الدكتور نسيم الخوري
لسنا في عجالةٍ بانتظار النتائج خصوصاً وأنّنا كغيرنا من دول العالم وشعوبه وكما جرت العادة، نُعاني أزمات ننشغل فيها فنمضي مع كلّ انتخاباتٍ لرئاسة أميركا، نتلهّى متسائلين وكأنّنا نفرط أوراق الزهور نتبارى متمتمين: ترامب أم بايدن؟ أشمس هذا أم قمر، مع أنّنا لطالما عاينا السياسات الأميركية والدولية وحفظناها ولم نعد نرى فيها سوى مواقع شعوبنا شموساً وأقماراً.
راحت تتحوّل العيون العالمية لماماً عن الحروب الكثيرة في العالم نحو مناظرات السباق المتجدّد نحو البيت الأبيض بين الرئيس الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب، لكنّ الصحيح أيضاً أنّها الحماسة الأشدّ فتوراً، لتكرار المشهد بين الرجلين أوّلاً، تذكيراً بالسقطات الهائلة لصورة العلاقات الرئاسيّة بينهما وما تبعها بعد نجاح بايدن حيث لم تشهد أميركا مثيلاً لها منذ 120 سنة، ولاختلال مفهوم “الإتّحاد” بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وكذلك مصطلح “الوحدة” في مسمّى الولايات الأميركية. وقد ينسحب الأمر المترجرج على مواصفات “العظمة” الدولية ومفاهيمها وحدودها ثانياُ، على الأرجح. أميركا أوّلاً أو أميركا ثانياً وثالثاً إلى مآزم الإقتصاد والرعاية الصحيّة والهجرة المتدفّقة من فوق سلالم المكسيك والعالم والكورونا التي ربّما عادت تلوّح بمناديلها مجدّداً..الخ، من مفردات واتّهامات متبادلة معلوكة نسيناها بعدما شغلت العالم وأسقطت معايير الحريّة والديمقراطية والكثير من القيم الإنسانية في الميزان.
أعترف، بالمناسبة، أنّ أكاديمياً عريقاً في واشنطن أوصاني بعدم الإستغراق في ما يظهر من المرشحين ترامب وبايدن شكلاً ومضموناً في الشاشات الأميركية، والتنبيه إلى صناعات الأقنعة الإنتخابية العظيمة في حصد الجماهير وقيادتها سواء عبر هندسة الأشكال والأزياء والأصوات والأضواء والذكاء وتحويرها كسباً للجماهير تصفيقاً وصفيراً حتى عبر الأسئلة والأجوبة المُصاغة مسبقاُ بذكاءٍ حاد يتجاوز التصوربهدف الإغراء وصناعة الرأي العام مختوماً بالإقناع والخضوع للسير في الجادات الجميلة الحاذقة والمتطوّرة.
كان لا بدّ من تناول كتابٍ لدونالد ترامب أمامي عنوانه:” ترامب بلا قناع، رحلة من الطموح والغرور والمال والنفوذ”. ما أن قلّبت ملاحظاتي فوق الصفحات ال 500 منهياً قراءته قبل خمس حتى لاح عنوان هذا المقال:” لا تسقط الأقنعة في الإنتخابات الرئاسيّة الأميركية”. المعروف أنّ للأقنعة أدوارها في صقل السلطات، غير أنّها لا تسقط شعبيّاً إلاّ في “عيد البربارة” لدى المسيحيين يحتفلون بها في بلاد الشام. وتُفيد الرواية أنّ بربارة هي الإبنة الوحيدة لوالدها الوثني ديوسقوروس وعُرف بغناه الفاحش. وُلدت في نيقوميديا في القرن الثالث للميلاد وقامت بمراسلة أوريجانس علناً في مدرسة الإسكندرية. عندما علم والدها بالأمر قطع رأسها وكأنّه يُسقط القناع. هكذا يخرج المسيحيون في عيد البربارة مساء 3 و4 ديسمبر من كلّ عام حتى اليوم في بلاد الشام إلى الساحات متنكّرين بالأقنعة ومحتفلين بأغانٍ وأناشيد طقوسية.
أصدرت “الواشنطن بوست” “ترامب بلا قناع…” عبر آلاف الصفحات والوثائق والأبحاث والمعلومات المكدّسة موكلةً ل 33 صحفي حياة ترامب، وأجروا معه 30 مقابلة وتُرجم الكتاب إلى معظم اللغات العالميّة وفيها العربيّة. الغريب أنّ دونالد ترامب نفسه إعتبره “كتاباً سخيفاً” مملاّ ناصحاُ القرّاء بقوله:”لا تشترونه”، مع أنّه لم يكن قد رأى الكتاب بعد. كان وفيّاً، كما يبدو، للوعد الذي قطعه على نفسه بأنّه لم ولن يقرأه مع أنّه شديد الأهميّة أكثر من ذي قبل.
لماذا؟
لأنّ ما اعتمده ترامب ناموساً مشعّاً لحياته الحافلة بكلّ ما يرسّخ جذوره الأميركية، نجدها موثّقة بجذور أجداده المهاجرين كي لا تبقى تلوح في الهواء. تعود لأمّه المهاجرة نحو أميركا من جزيرة نائية في اسكوتلندا عملت بتنظيف الأسماك المُعدة للتصدير وتزوّجت إلمانيّاً هناك هاجر من حقول العنب في جنوبي إلمانيا فأنجبا رئيساً لأميركا عرّف هو نفسه ب”الأعجوبة الثامنة”. وإلاّ! كيف نفهم ما قاله في كتابه أنّ: “الإنسان هو أكثر الحيوانات ميلاً إلى الشرّ، والحياة سلسلة من المعارك التي يفترض أن تكون شرسة لتنتهي بالنصر أو بالهزيمة… ولو أنّ العالم بأجمعه آل إلى الخراب فإنّني لن أخسر في حياتي دولاراً واحداً…. “ص: 142.
جملة واحدة قد تشرح لنا شياطين السياسة سواء مع دونالد ترامب 2 الذي لم ولن يضبطه حزب جمهوري أو مع جو بايدن 2 الديمقراطي المدموغ حزبه بإلقاء القنبلة الذريّة فوق هيروشيما والمدموغ شخصياً بفواجعه العائلية التي جعلته متعثّراُ ومربكاَ. تقول الخاتمة: مهما تعمّقت بينكم الأصول والحفر والمسافات والخلافات والمكائد، لكنها تسهر لأن تجمع ما يفرّق حاصدةً الرياح والغنائم كيفما هبّت، وهذا هو التحدّي لتواريخ الشعوب.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم