لم يتخيل يوماً الكاتب الأمريكي أوليفر هنري واسمه الحقيقي وليام سيدني بورتر أن مصطلحه السياسي الساخر (جمهورية الموز) الذي أطلقه عام 1904 في كتابه (الكرنب والملوك) سيستعين به الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش لوصف مشهد اقتحام مبنى الكابيتول وسط واشنطن من قبل أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب عندما قال إنها تليق (بجمهوريات الموز).
العديد من الصحف الأمريكية الصادرة اليوم وصفت ما شهده مبنى الكابيتول “بالغوغاء” محملين ترامب المسؤولية الكاملة عن إراقة الدماء والفوضى الحاصلة ودعوا إلى محاسبته وعزله مؤكدين أن ما حدث “جلب العار للولايات المتحدة الأمريكية”.
وقالت ساخرة صحيفة يو إس إيه توداي في افتتاحيتها تحت عنوان (ترامب يتسبب في المذبحة التي تعهد بوقفها) إن “الذي حدث في الكونغرس أمر لا يمكن تصديق حدوثه في الديمقراطيات الراسخة ولا تلك الوليدة” حسب تعبيرها.
ووصفت الصحيفة ما جرى في مبنى الكابيتول “بالمشاهدة المرعبة التي جلبت الخزي والإحراج للأمة الأمريكية” وأضافت “في أمريكا المنقسمة على ذاتها يفترض أن تؤدي أحداث الكونغرس إلى توحيد الأمريكيين إن الولايات المتحدة تحولت من منارة للحرية إلى نموذج مروع من الاعتلال الوظيفي”.
وختمت الصحيفة الأمريكية متوجهة إلى ترامب قائلة: “مبروك سيد ترامب.. لقد جعلت مدينتنا المشرقة رمزا للعار الوطني”.
بدورها عنونت صحيفة نيويورك تايمز الأوسع انتشارا افتتاحيتها “الغوغائية تقتحم الكابيتول بتحريض ترامب” وقالت: “هو المسؤول عما جرى في البرلمان الأمريكي.. إن الرئيس المنتهية ولايته ومساعديه في الكونغرس هم الذين حرضوا على الهجوم العنيف.. وهذا شيء لا يمكن التسامح معه” داعية إلى محاسبة ترامب وحتى عزله عن الحكم وحثت على محاكمته جنائيا.
بدورها استخدمت صحيفة واشنطن بوست نفس المصطلح (الغوغاء) وعنونت مقالة لها “الغوغائيون المؤيدون لترامب اقتحموا مبنى الكابيتول” محملة أيضا ترامب المسؤولية عما حدث ودعت إلى عزله عن منصبه فورا.
وما بين سياسات مسمومة وجمهورية الموز وليس مفاجئا جاءت تعليقات عدد من الرؤساء السابقين للولايات المتحدة على اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس الذي أودى بحياة أربعة أشخاص بينهم امرأة حيث اعتبر الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون في بيان نشرته وسائل إعلام أمريكية ما حصل أنه “اعتداء غير مسبوق على المؤسسات الأمريكية” وقال: “لقد واجهنا اعتداء غير مسبوق على الكابيتول وعلى دستورنا وبلدنا”.
وأضاف كلينتون إن “هذا الهجوم غذته أربع سنوات من السياسات المسمومة والتضليل المتعمد.. وإن الفتيل أشعله دونالد ترامب وأشد الداعمين له حماسة وكثيرون منهم في الكونغرس بهدف إلغاء نتائج الانتخابات التي خسرها”.
وشن الرئيس الجمهوري الأسبق جورج دبليو بوش هجوما عنيفا على القادة الجمهوريين الذين أججوا الحالة التي وصفها (بالتمرد) والتي شهدها مبنى الكابيتول وقال “إنها تليق بجمهوريات الموز وليس بجمهوريتنا الديمقراطية” حسب تعبيره.
وأضاف بوش في بيان مماثل: “لقد هالني السلوك غير المسؤول لبعض القادة السياسيين منذ الانتخابات.. وقلة الاحترام التي ظهرت اليوم تجاه مؤسساتنا وتقاليدنا وقواتنا الأمنية”.
ووصف الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما اقتحام أنصار ترامب لمقر الكونغرس بأنه “ليس مفاجئا” وقال إن “أعمال العنف التي شهدها مبنى الكابيتول الأربعاء عندما اقتحمه أنصار دونالد ترامب مخزية لكنها ليست مفاجئة.. التاريخ سيتذكر أعمال العنف التي حصلت اليوم في الكابيتول بتحريض من رئيس كذب بلا هوادة بشأن نتيجة الانتخابات باعتبارها لحظة خزي وعار على بلدنا.. سنخدع أنفسنا إذا ما قلنا إن ما حدث كان مفاجأة تامة”.
وحمل أوباما قادة الحزب الجمهوري ووسائل الإعلام الموالية المسؤولية عما حدث لأنهم حسب قوله “غالبا ما كانوا غير راغبين في إخبار أتباعهم بحقيقة أن بايدن حقق فوزا كبيرا في الانتخابات التي جرت في الثالث من تشرين الثاني والتي ما زال ترامب يرفض الإقرار بهزيمته فيها”.
وفي السياق انتقد السيناتور الجمهوري بات تومي ترامب وقال في تصريح صحفي: “لقد أريقت الدماء لأن ديماغوجيا اختار نشر الأكاذيب وزرع عدم الثقة في زملائه الأمريكيين.. علينا ألا ندعم مثل هذا التضليل”.
من جانبه السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذى يعد من أبرز المقربين لترامب قال في تصريح مماثل: “هذا يكفي.. علينا إنهاء الأمر” في حين أكد زميله كيفن كريمر أن ترامب “يتحمل بعض المسؤولية” عن أعمال العنف في الكابيتول وقال إن “خطاب ترامب الانتخابي بما في ذلك حث أنصاره على التجمع خارج مبنى الكابيتول كان (محرضا) ويصب الزيت على النار”.
وكان ترامب دعا نائبه مايك بنس في سلسلة تغريدات عبر (تويتر) إلى التحلي بالشجاعة وإعادة الأصوات التي وصفها بأنها (مزورة) معتبرا أن “العملية الانتخابية في الولايات المتحدة أسوأ من تلك التي جرت بدول العالم الثالث”.
وقال ترامب إن “الولايات تريد تصحيح أصواتها بعد أن أصبحت تعلم أن هذه الأصوات تستند على المخالفات والتزوير”.
يشار إلى أن أنصار ترامب اقتحموا أمس مبنى الكونغرس بتحريض منه حيث أسفرت أعمال العنف التي شهدها مقر الكابيتول عن مقتل أربعة أشخاص واعتقال 52 آخرين.
وصدق الكونغرس الأمريكي اليوم رسميا على انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية حيث أعلن بنس موافقة الكونغرس على نتائج أصوات المجمع الانتخابي ما يمهد الطريق لتولى بايدن الرئاسة في الـ 20 من الشهر الجاري.
سانا-سيرياهوم نيوز