بغداد | منذ حزيران الماضي، يُجري مجلس النواب العراقي سلسلة استضافات لوزراء ومسؤولين، لبحث المنهاج الوزاري وسبل تطبيقه، إلى جانب الأزمات التي تشهدها البلاد، كالجفاف، وارتفاع سعر صرف الدولار، وعجز الكهرباء. وفي هذا السياق، استضاف، أول من أمس، ثلاثة وزراء، وهم: الموارد المائية، عبد عون ذياب، والخارجية، فؤاد حسين، والعدل، خالد شواني، لمناقشة أزمة النقص الحادّ في الماء، فيما نجم عن الاستضافة وضع خيارات متعدّدة للتفاوض مع البلدان المجاورة وخاصة تركيا، ومن بينها الذهاب إلى المحاكم الدولية، وتفعيل الورقة الاقتصادية للضغط عليها. وكان العراق يعوّل على زيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لتسوية القضايا المشتركة ومنها حصة البلاد المائية، وتوقف صادرات نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي منذ ثلاثة أشهر، لكن مصادر حكومية أكدت إلغاء الزيارة نتيجة خلاف على مسألة طرد “حزب العمال الكردستاني” من أراضي العراق.
وكانت حكومة بغداد قد ناقشت خطوات التواصل الديبلوماسي مع الجانب التركي، وأقرّت تشكيل فريق تفاوضي يضمّ خبراء ومستشارين ونواباً ووزراء للحدّ من أزمة المياه التي يقاسيها العراق، وعقد اتفاق لتحديد حصصه من مياه نهرَي دجلة والفرات اللذين ينبعان من الأراضي التركية. وخلال السنوات الأخيرة، برزت أزمة الجفاف بشكل حادّ في البلاد، ما أدى إلى تقليص المساحات الزراعية بنحو 50 في المئة في العام الماضي، وفقدان أغلب المحافظات العراقية مساحاتها الزراعية، وإجبار أغلب المزارعين على الهجرة القسرية.

وتلوّح تركيا، منذ سنوات، باستخدام مياه نهرَي دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، وهي أعلنت عن تشييد عدد من السدود، منها سد أليسو، الأمر الذي تسبّب بتفاقم أزمة نقص المياه، وعجز العراق عن تأمين الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

وخلال استضافة وزراء الخارجية والعدل والموارد المائية، تحدثت رئيسة كتلة «إرادة»، حنان الفتلاوي، عن أزمة الجفاف، وقالت «إننا منذ سنوات نجلس ونتحدث، ومن بعدها تذهب وفود تفاوضية وتعود إلى العراق، ولم تكن هنالك حلول واقعية وهكذا». وبيّنت أن «القضية فيها جانبان، داخلي يتعلق بوزارة الموارد المائية، وخارجي تحكمه اتفاقات دولية. وفيها ثلاث مراحل وهي: التفاوض، ولجان تقصّي الحقائق، والتحكيم أو القضاء. فطالما لم نصل إلى حلّ من خلال التفاوض، فعلينا اللجوء إلى التحكيم أو التقاضي».

ووجهت الفتلاوي تساؤلها إلى وزير الخارجية عن الجهة التي اعترضت على شكوى العراق إلى مجلس الأمن بسبب تقليل حصته المائية، مشددة على أن الحكومة يجب أن تضع موازنة طوارئ لملفّ أزمة المياه، لأن هذه كارثة كبيرة.

العراق يناقش جدياً خيار اللجوء إلى المحاكم الدولية لعرض قضيته الخاصة بأزمة المياه مع تركيا

من جهته، يؤكد مصدر حكومي، لـ«الأخبار»، رافضاً الكشف عن هويته، أن «العراق ناقش جدياً خيارات؛ منها اللجوء إلى المحاكم الدولية لعرض قضيته الخاصة بأزمة المياه، وعدم تنازل تركيا عن حصّته المائية، على رغم وجود اتفاقيات دولية». ويضيف إن «أغلب الوفود التفاوضية فشلت في إقناع تركيا بتزويد العراق بالمياه، وذلك لأن المسألة خاضعة لشروط سياسية واقتصادية، وهذه الوفود غير قادرة على الخوض فيها». ويشير المصدر إلى أن «زيارة إردوغان للعراق مستبعدة جداً، وربما السبب هو الاختلاف على القضايا الأمنية ووجود حزب العمال الكردستاني في شمال البلاد، وطلب الرئيس التركي من (رئيس الوزراء محمد شياع) السوداني ملاحقة عناصر الحزب وطردهم، وهذا ما رفضه الأخير، باعتباره من الشروط التعجيزية التي وضعتها أنقرة على بغداد مقابل حلّ أزمة المياه وتوقف صادرات النفط وكذلك مشروع طريق التنمية».

وبالعودة إلى البرلمان، توضح عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية، ابتسام الهلالي، أن «استضافة وزراء الخارجية والموارد المائية والعدل، جاءت بطلب منا، لمناقشة أزمة نقص المياه الحادة، وكذلك معرفة جميع أسبابها الداخلية والخارجية، ومنها مستقبل المفاوضات مع تركيا، وآلية تدويل القضية». وتلفت، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «أجوبة الوزراء كانت جيّدة، وعلى إثرها يمكننا تشكيل لجنة تفاوضية مع الجانب التركي، وحتى الإيراني، لتزويد العراق بحصته المائية، وقد يكون من ضمن الأوراق التفاوضية التبادل التجاري مع الدولتين». أما عضو لجنة الزراعة والمياه، سوزان كوجر، فتقول، لـ«الأخبار»، «إننا اتفقنا على وضع حلول استراتيجية لمشكلة المياه، وإعطاء الأولوية لتخصيص المبالغ المالية لحل الأزمة. وهناك أيضاً وفود تتبادل الزيارات للوقوف على المشكلة، وقد يكون هناك تشكيل لجنة عليا بين الدول المتشاطئة». وتشيد بأجوبة الوزراء «حيث كان هناك تفاهم كبير في ما بيننا وبينهم. ووزير الموارد المائية أجاب عن معالجات الأزمة داخلياً، ومنها توفير احتياجات المواطنين من مياه الشرب، رغم الحصص القليلة والتخصيصات المالية الضئيلة في موازنة الوزارة».

من جانبه، يلفت عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، علي الفياض، إلى أن «أزمة المياه والجفاف التي بلغت مستويات خطيرة، وتدهور الزراعة، والهجرة من الريف إلى المدينة، وغيرها من الأمور هي التي دفعتنا إلى الاستضافة». ويضيف، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «مخرجات الاستضافة هي التواصل مع دول الجوار ومنها تركيا، ومعرفة أسباب تقليل حصص العراق المائية، وأيضاً سيكون هناك وفد كبير للتفاوض مع الدول بشكل ودي». ويعتبر أستاذ العلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية، علي الجبوري، بدوره، أن مشكلة العراق هي أنه «لم يأتِ بوفد متخصّص في قضايا المياه ولديه اطلاع واسع للتفاوض مع تركيا أو إيران أو بقية الدول، ولذا تكون كل المفاوضات بلا نتائج إيجابية». ويشير، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «ورقة الضغط الوحيدة لدى العراق هي الذهاب إلى المحاكم الدولية بالوثائق والمستندات التي تثبت معاناته من أزمة جفاف جراء عدم التزام تركيا بالاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية الدول المتشاطئة التي تنص بشكل واضح على حصة العراق المائية». ويقلّل من أهمية الاستضافات التي تجري في مجلس النواب، ويؤكد أنها «لم تصل إلى نتائج حقيقية، لأنها تمتثل للأمزجة السياسية وتوجهات الأحزاب… فالطريق السليم أمام العراق هو تدويل قضيته ومساومة تركيا وإيران بحجم التبادل التجاري معهما وشركاتهما المستثمرة في العراق لتزويده بالمياه وفك القيود عنه».