قريب.
على خطٍّ مواز، قال قائد حركة «أنصار الله» اليمنية، السيد عبد الملك الحوثي، في كلمة له أمس، إنه «لا بدّ من استمرارية التحرّك الجادّ ضدّ همجية العدو الإسرائيلي، مع تحضيراته للعدوان الشامل والاجتياح البري لرفح»، مؤكداً الحرص على أن «نستمرّ في موقفنا، بل أن نتّجه إلى التصعيد في ظلّ تواصل عدوانه على قطاع غزة». وأضاف الحوثي: «نقول لكل بلدان العالم: نحن نستهدف السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، والأميركي والبريطاني تورّطا في العدوان على بلدنا»، متابعاً أنه «ليست لدينا النيّة لاستهداف الكابلات البحرية الواصلة إلى بلدان المنطقة».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية