السيناريوهات التي تنتظر الناخبين الروس والأوكرانيين في الواقع مختلفة تماماً، باستثناء المصادفة في التوقيت
تقاطع المصير يوحد ويفرّق فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي، حيث أنه تنتهي فترة ولايتهما الرئاسية في مارس/آذار 2024. الظل الذي خيّم على النزاع الروسي الأوكراني بعد بدء العمليات القتالية في منطقة الشرق الأوسط من المرجح أن تجعل مخطط الإنتخابات التي سوف يشارك فيها مواطنوا البلدين ثانوية السيناريوهات التي تنتظر الناخبين الروس والأوكرانيين في الواقع مختلفة تماماً، باستثناء المصادفة في التوقيت، فالانتخابات الأخيرة التي جرت في شهر سبتمبر/أيلول في الاتحاد الروسي، والتي شملت التصويت على مدى ثلاثة أيام لإنتخابات لمجلس الدوما، وانتخابات المحافظين في 22 منطقة من البلاد، و16 تصويتاً برلمانياً إقليمياً والعديد من الانتخابات الأخرى على المستويين البلدي والمحلي، هذه الانتخابات، على أقل تقدير، في المستقبل القريب أكدت أن الديمقراطية الروسية غير المكتملة سوف تمنع الغرب من أن يشهد انتخابات تنافسية حقيقية، لقد فاز حزب بوتين “روسيا الموحدة” على كافة “الجبهات” بأغلبية ساحقة من أصوات الناخبين، بينما خسرت المعارضة من جديد، في الوقت الحاضر يبدو أنه لا يوجد معارض واحد لـ “القيصر” قادر على قيادة المعارضة. استبعاد مرشحي المعارضة من القوائم في المناطق التي جرت فيها عمليات التصويت، تعرضت الانتخابات لتشويه كبير بسبب التدخل المسبق للسلطات التي تتولى أمرها حول عدم إدراج مرشحي المعارضة الأكثر موثوقية في القوائم. ووفقاً لحركة “غولوص”، وهي منظمة غير حكومية تقع حالياً خارج الإطار القانوني في روسيا، فقد تم إجبار ما يقرب من ربع المرشحين بشكل تعسفي على الانسحاب من السباق الانتخابي، بنسبة استبعاد 24.2%، وسرعان ما أصدر مجلس أوروبا بياناً قال فيه إن الانتخابات أجريت في مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيه التي ضمتها موسكو بعد غزو أوكرانيا، هي “غير شرعية” ووتمثل “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي”. “عدم التغيير” هو معطيات الصراع المستمر لا يفضي إلى الاستبدال المرتقب للرئيس في الانتخابات، مما يجعل التصويت على الإنتخابات الرئاسية في 17 مارس/آذار من العام المقبل أكثر بقليل من مجرد إجراء شكلي، تبدو الحملة المناهضة للحرب غير ناجحة، وقد تم تخفيض تصنيف الأخبار الواردة من الجبهة منذ فترة طويلة في الصحف بالنسبة إلى فئة الأخبار من الخارج. من ناحية أخرى، أثبت الروس – وليس أنصار بوتين فقط، أنهم قادرون أيضاً على مواجهة العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعد ظلماً وتصرفاً غير عادل لا داعي له بحق السكان، لكنهم مقتنعون بأنه لا الاتحاد الأوروبي ولا الولايات المتحدة الأمريكية يستطيعون التدخل في قرارات موسكو وكل ما يفعلونه من دون جدوى. بالنهاية، من غير المجدي المراهنة على قيود الحد العمري التي بلغه بوتين، اذ بلغ عامه الحادي والسبعين في أكتوبر/تشرين الأول، الماضي، وهذا ليس بعمر قليل طبعاً، ولكنه يظهر دائماً أصغر في العمر بعشر سنوات من نظيره الأمريكي جو بايدن، وبهذا الشكل في هذا السيناريو الخانق لحظوظ روسيا الديمقراطية، يبدو أن فلاديمير بوتين مقدر له البقاء في الكرملين حتى عام 2030 على الأقل، بعد الإعلان الرسمي عن إعادة ترشيحه وإقرار التشريع الذي يسمح له بالترشح لمنصب الرئاسة في عام 2030. تصويت كييف: إلى حد ما النتائج متطابقة “أكثر أو أقل بقليل“ الأجواء في كييف مختلفة تماماً، حيث قد تكون نتائج الانتخابات مطابقة تقريباً لتلك النتائج المتوقعة في موسكو. رسمياً فترة ولاية الرئيس فولوديمير زيلينسكي المنتخب في عام 2019 بنسبة 74% تنتهي بعد ثلاثة أشهر، ورغم ذلك منذ بداية العملية العسكرية الروسية، فرض الرئيس الأوكراني حالة الحرب والتي تشمل، من بين أمور أخرى، تعليق الانتخابات التي يمكن أن تجرى نظرياً في 31 مارس “الآن ليس وقت الإنتخابات”، هذا ما أشار إليه الرئيس فولوديمير زيلينسكي في كلمة مصورة توجه بها إلى الأمة العام الفائت، معلناً أن على أوكرانيا في الوقت الحالي التفكير في كيفية حماية الدولة، وليس “الانقسام” في الجدل السياسي، هذا وقت الدفاع والقتال ،التي يعتمد عليها مصير الدولة والشعب. هذه التصريحات، يبدو أنها تتناغم مع رأي الناخبين، ووفق الإحصاءات، فإن 80% من الأوكرانيين يوافقون على تعليق الانتخابات، (في شهر أكتوبر/ تشرين أول كان يجب تجديد البرلمان الأوكراني)، وكون الحرب مستمرة هذا يخلق مشاكل كبيرة في الحالة الأمنية وأيضاً مشاكل لوجستية لا تقل أهمية عن المشاكل الأمنية، وما لا يؤخذ بعين الاعتبار أيضاً هو أن أكثر من ثمانية ملايين أوكراني، معظمهم من الناخبين المحتملين، هربوا من البلاد، وفقاً لمنظمة العفو الدولية. يبدو أن القرار النهائي بشأن الانتخابات لا يؤخذ على محمل الجد، إذ يتعين على فولوديمير زيلينسكي أن يواجه أيضا حالة الانخفاض التدريجي في التصنيفات، وكان معهد كييف الدولي لعلوم الاجتماع قد نشر استطلاعاً أظهر أن الثقة في الرئيس انخفضت بمقدار 15 نقطة خلال بضعة أشهر، يعني من 91٪ في مايو/آيار من العام الماضي لتصل إلى 76% في أكتوبر/تشرين أول. كما أن نسبة الشعبية سوف تستمر بالإنخفاض التدريجي بالنسبة للمؤسسات الحكومية وغير العسكرية . التوجه المثير للقلق بالنسبة لزيلينسكي يجب كسره بشكل حاسم، بقدر ماهي في نهاية المطاف ستعزز المعارضة، وليس من قبيل الصدفة أن مساعد الرئيس السابق أليكسي أريستوفيتش أعلن عن ترشحه في الانتخابات القادمة في مواجهة فولوديمير زيلينسكي، منتقداً معلمه السابق التقدم المخيب للآمال في عملية الهجوم المضاد، عدا عن ذلك لابد من الإشارة إلى العلاقة المتناقثضة مع قادة الجنرال الأوكراني فاليري زالوجني بعد الحوار الذي أجرته معه مجلة “ايكونوميست” والذي أدان الوضع الذي وصل إلى “طريق مسدودة على الأرض” للعمليات العسكرية، حتى أن هذا التصريح استدعى رد ودحض مباشر من فولوديمير زيلينسكي ذات نفسه . التصويت “معلق“ قبل بضعة أسابيع فقط، ألمح وزير الخارجية ديميترو كوليبا إلى أن الرئيس الأوكراني لا يزال يدرس إمكانية إجراء انتخابات دورية، بعد أن كلف لجنة انتخابات خاصة لدراسة دراسات الجدوى التقنية الاقتصادية، وكان زيلينسكي نفسه قد صرح مرات عديدة بأنه مستعد لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، مع استغلال الفرص للاستفادة من الدعم الاقتصادي المقدم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن السماح للمراقبين الدوليين بمراقبة عملية التصويت. ولهذا السبب، فمن هذه اللحظة وحتى الأشهر القليلة القادمة، لا يبدو أنه سيتم التوصل الى قرار نهائي بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية. خاص وكالة رياليست – مقال للكاتب الإيطالي، أنجولينو لوناردي –
ترجمة: د. نواف إبراهيم – كاتب وإعلامي مختص بالشؤون الدولية.
سيرياهوم نيوز٣- رياليست عربي