الرئيسية » كتاب وآراء » إلى أين المسير”…؟ ومتى ستبلغ الأضداد في صراعها حالة “نفي النفي”..؟!

إلى أين المسير”…؟ ومتى ستبلغ الأضداد في صراعها حالة “نفي النفي”..؟!

 

بقلم:شاهر نصر

 

في لحظات تاريخية مفصلية تزداد شكوك الإنسان في معنى الحياة، وفي وجود نهاية لمآسيه؛ وتلّح عليه التساؤلات عن أي مصير ينتظره؛ ولا سيّما حينما تتعقد المشكلات، وتتعدد القوى المتدخلة فيها، وتسهم في تفاقم الموقف وضبابيته، وتتعثر الإجابة عن تلك التساؤلات والشكوك…

إنّما تنبئ تجارب الحياة، وديالكتيك هيراقليطس وهيغل أنّ التغيير هو السمة الأساسية في الوجود؛ إذ “لا يمكن السباحة في تيار النهر مرتين”؛ فهل تفيد الاستعانة بهذا المنهج في الإجابة عن تلك التساؤلات؟

ينطلق المنهج الديالكتيكي من أنّ بنية كلّ ظاهرة تنضح بالمتناقضات (الأضداد) المتصارعة، وصراع الأضداد هو الذي يولد الحركة ويبعث التطور، أي إنّ التناقض هو مبدأ كلّ حركة، ومبدأ الصيرورة والحياة، وأنّ جوهر التطور هو نتيجة صراع المتناقضات، ومن نافل القول إنّ المصير مرتبط بالصيرورة.

إنّ كلّ مرحلة من مراحل التاريخ هي نفي لمرحلة تسبقها؛ إلا أنّ هذا النفي لا يعني الفناء، بل كلّ مرحلة “تنفي وتحتفظ” في الوقت نفسه بعناصر من المرحلة التي سبقتها، وفي حالات تاريخية استثنائية يمكن أن يفضي النفي إلى إلغاء الطرفين واندثار الحضارات…

أي إنّ وحدة المتناقضات في المنهج الديالكتيكي تعني تعرّف الأشياء والظواهر لا عبر انفصالها عن بعضها، بل عبر ارتباطها بعلاقات ديالكتيكية تنتهي بالنقيضين إلى شيء، أو ظاهرة جديدة تتجاوزهما، وتحتفظ في الوقت نفسه بشيء منهما وفق مبدأ “التجاوز”، أو”نفي النفي”؛ فـ”الوجود” و”العدم”، حسب ديالكتيك هيغل نقيضان: “العدم” “نفي الوجود”، وحينما يبلغ التناقض بين الوجود والعدم مرحلة “نفي النفي”، أي بعد إثبات الوجود، ونفيه، ثم نفي هذا النفي نبلغ “الصيرورة”، وهلمّ جرّا…

إذن، تغلب، على الحياة في هذا العالم ظواهرٌ محكومة بالصيرورة…

إلا أنّه ثمّة عراقيل أمام تلك الصيرورة، ولا سيّما في المجتمعات التي تتعرض العناصر الفاعلة فيها إلى عملية تشويه طويلة الأمد (أو إخصاء)، وتترافق مع تدخل قوى خارجية تؤثر جميعها في العناصر المتناقضة وآلية الصراع، فيصعب التكهن بنتائج ذلك الصراع ومآله…

يبدو أنّ طبيعة القوى والأضداد الرئيسة المتناقضة والمتصارعة في منطقتنا متشابهة، ولها سمات مشتركة ومعقدة تتجلى في: مناهج تفكيرها الغيبية، ومحاولتها استحضار نماذج من الماضي وفرضها على الواقع وعلى المستقبل بأساليب متطرفة ومتعصبة تلغي الآخر، وتزعم امتلاكها الحقيقة، فضلاً عن وجود قوى خارجية تدعم هذه القوى المتناقضة المتصارعة…

على الرغم من صعوبة التكهن بنتائج صراع هذه الأضداد، إنّما من المؤكد أنّه لا مستقبل لها، ولا سيّما تلك التي تنتمي عناصرها إلى الماضي في تفكيرها ورؤيتها، إذ لا يمكن للماضي، ولا للرؤية الماضوية أن تنتصر نهائياً وتسود في عصر المعلوماتية والذكاء الاصطناعي…

ولمّا كانت “حتمية التغيير هي أمر ثابت في الحياة”، فإنّ هذه القوى المتناقضة، التي ديدن حكامها الغطرسة حد الجهل، ستنفي بعضها بعضاً في صراعها في أحوال عجاف، مما يجعل مخاض البديل عنها مخاضاً عسيراً وطويلاً؛ ونظراً لأنّ أغلبها يمثّل الظلام والعدوان والحقد والكراهية، ولأنّ صراعها فيما بينها، سيضعفها وينهك حاضناتها الاجتماعية، فإنّه يحق للمجتمعات المنهكة أن تحلم، وتسعى إلى بديل عن تلك القوى عبر صيرورة تقود إلى النور، والعدالة، والتسامح والمحبّة، ومما لا شكّ فيه أنّ هذا الأمر يتطلب من أبناء هذه المجتمعات مزيداً من الجهد لوضع لبنات البديل الأساسية والنهوض بها عبر صراع طويل ومرير…

تالياً، إنّ نهاية هذه المآسي، وجلاء هذا الظلام، وزوال حالة العدوان والاحتلال، وأفول عصر “العلماء” الجهلة بمختلف ألوانهم، وانبلاج فجر جديد عنوانه: الحرية، والعدالة، والمحبّة، والتسامح هي أمور ممكنة التحقق، حينما تغدو الصيرورة والتغير وقائع لا شكّ فيها… إنّما متى ستبلغ الأضداد في صراعها حالة “نفي النفي”، وتتفتح تلك الصيرورة، ومن سيعيش في كنفها؟ وكيف؟ وما الثمن؟ فتلك أسئلة يُسهم الزمن عبر تطور وعي البشرية، وتطور البنى الاقتصادية الاجتماعية، والتقدم العلمي والتقني، في معالجتها.

(سيرياهوم نيوز1-الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...