آخر الأخبار
الرئيسية » قضايا و تحقيقات » التلوث في محافظة طرطوس .. مخاطر تهدد البيئة والإنسان

التلوث في محافظة طرطوس .. مخاطر تهدد البيئة والإنسان

تحقيق: ربا أحمد – فاديا مجد – لوريس إبراهيم – مها يوسف- غصون ديب – سناء عبد الرحمن:

تعددت مسببات التلوث في محافظة طرطوس ابتداء من صرف صحي يلوث الأنهار والسدود والبحر، مروراً بأدخنة معمل الإسمنت ومخلفات المحطة الحرارية في بانياس، وليس انتهاء بالمبيدات الزراعية والبيوت المحمية المغطاة بالنايلون، ومكبات القمامة و مياه الجفت الناتج عن معاصر الزيتون.

تلوث البيئة يحيط بنا من كل حدب وصوب، وآثاره السلبية على البيئة والكائنات الحية كبيرة، وأخطرها تعريض صحة المواطن القاطن في هذا الوسط الملوث للأمراض والسرطانات.

النايلون الذي يغطي البيوت المحمية
وحول الأثر السلبي الذي يسببه النايلون الذي يغطي البيوت المحمية في محافظة طرطوس… وبالسؤال عن مدى الضرر الذي يسببه النايلون الذي يغطي تلك البيوت المحمية في تلوث البيئة، ولاسيما أن هناك دولا كثيرة تستخدم الزجاج في التغطية، وهل تختلف الانتاجية في حال تمت التغطية بالزجاج بدلا من النايلون أو كما يعرف (البيوت البلاستيكية) أشار الدكتور علي محمد علي استاذ وباحث في كلية الهندسة التقنية بجامعة طرطوس اختصاص علم وتكنولوجيا البوليميرات بداية الى أن البلاستيك هو من أكثر المواد التي ينتجها ويستهلكها الإنسان، حتى أصبح عصرنا الحالي يعرف باسم عصر البلاستيك، فهو من ضمن أفضل اختراعات الإنسان وأسوئها في نفس الوقت.
مشيرا الى أن البلاستيك مُصنّع بشكل أساسي من البترول ويمتاز بأنه قوي ومتين، فهو يتكون من جزيئات كبيرة الحجم ترتبط ببعضها بسلاسل طويلة الأمد تحتاج الى سنين عديدة لتتفكك وتتحلل مسببة مخاطر جمة أهمها مخاطر النفايات البلاستيكية على البيئة.

آثاره السلبية على البيئة
وأضاف الدكتور علي: بالرغم من الفوائد الجمة لاستخدام البلاستيك في القطاع الزراعي، إلا أن للبلاستيك المستخدم في تغطية النباتات آثار سلبية على البيئة، إذ أن تلك المخلفات البلاستيكية كمياتها ضخمة ويتكلف تدويرها مبالغ مالية كبيرة، وذلك بسبب أن تلك الأغطية البلاستيكية تكون ملوثة بالتربة والأسمدة والمبيدات الزراعية والحشرية، وتكون ممزقة بسبب استخدامها الطويل وتعرضها للعوامل الجوية المختلفة، مما يجعل عملية تدويرها والتخلص منها مكلفة جدا، وهذا يشجع بعض المزارعين على حرق هذه المخلفات بشكل مباشر مما يتسبب في انبعاث كثير من الغازات الخطيرة الملوثة للبيئة، ناهيك عن مخاطر تلك الملوثات في حال دفنها في التربة بغية التخلص منها.
ولفت الى انه في كثير من الأحيان تكون أغطية البلاستيك رقيقة جدا، الأمر الذي يصعب من عملية رفعها وإزالتها من التربة، فتبقى مختلطة بالتربة الزراعية لعقود زمنية طويلة ، مايؤدي الى تراجع خصوبة التربة وتلوثها بكثير من المواد الكيميائية المستخدمة في صناعة البلاستيك وهذا يلحق ضررا بليغا بالكائنات الدقيقة التي تعيش في التربة الزراعية، موضحا أن للمخلفات البلاستيكية المختلطة بالتربة الزراعية تأثيرات خطيرة على سلسلة الغذاء التي يتناولها الإنسان، فالجزيئات البلاستيكية الرقيقة يتم امتصاصها من النباتات وتتراكم في ثمارها وأوراقها، مما يؤدي الى تسللها لسلسلة الغذاء البشري، ودخولها الى جسم الإنسان الذي يتناول هذه المواد الغذائية النباتية الملوثة بالمخلفات البلاستيكية، مما يتسبب في إلحاق أضرار بليغة بصحة الإنسان وسلامته.
وبين الدكتور علي أن الزجاج أفضل بالتأكيد من البلاستيك، ولكن كلفة تصنيع البيوت الزجاجية باهظة الثمن ، أما من حيث زيادة الانتاجية فلا يوجد فارق يذكر.

والزجاج للتقليل من الاحتباس الحراري
من جهته الدكتور ياسر قرحيلي دكتورا علوم أغذية من فرنسا- أستاذ مساعد في قسم هندسة تقانة الأغذية بكلية الهندسة التقنية في جامعة طرطوس قال: تعقيبا على مقولة أن الغرب يعتمد على البيوت الزجاجية في الزراعة ويستغني بشكل كامل عن البيوت البلاستيكية هو نتيجة اكتشافه لمخاطر التلوث فيه، هي مقولة خاطئة والسبب الرئيسي هو أن ذلك الاستخدام للزجاج من أجل التقليل من الاحتباس الحراري الناجم عنها فقط.

رديئة الصنع
وأضاف الدكتور قرحيلي: بالنسبة لخطورة الأغطية البلاستيكية المستخدمة في هذه البيوت فإن هذه الخطورة قائمة في الأساس من الاستخدام السيء لها والاعتماد على نوعيات تجارية رخيصة من هذه الأغطية، الامر الذي يجعلها قابلة للتأثر السلبي نتيجة للظروف المحيطة بها من حرارة ورطوبة، وقد يؤدي ذلك الى تحلل جزئي فيها، وهذا الاهتراء السطحي والتحلل سيؤدي حكما وخاصة في الأجواء المطرية القوية الى إحداث تلوث سمي على الخضار المزروعة فيها.

ضرر محدود
ونوه قائلا: يمكن القول إن الضرر الناجم عن هذه الأغطية هو محدود في حال كانت نوعيتها ذات جودة عالية، وتتركب بالأساس من البولي اتيلين حصرا، لافتا الى أن التلوث محجوز داخل وسط البيت البلاستيكي بدرجة أعلى بكثير من التلوث الخارجي، اي تلوث الوسط المحيط بالبيت البلاستيكي، مؤكدا أنه يجب الاشارة الى انه لا يوجد تماس مباشر بين الاغطية البلاستيكية والنباتات المزروعة داخل البيوت البلاستيكية وبذلك يكون التلوث في حال حدوثه هو تلوث غير مباشر.

وللبيئة رأيها
المهندسة ألفت حسن من مديرية البيئة بطرطوس أكدت أنه يجب الانتباه أولا إلى أنه لا بديل عن البيوت البلاستيكية بالوضع الراهن بسبب ارتفاع رأس المال المطلوب لانشاء هذه البيوت حاليا، وعليه فإن استبدالها بالزجاج الذي يعد أعلى تكلفة بشكل واضح وكبير وعلى هذه المساحات الشاسعة المزروعة، هو أمر بعيد عن الواقع، مع ملاحظة أن الضرر الرئيس على البيئة ينتج من خلال استخدام الأسمدة الكيميائية (الأسمدة العضوية) غير المعالجة بالشكل الكافي، الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج الغازات الدفيئة، وبالتالي فإن ازدياد أعداد البيوت البلاستيكية بشكل كبير سوف يساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري مع مرور الزمن، إضافة الى أن الاستخدام المفرط للأسمدة الزائد عن حاجة النباتات سوف يؤدي لتسرب هذه المواد إلى المياه الجوفية وخاصة السطحية منها وبالتالي حدوث تلوث فيها ، كما أن عدم اتباع قواعد النظافة البيئية في التخلص السليم من العبوات الفارغة من الأسمدة الكيميائية أو المبيدات الحشرية والفطرية وغيرها يعرض البيئة المحيطة للتلوث، إضافة للضرر على الانسان الذي يعمل في هذه البيوت معرضاً نفسه لهذه المواد الكيميائية بشكل مباشر عن طريق الملامسة أو بالاستنشاق أثناء الرش وبالتالي تعريض نفسه للإصابة بأمراض شتى أهمها السرطانات، كما أن المنتجات النباتية التي تتعرض لإضافات زائدة من هذه المواد، والتي يعتمد عليها المواطن في غذائه تسبب حدوث أمراض في جسم الانسان على المدى الطويل.

القمامة مشكلة مركبة تبدأ من المنزل وتنتهي في المكب
والمبيدات الزراعية خارج قفص الاتهام

دخلت المبيدات الزراعية قفص الاتهام كأحد أذرع التلوث للمياه الجوفية، وأن استخدامها بكثرة وبطريقة عشوائية يحمل الكثير من العواقب الصحية والبيئية.

وفي لقاء مع عدد من المزارعين أكدوا أن استخدامها إلزامي للقضاء على الأعشاب والحشرات الضارة ضمن الأراضي الزراعية المكشوفة والمحمية، وأنواعها مختلفة منها المحلي الصنع والمختوم ومنها المستورد الذي توضع عليه لصاقة الزراعة وأخرى مهربة و التي تعتبر الأرخص سعرا والذي يلجأ اليها أغلب المزارعين بسبب ذلك وهي لا توضع ضمن الصيدليات الزراعية وانما تكون مخبأة ولا يمكن ضبطها.
وعن تأثيرها على المياه والبيئة والصحة العامة، رفض الفلاحون هذا الكلام جملة وتفصيلا وأكدوا أن المادة الفعالة تفقد قيمتها بعد ٢٨ يوما والمياه تقلل من تأثير المادة الفعالة التي بدورها تراجعت نوعيتها جدا، وبالتالي أثر المادة غير موجود على المدى المتوسط ، فكيف بحالة المياه الجوفية والأثر الطويل؟.
رئيس دائرة وقاية النبات في مديرية زراعة طرطوس م. حسن حمادة رفض أن يوجد أي أثر بيئي للمبيدات الزراعية على اعتبار أن النبات يقوم بامتصاص المادة ولها فترة زمنية للتفكك وإلا كان تأثيرها مديداً وهذا ما لا يعقل، إضافة إلى أن الأمطار تفكك كافة المبيدات التي أصلا لها فترة صلاحية محدودة وليست للأبد وعليه لن تستمر فترة الفعالية الا لوقت محدود، وبالنسبة للأدوية الزراعية فإن الآزوت ينحل بالماء والفوسفات والبوتاسيوم تعلق بالتربة.
وعن نوعية المبيدات الموجودة في الصيدليات، لفت إلى وجود ضابطة عدلية بكافة المناطق لمراقبة الصيدليات التي تخبئ المهربة منها وبالتالي يصعب ضبطها، والتي يلجأ لها الفلاح بسبب رخص ثمنها، علما أنها مغشوشة ونسبة المادة الفعالة فيها لا تتجاوز ١٠%.
أما مدير فرع البحوث الزراعية بطرطوس د. شادي فسخة أشار إلى أن الفرع لم يقم بأي دراسة بهذا الخصوص ولم تسحب أي عينة من قبلهم، ولا دراسة علمية معتمدة من قبلهم أو من قبل غيرهم حول ذلك.
ولمعرفة الكلام اليقين توجهنا لمدير الموارد المائية بطرطوس م. محمد محرز والذي أكد أن تحليل مياه السدود يتم بشكل دائم ولا توجد أي مواد سمية أو ناتجة عن المبيدات، مضيفا إلى أن المبيدات الزراعية تنحل وتتفكك، والمديرية تلجأ لها لرش أطراف السدود والتخلص من الأشواك المعمرة والاعشاب والورقيات التي تغطي جوانب السد وبالتالي تحجب أي تسرب مائي، مؤكدا أن مشكلة السدود كلها بسبب ملوثات الصرف الصحي لا غير.

الخطر القادم..
وسام عيسى مدير النفايات الصلبة بالمحافظة أكد لـ»الثورة» أن المحافظة قد سعت منذ عام 2014إلى معالجة مشكلة المكبات العشوائية في المحافظة والتي تبلغ عددها 62 مكبا عشوائيا موزعين على مساحة المحافظة وذلك من خلال إنشاء معمل لمعالجة النفايات الصلبة في وادي الهدة و مع بدء تشغيل المعمل تم اغلاق 30 مكب قمامة هم الاكبر والاخطر و يستقبلون 80% من قمامة المحافظة ومن ثم تم البدء بتأهيل هذه المكبات من خلال إعداد دراسة مفصلة لكل مكب من قبل جامعة تشرين ، مشيرا الى ان البداية كانت من مكبات القمامة في عين الزرقا وصافيتا من خلال التعاقد مع شركة الطرق وحاليا سيتم تأهيل مكب القدموس قبل نهاية العام من خلال الاعانة الممنوحة من الوزارة، اما مكب حصين البحر هو أحد هذه المكبات وسيتم إغلاقه وتأهيله في خطة ادارة النفايات الصلبة لما يسببه من أضرار على البيئة.
وتتم معالجة الترشحات الناتجة بشكل جيد هذا العام حيث مكّن ذلك من منع حدوث تلوث المناطق المجاورة، موضحاً أن خطة الترحيل إلى البادية متوقف حاليا بسبب كلف الترحيل المرتفعة ونقوم بالاستعاضة عنه حاليا من خلال إنشاء مطامر صحية في المناطق البعيدة لتخفيف كمية النفايات عن وادي الهدة واغلاق المكبات العشوائية ومعالجتها بشكل صحيح في هذه المطامر.
من جانبه اكد ابراهيم ديوب رئيس بلدية حصين البحر أن مكب النفايات الذي يقع شرق قرية حصين البحر يعتبر مكباً لخمس بلديات السودا ومتن الساحل وبحنين ومرقية وحصين البحر. ويعتبر المصدر الثاني للتلوث بعد معمل اسمنت طرطوس حيث الروائح الكريهة والدخان المنبعث إضافة لما يسببه من أذى للصحة العامة مشيراً إلى أنه كثرت الأمراض الصدرية والسرطانية في القرية بشكل مخيف، معتقداً ألا أمل بإغلاقه بسبب أن معمل وادي الهدة لم يعد يتسع للنفايات وفق ما أكده لنا مدير النفايات الصلبة بالمحافظة وعلمنا أن المحافظة عملت على مشروع نقل النفايات لكامل المحافظة إلى بادية حمص بالقطار وهذا كان أملنا الوحيد للتخلص من ملوثات المكب.
وللحديث عن المخاطر البيئية الخطيرة من وجود المكبات العشوائية أوضح الاستاذ الدكتور في قسم الجغرافيا بجامعة طرطوس محمد سليمان المختص بعلم البيئة لـ»الثورة» أن التخلص من القمامة والنفايات الصلبة أصبح مشكلة ، إضافة إلى مشكلة الصرف الصحي فهما من أخطر المشكلات التي تعاني منها البيئة في سورية عامة وفي محافظة طرطوس خاصة، وصارت تشغل بال الكثيرين ويعاني منها و من نتائجها وآثارها السلبية أغلبية السكان، ويمكن وصفها بأنها مشكلة مركبة ومعقدة ذات تشعبات كثيرة تبدأ في المنزل أو المنشأة وتنتهي في المكب أو المعمل ( هذا في حال وجود هذا المكب النظامي أو المعمل المخصص لمعالجتها والتخلص منها) لأن تداعياتها وآثارها على البيئة بمختلف عناصرها الحية وغير الحية بما في ذلك الإنسان، وهنا يجب التمييز بين القمامة والنفايات الصلبة العادية و هي الناتجة عن المنازل والمحال التجارية والمزارع وغيرها، واشار الى ان النفايات الصناعية المختلفة، ونفايات المشافي والمراكز الصحية والعيادات الطبية تعد من النفايات الخطرة، ولم تعد نفايات عادية أو قمامة، ويجب جمعها ومعالجتها بشكل علمي ومناسب، وهذا لا يحدث في معظم الحالات.
والواقع أن الزيادة المستمرة لكمية النفايات تزيد الوضع سوءا، وتؤدي في كثير من الأحيان إلى تلوث الهواء والماء والتربة بسبب الطرق الرديئة المستخدمة في عمليات جمع النفايات والتخلص منها، تتفاقم المشكلات الناتجة عن النفايات الصلبة عاما بعد آخر بتضافر وتفاعل عدد من العوامل، منها النمو السكاني، وزيادة التمدن والهجرة إلى المدن، وزيادة الاستهلاك المنزلي، والتقدم التكنولوجي السريع، الذي وفر مجموعة من أسباب زيادة النفايات كتصنيع البلاستيك والمعلبات وغيرها، مقابل ركود ملحوظ في تطوير إدارة النفايات، وعدم تغيير أو تعديل القوانين المتعلقة بذلك، وعدم تطبيقها، إضافة إلى العادات الاستهلاكية التي تشجع استخدام السلع التي ترمى بعد كل استعمال بدلا من السلع والمواد التي يمكن استبدالها أو استخدامها بشكل متكرر.
إنّ العواقب السلبية الناتجة عن مكبات القمامة العشوائية وعدم معالجتها بشكل آمن كثيرة ومتنوعة فهي تسبب على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد تلوث المياه السطحية والجوفية (وقد حدث مثل هذا التلوث في أكثر من مكان في المحافظة سواء الناجم عن معمل وادي الهدة للقمامة أو في بلديات وأماكن أخرى) وكذلك تلوث الهواء، وتلوث التربة والقضاء على المساحات الخضراء، ولها تأثيرات نفسية وتخدش الذوق العام والخاص ، وتعد من أشكال التلوث البصري.

وعن الحلول والإجراءات التي يمكن القيام بها للتخفيف من حدة هذه المشكلة أو التخلص منها فيمكن القول: إن التحدي الكبير الذي يواجه المجتمع اليوم هو جعل النظام المنتج للنفايات يحاكي الطبيعة ويتشبه بها، أي جعله نظاماً مغلقاً، لأن من شأن ذلك التخفيف من حجم النفايات والتلوث الناتج عنها، وتوفير الطاقة وتخفيف التكاليف الإجمالية اللازمة لمعالجة النفايات والتخلص منها، وبالتالي تعزيز التنمية المستدامة للبيئة والمجتمع. ولكي يتم ذلك لا بد من تضافر عنصرين أساسيين، أولهما اعتماد نمط حياة يؤدي إلى التخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن القمامة، ويحول دون إنتاج كميات كبيرة من النفايات في المصدر، بدلا من الاضطرار إلى إيجاد سبل وطرائق مناسبة للتخلص منها لاحقاً. و ثانياً يجب معالجة النفايات والقمامة باعتبارها مادة أولية يمكن الاستفادة منها كما هي المواد الأخرى في الطبيعة، بدلا من اعتبارها شيئاً ضاراً ينبغي التخلص منه، فالكثير من المواد التي تلقى في حاويات القمامة يمكن إعادة تصنيعها والاستفادة منها، وكثيراً ما وصفت القمامة بأنها تساوي وزنها ذهباً!!! ويوجد طرائق كثيرة للتخلص من النفايات ومعالجتها، ولكن ثمة طريقة فعَالة لإدارة القمامة والنفايات الصلبة تبدأ بفرز النفايات في المنزل، وجمعها على انفراد بما يضمن إعادة تدويرها.

مخلفات معاصر الزيتون والصرف الصحي..
تلوث مياه الشرب والأراضي الزراعية

تعاني المجتمعات البشرية من تلوث ناجم عن مجمل نشاطاتها في مجالات عدة و من أهم تلك الملوثات هو التلوث الناجم عن مياه الصرف الصحي الذي يلوث مياه الشرب في بعض المناطق و يلوث الأراضي الزراعية و غيرها…ولا تخلو محافظة طرطوس من هذا التلوث و خاصة أن بعض المناطق من ريفها لا يزال يرزخ تحت وطأة تلوث أراضيها و مياهها من الصرف الصحي العشوائي.

للاطلاع على واقع تلك المناطق و ما نفذ و ما لم ينفذ التقينا منصور منصور مدير الشركة العامة للصرف الصحي بطرطوس الذي حدثنا قائلاً: قامت مجالس المدن و البلديات سابقا بتنفيذ مشاريع صرف صحي ضمن نطاق البلديات حسب الاعتمادات المتوفرة، فبعض هذه المشاريع استطاع تخديم بعض مناطق المحافظة بنسبة ١٠٠ ٪ و بعضها تفاوتت نسبة تخديمه من منطقة لأخرى و البعض من تلك المشاريع تراوحت حسب الاعتمادات. و حاليا بقي قسم من هذه المشاريع لم يخدم و ما زال يعتمد على الجور الفنية مع الأسف و تم تنفيذها و لا تنتهي إلى محطة معالجة…!
عندما علت الاصوات بضرورة معالجة خطر مياه الصرف الصحي قامت وزارة الموارد المائية بإعداد خطة شاملة لمدينة طرطوس، تتضمن دراسة تنفيذ ٣٢ محورا إقليميا تنتهي إلى محطات معالجة لرفع التلوث عن كامل المحافظة .
بدأت وزارة الموارد المائية بتنفيذ هذه المحاور الإقليمية و تم تنفيذ حوالي١٦ محورا إقليميا، و حاليا يوجد ست محطات معالجة تعمل على امتداد المحافظة تخدم ما نسبته ١٠ ٪ من سكان المحافظة..!
و أضاف م .منصور: مؤخرا ظهرت خطة بديلة و هي تناسب محافظة طرطوس و هي الخطة الوطنية للمعالجة المكانية لمياة الصرف الصحي و استخدامها في الزراعة برئاسة السيد نائب المحافظ، و تم تشكيل لجنة على مستوى المحافظة من أجل تحديد مواقع هذه المحطات المكانية عن طريق مجالس المدن و البلدات و قد تم رفع حوالي ٤٤ موقعا لمحطات معالجة مكانية إلى وزارة الموارد المائية.
و عن تنفيذ هذه المحطات أوضح م . منصور قائلا: نحن بانتظار التمويل لإقامة هذه المشاريع مع العلم أن هناك سعي متواصل من قبل وزارة الموارد المائية مع المنظمات الدولية من أجل تمويل هذه المشاريع و المساعدة في تنفيذها.
من جهته أوضح جابر حسن عضو المكتب التنفيذي لشؤون البلديات و البيئة و الصرف الصحي من خلال لقاء مع «الثورة»: أن الوزارة نفذت مجموعة من المجمعات مثل مجمع القليعة – الدلبة و بدأت بتنفيذ محطة المعالجة الواقعة في نهايته محطة معالجة (الكفارين-المشتى) و مجمع(صافيتا الجنوبي) و بدأت بتنفيذ محطة معالجة صافيتا و مجمع مدينة الدريكيش و تم استملاك مجمعات المتراس و مجمع الشريط الساحلي الجنوبي و مجمع الدالية حريصون و مجمع الشيخ بدر – الحاج حسن، كما أن الوزارة و المحافظة قامتا بتنفيذ محطات معالجة مثل محطة معالجة خربة المعزة، محطة معالجة تعنيتا وغيرها، ووضعها في الاستثمار أما بالنسبة للشبكات الداخلية المنفذة ضمن التجمعات السكانية تقوم بصيانتها لجنة برئاسة قاض من كل منطقة لنقل ملف الصرف الصحي كاملا من الوحدات الإدارية إلى الشركة العامة للصرف الصحي و تتابع هذه اللجان عملها، و أضاف السيد حسن: أن نسبة تخديم المجمعات السكانية في محافظة طرطوس بشبكات الصرف الصحي ٨٥ % من عدد السكان .و حول استفسارنا عن قرى في ريف المحافظة التي ما تزال لا تمتلك شبكة صرف صحي و تتجه تلك الملوثات باتجاه الوديان أجاب:على الوحدات الإدارية التنسيق مع الشركة العامة للصرف الصحي لتتفيذ شبكات صرف صحي من خلال خططها وفق الأولويات و بما ينسجم مع الدراسة الإقليمية الشاملة.
و عن الصعوبات التي أدت إلى توقف تنفيذ هذه المشاريع و بالتالي استمرار تلوث البيئة أجاب حسن: أن العقوبات و الحصار الجائر على سورية منعت الوزارة صاحبة العلاقة من استيراد المعدات اللازمة لتنفيذ محطات المعالجة.
أخيرا ….لا بد من وضع إنهاء تلوث الأراضي الزراعية و مياه الينابيع من الصرف الصحي في أولويات المعنيين لأنها تهدد حياة الكثيرين، و تساهم في انتشار العديد من الأمراض التي تهدد المحافظة.

«الجفت» ..
خطر متعدد الأبعاد
مشكلة مياه الجفت الناتج عن معاصر الزيتون خطورته متعددة الابعاد على البيئة وسط غياب الرقابة عن هذه المعاصر و الرقابة عن كيفية التخلص الآمن لهذه المادة..
و رغم الاجتماعات السنوية المتكررة و التنبيه الى ضرورة إلتزام المعاصر بالشروط البيئية و التخلص الآمن لمياه الجفت إلا أن الوضع بقي على حاله و ما زالت المعاصر تتخلص من مياه الجفت عبر الوديان و الانهار.. علما ان شروط ترخيص المعاصر تشترط انشاء محطات معالجة..

لجان للمراقبة ..
الدكتور علي داود مدير البيئة بطرطوس اكد أن مديرية البيئة استناداً إلى قانون حماية البيئة رقم ١٢ لعام ٢٠١٢ بعمليات التفتيش البيئي النوعي ( استجابة للشكاوى على معاصر الزيتون في المحافظة، ومراقبة مدى التزام المعاصر بشروط الترخيص والاشتراطات الواردة في قرار وزارة الدولة لشؤون البيئة رقم ٨٣٢ / ق، ومخاطبة الجهات المعنية بالمقترحات الملائمة فيما يتعلق بالمعاصر المخالفة، يتم كل موسم زيتون تشكيل لجنة مركزية على مستوى المحافظة، ولجان فرعية على مستوى المناطق برئاسة مديرية الزراعة وممثلة بالجهات ( مديرية البيئة – الصناعة – التجارة الداخلية – الموارد المائية ) لتوحيد آلية عمل الرقابة على المعاصر، مهمتها مراقبة عمل معاصر الزيتون على مستوى المحافظة ، حيث تعمل على مراقبة تجميع مياه الجفت في جور فنية كتيمة، وعدم إلقائها إلى شبكات الصرف الصحي أو الوديان والمسايل الشتوية، وتوزيعها على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة والمناطق الحراجية بشكل فني وعملي وفق النسب المنصوص بها وفق القرار / ١٩٠ / ت لعام ٢٠٠٧ الصادر عن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، مؤكداً أن اللجان آنفة الذكر تقوم برفع تقاريرها إلى المحافظ لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المعاصر المخالفة.

أضرار من نوع آخر..
وعن الأضرار التي تسببها مياه الجفت أكد أن مياه جفت معاصر الزيتون تحتوي على نسب مرتفعة من مركبات فينولية، CDC , BOD ، SS ، فوسفور، نشادر، حموضة مرتفعة وزيوت وشحوم تسبب مخلفات المعاصر المحتوية ماسبق عند وصولها إلى البيئة المحيطة ( قشور طينية في التربة وروائح كريهة، والقضاء على الأحياء الدقيقة، وخلل في توازن التربة وتسميم النباتات والأشجار عند ريها بمياه الجفت بشكل مباشر مع إعاقة التنقية الذاتية في الانهار والبحيرات وتخفيض كمية الأوكسجين المنحل في الماء، ونمو الأشنيات وإعاقة عمل محطات معالجة مياه الصرف الصحي.

معمل الإسمنت..
غبــــار وتلــوث بـلا حــلـــول

من شرفات تطل على البحر لا يرى قاطنوها سوى الضباب والغبار الكثيف المتصاعد.. اوبئة وامراض مزمنة وسرطانات أصبحت تشارك أهل المنطقة حياتهم وحياة اطفالهم.. معاناة عمرها عشرات السنين يعيشها اهالي حصين البحر والقرى المجاورة كدوير طه والسودا وبعشتر امتدادا إلى بصيرة وشاطئ البحر نتيجه الغبار المتصاعد من معمل الاسمنت.. انبعاثات تقتل البشر والشجر ومناشدات بضرورة الإسراع لإيجاد حل لهذا السرطان الجاثم على صدورهم..

 

جريدة «الثورة» جالت في المنطقة التقت الأهالي والمعنيين..الذين وصفوها بالكارثة البيئية.
مدير الاعلام بطرطوس الصحفي عماد هولا قال: سنوات مضت والمعاناة مستمرة في قرية حصين البحر والقرى المجاورة مشكلة التلوث الناتجة عن غبار معمل الاسمنت،ان المعمل حاله كارثية وبيئية على منطقة حصين البحر والجوار فلا يمكن ان نميز أنواع الاشجار من بعضها وبالفترة الاخيرة ازداد الوضع سوءاً ، بدورنا نناشد كافه الجهات المعنية في البيئة ان يتم تشكيل لجنة لتحديد نسبة التلوث والواقع البيئي علما أن هناك دراسات وإحصائيات تشير الى ان معظم حالات الوفاه في القرية بسبب السرطان وغبار معمل الاسمنت الذي اثر على الشجر والبشر فالغبار في بيوتنا وقلوبنا..حقيقة هي كارثة بيئية.
اما الدكتور سعد الله جديد فتحدث عن اهم الامراض انتشارا نتيجه الغبار المتصاعد وقال ان الامراض متعددة ومتنوعة فمذ اربع سنوات تم احصاء الحالات السرطانية ونعمل على متابعتها منذ اربع سنوات وفي الفترة الاخيرة شهدنا انتشار للسرطان بشكل واضح سواء سرطان الثدي أو سرطان الرحم أو سرطان الجهاز الهضمي والوضع اصبح مقلقاً والموت يخيم على منطقه حصين البحر بالاضافة لامراض القلب والضغط والقلب المفتوح وتركيب الشبكات .
رئيس بلدية حصين البحر المهندس ابراهيم ديوب قال ان المعمل بحد ذاته اصبح كارثة بيئية وتاثيره واضح على الجميع ونتفاجأ بكثرة انتشار وزيادة الامراض السرطانية اسبوعيا، كما اننا نتواصل مع ادارة المعمل لايجاد حلول فالوضع غير مقبول بالاضافة الى انعدام الرؤية متمنيا تدخل الجهات المعنية لايجاد حلول جذرية لهذه الكارثة البيئية التي اصبحت تشكل واقعا غير مقبول .

المشكلة قديمة جديدة

مدير معمل الاسمنت المهندس هلال عمران صرح ان عمر شركة طرطوس لصناعة الاسمنت ومواد البناء اكثر من 40 عاماً والحقيقة أنه استنفدت المواد الاولية التي تستخدم في المقالع وهي الحجر الكلسي والبازلتي والتي يتم استجرارها حاليا من البلوك رقم 2 والذي يحتوي على شوائب كثيرة والتي تؤثر سلباً على العملية الإنتاجية وعلى تجهيزات ومعدات الفلاتر الكهربائية مما يؤدي إلى حصول حالة الفصل الطارئ للفلاتر الكهربائية، هذه العوامل والانبعاثات الغبارية تؤثر على اعمال الإنتاج أثناء الحرق، وهذه الفلاتر قديمة وليست بالحديثة والمشكلة ليست جديدة.
واضاف المهندس عمران أنه من خلال خبرته وعمله في الشركة منذ 34 عاما بأن انبعاث الغبار هو متعلق بجاهزية هذه الفلاتر وطبيعة المواد المستجرة من المقالع التابعة للشركة منوها الى أن الحل بتأمين مادة الكلس الحر من البلوك رقم 3 الذي يتم العمل حاليا على دراسة إمكانية استملاكه، لان العمر الزمني للبلوك رقم 2 يكفي الشركة من مادة الكلس لمدة تتراوح بين 7 الى 10 سنوات.
وأشار عمران الى أن للتخلص من الغبار يجب استبدال الفلاتر الكهربائية بالفلاتر القماشية للحد من الانبعاثات وجعلها شبه معدومة وهذا المشروع يحتاج الى عشرات المليارات والجدوى الاقتصادية لهذا المشروع لا تتحقق الا باستملاك البلوك الثالث.
منوها ان هناك عدة مصادر اخرى للتلوث بالقرب من الشركة واهمها مجبل الاسفلت التابع لمديرية الخدمات الفنية والذي يؤثر بشكل سلبي ويزيد من التلوث البيئي على ارتفاعات منخفضة.
ولفت المهندس هلال عمران ان الشركة حاليا تقوم باعمال الصيانات الدورية والعمرات لتجهيزات ومعدات الفلاتر الكهربائية ضمن الظروف الحالية علما ان الشركة تعاني من صعوبات كثيرة في تأمين القطع التبديلية من مصادرها الاصلية نتيجة الحصار على البلاد، وهدفنا تأمين مادة الاسمنت خصوصا في مرحلة اعادة الاعمار ونعمل بكل طاقتنا لتأمين حاجة السوق من مادة الاسمنت و ايجاد حلول للتخفيف من التلوث الناتج.

مخالف للمعايير البيئية

الدكتور علي داوود مدير بيئة طرطوس اكد اننا معنيون بمراقبة التلوث بكافة مصادره، وحسب قانون البيئة رقم 12 لعام 2012 نقوم بالتفتيش البيئي للمنشآت سواء قطاع خاص او عام كما تم سابقا اعداد تقرير تفتيشي بيئي خاص بمعمل الاسمنت وهو متابع وليس خافيا على احد أن المعمل ملوث ومتجاوز المعايير البيئية المعتمدة حسب قانون البيئة والجميع يعلم سواء ادارة المعمل او البيئة وكل الادارات ذات العلاقة، كما يتم رفع التقرير الى المعنيين بالوزارة ومن ثم للمجلس الأعلى للبيئة كونه منشأة قطاع عام.

 

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قلق إسرائيلي من قرار “الجنائية الدولية”: تفاصيل الاتهامات سرية وتُعرّض المسؤولين لخطر الاعتقال

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية تشير إلى أنّ المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بالقلق بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، ولاسيما أنّ تفاصل ...