| إسماعيل مروة
إذا ما حدثت حادثة شنيعة أو مزعجة أو مخالفة للعرف الاجتماعي العام، فإن الإعلام يردها في الغالب إلى المجتمع المتواضع الفقير! وهذا الأمر فيه صواب، ويملك قدراً كبيراً من الخطأ، لأنه لا يردها إلى الأسباب الحقيقية وهي الفقر أو الإفقار المتعمد للمجتمع من شرائح محدودة.. فهي، أي الحادثة وليدة سبب منطقي هو الفقر أو الإفقار، وليست خلقاً لطبقة فقيرة في المجتمع، لأن المتمعن والمنصف سيجد أن الفقراء يملكون منظومة أخلاقية اجتماعية عالية، ولديهم روادع لا يمتلكها الآخرون، وخاصة الذين يقفون خلف الفقر والإفقار، فالجشع من متورم غني يريد أن يصبح الأغنى، والتجاوز من محدث نعمة لا يريد أن يقف أمامه شيء لذلك كان قول الإمام علي كرم الله وجهه: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته» وفي قول: «كاد الفقر أن يكون كفراً»، وفي كليهما توجه القول إلى الفقر ولم يتوجه إلى الفقراء، فهم لا يملكون الحرية في الاختيار، لكنهم يملكون القدرة على الحفاظ على أنفسهم، وإذا كانت هذه الشريحة تلبس كل الآثام، وتقيد ضدها كل الجرائم الاجتماعية، وتلصق بها كل أنواع المشكلات، فلأنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها!.
وإذا ما نظرنا حولنا فإننا سنجد الحالة هي السبب، فشبكات التسول ليست من الفقراء، ولكنها منظمة لتعود إلى من كان وراء الإفقار وشبكات اللصوصية مرتبة بشكل هرمي لتعود إلى طبقة استغلت الفقر أو صنعته لتصل إلى مبتغاها، وحتى الأخلاقية من الشبكات ليست من الفقراء، بل بدافع الفقر أو الخوف منه، وهي ترتيب بارع لطبقة من الذين يثرون على جثث الآخرين وأشلائهم..
الفقر حالة مزرية تضرب المجتمع في بنيانه، ولا يقتصر الضرر على الفقير، فقد نجد فقراء يريدون محاكاة الأثرياء، لكنهم سرعان ما يعودون إلى واقعهم، ويبتعدون شيئاً فشيئاً عن محاولات التشبه.. وكل ذلك يعود إلى المنظومة القيمة الأخلاقية المجتمعية التي يجب أن تحول هؤلاء الفقراء بالعمل إلى طبقة وسطى، والطبقة الوسطى ليست مجرد تصنيف طبقي، بل هي، بوجودها تحدد قيمة المجتمع، فأي مجتمع فيه طبقة وسطى وتتسع، سيبشر بالخير للمجتمع كله، فهذه الطبقة هي التي تتخذ العمل العام منهجاً، وهي التي تعتمد البحث والدراسة مسلكاً، وهي التي ترفع مستوى القراءة، وهي التي تبحث في العلوم واللغات والترجمات والتحصيل العالي، وحدها الطبقة الوسطى هي القادرة على فعل معجزات التقدم والتحضر التي تعجز عنها، بل تقف ضدها الطبقتان الأخريان الغنية والفقيرة، فالفقيرة لا تملك وتبحث عن أسهل سبل العيش في المهنية، والغنية سواء كانت غنية أم سلطوية حازت الغني، فإنها تحصل على كل شيء دون تراتبية، فشهادات غير أصيلة ولن أقول غير شرعية، وحياة مترفة تكتفي بالتصدر ولا حاجة لها للبحث والعمل العلمي المضني.. ولا يوجد واحد منا لا يعرف العشرات من الذين جاؤوا بشهادات من أرقى جامعات الشرق والغرب، لكنهم ليسوا واحد منا لا يعرف العشرات من الذين جاؤوا بشهادات من أرقى جامعات الشرق والغرب، لكنهم ليسوا قادرين على فعل شيء، لسبب بسيط هو أنهم ليسوا بحاجة وعوائدهم الطبقية تغنيهم، هذا عدا عن شريحة حملت شهادات لتصبح طبقة مسؤولة فقط وأخرى لا أساس لهذه الشهادات، والأنكى أن هؤلاء يباهون برطانتهم باللغات الأخرى ويرون ذلك كافياً ليصبحوا سادة المجتمع ثقافة وسياسةّ وتكتشف أن هؤلاء على جلالة ألقابهم يحملون قدراً لا يستهان به من الوضاعة، وفي الوقت نفسه يشتمون طبقة أخرى أفقروها وحيّدوها وجعلوها تبحث عن لقمة عيش لا أكثر! يحضرني مثال أدهشني قبل خمسة وعشرين عاماً، زرت القاهرة عام 1997وعلى الرغم من السعادة الغامرة في أجمل المدائن، إلا أنني لا أنسى القائم على قبر الرئيس عبد الناصر والفقير للغاية، حين حاولت أن أقدم له شيئاً أقابل به كرمه، وسيما الفقر طاغية عليه، ردّ يدي وطفرت دمعته، ونظر إلى القبر وكأنه يشرح له: عيب الريّس بيزعل.. خرجت وأنا أسأل عن هذا الخلق والتربية والقيمية والمجتمعية.. وهل يفعلها أغنياء؟ أعرف كثيرين جعلوا مثل هذه الأماكن مصدر رزق وحياة.. ولكن الفقر أبى أن يخالف حبه ومنظموته القيمية! فمن هو الذي يقف وراء الانهيار؟ الفقراء أم من أفقر الناس وأسهم في تدمير الطبقة المتوسطة المثقفة والحاملة للمجتمع؟!
باختصار شديد، وبعيداً عن أي رؤى سياسية لا أعرف بها، أو عن أي إجراء مؤسسي أنا بعيد عنه، فإنني لا أجد حلاً لأزماتنا، أو لأي مجتمع، ومنذ وقت بعيد، إلا في وجود الطبقة الوسطى والعمل على توسيعها لتصبح الأكثر والأكبر، عندها لن يحتاج أي مجتمع لأي خطط طارئة سياسية أو اقتصادية أو فكرية.. وستسير الأمور نحو العظمة الاجتماعية دون أي حاجة لإعانات أو صداقات أو مدفوعات.. ربما تكون الكتب التي قرأنا فيها صادقة في هذا التوصيف، وربما نتعلم من تجارب الأمم السابقة بدل أن نبقى ندفع الثمن ونبحث عن حلول، وعن فرق بحث مستقدمة لتعطي الوصفات التي لا تصل إلى لبّ المشكلة..! فعندما تصلح الإدارة فإنها لا تصلح إلا في إدارة أمر صالح أصلاً.. لا يكلف شيئاً.. لنبعد المتنطعين والمنظرين ومن لا علاقة له بما يحمل من شهادة أو مال..!
سيرياهوم نيوز3 – الوطن