| جمال واكيم
يرى المسؤولون الإيرانيون في الحملات الإعلامية، التي يقوم بها الغرب ضد الجمهورية الإسلامية وحلفائها، فرصة في تطوير القدرات الإعلامية الذاتية.
“نحن نعيش ظروفاً عالمية جديدة، وموازين القوى الدولية تشهد تحولاً كبيراً”. هذه هي أجواء المسؤولين الإيرانيين من الصف الأول، والذين تحفّظوا عن إعلان أسمائهم. فمع حلول عام 2023، لم يعد هنالك قوة مهيمنة في النظام الدولي، كما كان الوضع عليه سابقاً، ولم تعد الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة. وهي حاولت إقامة نظام أحادي القطبية، لكنها لم تنجح في مسعاها.
فشل محاولات الهيمنة الأميركية
يرى المسؤولون الإيرانيون أن الولايات المتحدة حاولت، في عام 2005، إقامة مشروعها الأحادي القطبية، بدءاً بإقامة نظام جديد في الشرق الأوسط يضمن هيمنتها وهيمنة “إسرائيل”، وينسجم مع مصالحهما، إلّا أنها فشلت في مسعاها نتيجة معارضة هذا المشروع من جانب قوى المقاومة، التي انضوت في محور واحد، هو محور المقاومة. وبدأت واشنطن اللجوء إلى القوة الخشنة، أي القوة العسكرية من أجل فرض نظامها المتصوَّر للشرق الأوسط الجديد، فقامت باجتياح أفغانستان في عام 2002، حتى تعرقل قيام قوى اوراسية في الصين وروسيا وإيران وباكستان والهند، وحتى تفصل بينها، وتطل على نقاط الضعف في أمنها القومي.
وأَتْبَعت هذا باجتياح العراق في عام 2003 بغية الفصل بين إيران وسوريا، وهما أهم بلدين في محور المقاومة، بغية عزلهما وإسقاط النظام السياسي في كل منهما. وفي عام 2006، حاولت الولايات المتحدة ضرب المقاومة، وبعد ذلك تقسيم لبنان، عبر دعمها العدوان الإسرائيلي على هذا البلد، إلّا أن المقاومة صمدت في مواجهة هذا العدوان، كما صمدت المقاومة في العراق في مواجهة الاحتلال الأميركي.
ويضيف المسؤولون الإيرانيون أن الولايات المتحدة، بعد فشلها في استخدام القوة الخشنة في لبنان والعراق وأفغانستان، انتقلت إلى مرحلة ثانية عبر استخدام القوة الناعمة بعد عام 2011، فيما يسمى “الربيع العربي”، فأسقطت أنظمة كانت تابعة لها في تونس وليبيا ومصر واليمن، إلّا أنها فشلت في إسقاط النظام في سوريا.
وقامت الولايات المتحدة بدعم الإرهاب في المنطقة، ثم تدخلت فيها عسكرياً بذريعة مكافحة الإرهاب. ويشدد المسؤولون الإيرانيون على أن العامل الأساس في مواجهة الإرهاب كان محور المقاومة، الذي يضم إيران وسوريا وفصائل المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين واليمن.
ويشير المسؤولون الإيرانيون إلى أن الظروف الدولية تغيرت، وأن العالم الآن في ظل التحول نحو التعددية القطبية سيتيح هامشاً أكبر للدول الصغيرة لأداء دور في الساحة الدولية، خلافاً لما كان عليه الوضع خلال عهد الثنائية القطبية، حين كانت هذه الدول مضطرّة إلى الاصطفاف إمّا مع المعسكر الاشتراكي وإمّا مع المعسكر الغربي، أو خلال عهد الأحادية القطبية حين كانت الدول الصغيرة مضطرة إلى الرضوخ أمام الإرادة الأميركية.
ويرى المسؤولون الإيرانيون أن انتصار الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979 هو الذي فتح المجال أمام ظهور تيار ثالث لا يَتْبَع لا المعسكر الشرقي، ولا المعسكر الغربي. وهذا هو السبب الذي جعل الولايات المتحدة تتآمر على الثورة بعد أشهر قليلة على انتصارها.
وفي الوقت الراهن، باتت الدول الصغيرة قادرة على أداء دور مستقل بمعزل عن حجمها أو قوتها الاقتصادية بالاستناد إلى الهامش الذي تتيحه التناقضات بين القوى الكبرى.
ازدياد قوة محور المقاومة
ينظر المسؤولون الإيرانيون بتفاؤل إلى وضع حركات المقاومة في المنطقة، والتي زادت قوتها إلى حد باتت قادرة فيه على تحدي القوى الإقليمية الرئيسة في المنطقة ومبارزتها، فلقد انتقلت المقاومة الفلسطينية، خلال 3 عقود من المقاومة بالحجر، إلى المقاومة بالصواريخ التي تطال عمق الكيان الصهيوني.
أمّا المقاومة في لبنان فتطور مدى صواريخها ممّا بين 15 كيلومتراً إلى 30 كيلومتراً في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، إلى مئات الكيلومترات في زمننا الراهن، الأمر الذي جعلها قادرة على استهداف أي نقطة داخل الكيان الصهيوني، وصولاً إلى تحقيق الردع مع العدو الصهيوني. في الوقت نفسه، فإن أنصار الله في اليمن يواجهون قوى عالمية ويحققون انتصارات عليها.
ويرى المسؤولون الإيرانيون أن قوة المقاومة ليست فقط في الوسائل العسكرية التي استحوذت عليها، بل في المبادئ والقيم التي ترفعها، والتي تلقى تأييداً من جميع شعوب المنطقة.
ويعطون مصر مثالاً. فهذا البلد كان من أوائل الدول العربية والإسلامية التي وقّعت اتفاق “سلام” مع “إسرائيل” في عام 1978، إلّا أن هذا “السلام” بقي بارداً بين نظامين سياسيين، ولم يتحول إلى سلام بين الشعب المصري والصهاينة. وهذا هو أيضاً حال الأردن الذي أقام تطبيعاً مع الكيان الصهيوني في عام 1994، إلّا أنه أيضاً لم يتحول إلى تطبيع للعلاقات بين الشعب الأردني والصهاينة.
وهم يعطون أمثلة على دول غير عربية وغير إسلامية، مثل فنزويلا، التي اعتمدت قيم محور المقاومة في مواجهة الهيمنة الأميركية، وصمدت في مواجهة الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة عليها.
ويجزم المسؤولون الإيرانيون بأن القوة المهيمنة، وهي الولايات المتحدة، أُصيبت بانتكاسة كبيرة، الأمر الذي أتاح لقوى في العالم الثالث أن تؤدّي دوراً كبيراً، مثل إيران التي راكمت خبرة عسكرية كبيرة في العقود الأربعة الماضية، الأمر الذي جعلها تصبح قوة إقليمية كبرى تتمتع بقوة عسكرية مدعمة بقدرات عسكرية تكنولوجية متمثلة بتطوير الصواريخ البعيدة المدى والمسيرات المتطورة بخبرات إيرانية مئة في المئة، الأمر الذي جعل طهران قادرة على مبارزة واشنطن في المجال العسكري، وهو ما تجلّى بإسقاطها مسيّرات أميركية متطورة والاستحواذ عليها والحصول على أسرارها التكنولوجية، وهو ما جعلها قادرة على منع الاعتداءات الأميركية في مضيق هرمز، وصولاً إلى أسر جنود أميركيين اعتدوا على الحدود البحرية الإيرانية، وهو ما جعلها أيضاً تدمر قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق رداً على اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، بالإضافة إلى استهداف محطة تجسس تابعة للموساد في كركوك رداً على اغتيال الموساد لعلماء إيرانيين.
اعتراف بالقصور اقتصادياً وإعلامياً
هنا، ينتقل المسؤولون الإيرانيون إلى الشأن الاقتصادي، ويعترفون بأن لديهم عناصر قصور في هذا الأمر، وهو ما يجعلهم يركزون على ضرورة التطور الاقتصادي الذي يمكن أن يدعم التطور العسكري.
ويشيرون إلى أن حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي تركز على تعزيز القوة الاقتصادية في إيران، بدءاً بمكافحة الفساد. ويركز المسؤولون الإيرانيون على ضرورة تعزيز قدراتهم الاقتصادية بالتعاون مع الدول الصديقة التي يحددونها بالصين وروسيا والهند وباكستان. ويشيرون، في هذا الشأن، إلى عدم اكتراثهم للعلاقة بالغرب فـ”العالم ليس مقتصراً على الولايات المتحدة والدول الغربية”. لذا، فالإيرانيون ليسوا مستعدّين لتوقيع اتفاق نووي مع الولايات المتحدة بأي ثمن. لذلك، يرفضون ربط الملف النووي بملف الصواريخ التي أصبحت الذراع الطولى لإيران كقوة ردع في مواجهة التهديدات الصهيونية.
كما أنهم يرفضون التخلي عن علاقاتهم بسوريا وبفصائل المقاومة في العراق ولبنان وفلسطين واليمن، في مقابل توقيع اتفاق نووي مع الغرب.
ويعترف المسؤولون الإيرانيون بضعف إيران ومحور المقاومة في مجال الإعلام التقليدي والإعلام الجديد، لكنهم يرون في الحملات الإعلامية التي يقوم بها الغرب ضد الجمهورية الإسلامية وحلفائها فرصة في تطوير القدرات الإعلامية الذاتية. وكما شكلت الحرب المفروضة على إيران (الحرب العراقية الإيرانية) فرصة للجمهورية الإسلامية في تطوير قدراتها العسكرية، فإن الحرب الإعلامية التي يشنها الغرب ضد إيران تشكل، بالنسبة إليها، فرصة في تطوير قدراتها الإعلامية.
ويشير المسؤولون الإيرانيون إلى الأحداث الأخيرة التي جرت في البلاد، فيقولون إن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين حاولوا زعزعة الاستقرار في إيران، وبالغوا في الاحتجاجات التي اندلعت، وصوّروا إيران في الإعلام كما لو أنها كانت على فوّهة بركان، بينما الناس يعيشون حياة طبيعية.
بالإضافة إلى ذلك، حاولت الولايات المتحدة والغرب تسخير المؤسسات الدولية ضد طهران وصولاً إلى وضع حرس الثورة في “لائحة الإرهاب” من جانب الاتحاد الأوروبي، إلّا أن كلّ هذه المحاولات فشلت، الأمر الذي يؤكد القوة التي وصلت إليها إيران.
خلاصة
في المحصلة، فإن إيران تقف واثقة بنفسها، جازمة بأن عام 2023 هو عام التحولات نحو الأفضل بالنسبة إليها وإلى حلفائها في محور المقاومة، ونحو الأسوأ بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها. وهي ستسعى خلال هذا العام إلى تطوير قدراتها الاقتصادية والإعلامية لتصل إلى المستوى الذي وصلت إليه قدراتها العسكرية. وما يعزز ثقتها بمستقبلها هو تحسن علاقاتها الإقليمية ببعض الدول، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، التي يُعفيها المسؤولون الإيرانيون من مسؤولية التدخل في الاضطرابات الأخيرة، مؤكدين أن المسؤولين السعوديين أكدوا لهم عدم مسؤوليتهم عن قناة “إيران إنترناشونال”، التي تبث عبر الإنترنت من لندن، ويملكها سعوديون.
كما يستبعد المسؤولون الإيرانيون توجيه الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني ضربة عسكرية إلى إيران بسبب القوة العسكرية الإيرانية الرادعة، لكنهم يجزمون بأن واشنطن و”تل أبيب” ستواصلان حروبهما الناعمة ضد الجمهورية الإسلامية.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين