آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » وماذا عن المليارات المختلسة؟

وماذا عن المليارات المختلسة؟

|علي عبود

تابعنا باهتمام التحقيقات الخاصة بالرشاوى واختلاس الأموال في بعض فروع المصرف التجاري ، وإحالة أبطالها إلى القضاء للبت بصحة الإتهامات وفق الأصول القانونية النافذة.

ولفتنا صدور قرارات بالحجز الإحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمتورطين باختلاس 450 مليون ليرة من فرع تجاري درعا ، في حين لم نقرأ عن إجراءات مشابهة للمتورطين بإقراض المليارات لحيتان المال على الرغم من مرور أكثر من 15 عاما على بعض هذه القروض التي يمكن وصفها بالمشبوهة!!

وكنا نتوقع أن يميز الجهاز المركزي للرقابة المالية بين قروض وأخرى مادام ينفذ أوامرالجهة التي يتبع لها أي رئاسة مجلس الوزراء  ، وبالتالي لم نستغرب تجاهل الجهاز للقروض التي أمر ـ أو وجه بها  ـ رؤساء حكومات سابقون ، وأشهرها قرض المليار لرجل أعمال زعم انه سيستثمرها في إطلاق تلفزيون خاص ، فرّ بعدها خارج البلاد!

وقرض المليار ماقبل عام 2011 كان يساوي أكثر من 21 مليون دولار أي بحدود الـ 60 مليار حاليا بسعر صرف الدولار الرسمي ، وبالتالي فإن الإختلاسات التي يحقق بها حاليا الجهاز المركزي لاتزال تطال الصغار وليس الكبار !

من المهم ،بل من المطلوب القيام بإجراء عمليات جرد مفاجئة على عمل أمناء الصناديق في فروع جميع المصارف ،لكن الأكثر أهمية فتح ملفات قروض المليارات التي شفطها “الكبار” من التجار وحيتان المال ، وكانت تساوي حينها مئات ملايين الدولارات ، ومع أن قيمة هذه القروض انخفضت جدا بعد التعديلات المتلاحقة  على سعر الصرف فإن أصحابها رفضوا تسديدها بذريعة مصطلح غريب وهو أنهم “متعثرون” أي عاجزون عن التسديد!

لاندري من ابتكر مصطلح “القروض المتعثرة” أو “المقترضون المتعثرون” ، ولكننا نعرف جيدا أن هكذا مصطلحات توحي وكأنّ المقترضين على قوب قوسين أو ادنى من إعلان إفلاسهم .. فهل هذا الإيحاء صحيح؟

مايصدر عن الجهات المعنية وما يصرح به “المتعثرون” يوحي وكأنهم تعرضوا لكوارث مالية تحول دون تسديد التزاماتهم للمصارف .. فهل هذا الإيحاء صحيح؟

وبالمقابل توحي المصارف العامة انها تعرضت لخسائر جسيمة نتيجة “القروض غير المسددة” وتطلب من الجهات الوصائية العمل على حل هذه المشكلة .. فهل هذا الإيحاء صحيح؟

وفي خضم هذه الإيحاءات مامن جهة تسأل : وماذا عن خسائر صغار المودعين ؟

والأهم من كل ذلك : ماذا عن خسائر عشرات الآلاف من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة .. من يكترث بهم ويشكل اللجان من أجلهم ويمنحهم القروض للإنطلاق من جديد بما يساهم بتفعيل الإقتصاد الوطني وتخفيض البطالة في المجتمع السوري؟!!

تشير الأرقام الأولية إلى أن مايسمى بـ “القروض المتعثرة” تجاوز مبلغ الـ 250 مليار ليرة في المصارف العامة وقد يكون أكثر !

وعلى حد علمنا فإن المصارف الخاصة لاتعاني من هذه المشكلة لأن أصحابها او مؤسسيها من “شيوخ الكار” ويعرفون لمن يقرضون وبأية مبالغ ، والأهم أنهم لايقرضون أحدا بلا كفالات وضمانات  مضمونة جدا جدا !

اكثر من ذلك فإن مؤسسي المصارف الخاصة غالبا هم من كبار مقترضيها فهم يستثمرون أموال المودعين دون علمهم وبعيدا عن اي مطالبات “رسمية”  باسترداد القروض بل يقال أن هؤلاء المؤسسيين حوّلوا قيمة أسهمهم في المصارف إلى القطع الأجنبي مع اول تداعيات تراجع سعر صرف الليرة !

وبما ان الحكومة قررت منذ عام 2017 استرداد الديون المتعثرة ، وشكلت لجنة مركزية للتحقيق في ملابسات هذه القروض .. فإننا نسأل هل اهتمت هذه اللجنة بالجواب على السؤال المفتاح : من أمر بمنح قروض بالمليارات لما يسمون بكبار المتعثرين ؟

كما ان السؤال الأهم الذي يحتاج إلى إجابة أيضا : هل كان في نية كبار رجال المال “المتعثرين” تسديد قروضهم للمصارف العامة التي حصلوا عليها بشروط تتيح لهم التهرب من سداداها بذريعة انهم “متعثرون”؟!!

إن الإجابة على السؤال الأول تكشف لنا أسباب عدم محاسبة الإدارات المصرفية على مدى السنوات المنصرمة لمنحها قروضا بالمليارات دون ضمانات تضمن استردادها ..

أكثر من ذلك .. لو كانت الإدارات المصرفية مخولة فعلا بمنح قروض بالمليارات لأسرعت أجهزة الرقابة والتفتيش بالكشف عن تورطها ومخالفاتها للأنظمة النافذة ، ولطالبت الحكومة بمحاسبتها وكف يدها ، لكن ماحدث كان ملفتا أي على العكس تماما ، فبعض الإدارات استمرت على رأس مهامها أو ترقّت إلى مهام أخرى وأحيانا “أعلى” !!

لاشك أن اللجنة المركزية ولجانها الفرعية (وهي تضم مجموعة من المحامين والقضاة وممثلين عن المصارف ) وضعت منذ خمسة أعوام آليات لاسترداد القروض “المتعثرة” ، ومن المؤكد ان هذه اللجان اكتشفت مبكرا  انها أمام مشكلتين أساسيتين:

ـ المشكلة الأولى تتعلق بمقترضين داخل سورية فهؤلاء لايخفون نيتهم بعدم التسديد بذريعة أنهم “متعثرون” ، ولن تنفع معهم أي وسيلة بدليل سبق وأن صدرت مراسيم تعفيهم من غرامات فوائد تأخير سداد أقساطهم دون جدوى .. وفي هذه الحالة ماذا فعلت المصارف الحكومية مادامت الضمانات التي تمتلكها أقل بكثير من قيمة القروض العالية؟

بل ماذا ستنفع الآليات في حال اعلن “المتعثرون” إفلاسهم؟

ولو كان بمقدار إدارات المصارف استرداد ديونها لفعلتها دون لجان ، ودون قضاء!

ـ المشكلة الثانية تتعلق بالمقترضين الذين فروا خارج البلاد  ويخطىء كثيرا من يظن انهم غادروا هربا من الحرب ، ففرار المقترضين قائم و”شغّال” قبل سنوات على نشوب الحرب !1

ترى ماذا فعلت اللجان أو ستفعل مع الفارين ..؟

برأينا انها بدلا من أن تهدر الزمن بوضع الآليات لاسترداد “القروض المتعثرة” من المقترضين الكبار .. لماذا لم تقترح  ملاحقة من أمر بإقراضهم  لأنهم هم المسؤولون الفعليون عن ملفات “القروض المتعثرة” ، ولا بأس أن يصدر مرسوم بملاحقة “الآمرين” لا لمحاسبتهم فقط على هدر مال المودعين والمال العام ، وإنما لإلزامهم أيضا بتسديد أموال المقترضين المتعثرين!

ومهما بحثت اللجان وناقشت فإنها لن تصل إلى نتيجة دون الإجابة على السؤال المفتاح : من أمر بمنح قروض بالمليارات لكبار “المتعثرين” دون ضمانات؟

لقد بلغ حجم القروض المتعثرة أكثر من 250 مليار ليرة سورية .. وهو مبلغ كبير جدا بسعر الصرف أنذاك ، فقد كان يعادل 5 مليارات دولار وقت إقراضه .. في حين لايعادل حاليا  بسعر الصرف الرسمي أكثر من 90 مليون دولار فقط!

ماذا تعني هذه المعلومة ؟

تعني أن مقترض المليار ليرة ـ وهناك أكثر من  60 مقترضا منهم  ـ  كان قرضه يساوي 20 مليون دولار ، في حين لو سددها الآن لما تجاوز المبلغ 357 ألف دولار فقط !

السؤال : من يصدق أن متعثرا كبيرا واحدا وبخاصة الفارين إلى الخارج لايملك  عشرات ملايين الدولارات في خزائنه أو في المصارف الأجنبية؟

ومع ذلك فإن البعض يتجرّأ ويطالب مرارا وتكرارا بمساعدة المتعثرين .. ربما بإقراضهم مليارات جديدة من المصارف العامة .. وكأنّ لامصارف خاصة في سورية!

لقد سبق ووجه رئيس الحكومة السابق المهندس عماد خميس اللجنة المركزية المشكلة لمعالجة القروض المتعثرة في عام 2017  بـ (محاسبة من فرط بأموال الدولة وأموال المودعين ، من خلال الاستقلالية الكاملة بتوصيف الواقع الحقيقي لطرق منح القروض بعيداً عن أي اعتبار شخصي) ..

وحسب التوجيه الذي مضى عليه أكثر من 5 سنوات  فإن مهمة اللجنة المركزية واللجان الفرعية كانت سهلة جدا .. فلدى المصارف آلية صارمة لمنح القروض الشخصية وألية استردادها ، ولكن مجالس إدارات المصارف الحكومية ليست من صلاحيتها منح قرض بمليار ليرة مثلا  لأي كان دون أمر من جهة وصائية ، وبالتالي من السهل جدا ان تحدد اللجان الجهة التي أمرت ..

والسؤال : هل فعلتها لجان القروض المتعثرة على مدى السنوات الماضية ولو مرة واحدة .. أم اكتفت مثل أجهزة الرقابة بملاحقة صغار الموظفين وبحد أقصى مدير فرع فقط ؟

لقد سبق وأن اقترحت لجنة رقابية بكف يد مجلس إدارة احد المصارف وإحالته أعضائه للقضاء بسبب منحه مايقارب المليار ليرة لاحد المستثمرين الذي فر خارج البلاد !

المقترح استثنى مدير عام المصرف باعتباره غير مسؤول!!

ولكن سرعان مابرّأ القضاء أعضاء مجلس الإدارة الذين نفذوا أمرا أتاهم من جهة تملك وحدها صلاحية منح قروض المليارات!

(سيرياهوم نيوز3-خاص بالموقع29-5-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بأي آلاء الحق تكذبون؟ …

  بقلم: د. حسن أحمد حسن غريبٌ أمرُ الردَّاحين الذين من كل حدب وصوب يتقاطرون… يتقاسمون ما أُمْلِيَ عليهم من مصطلحات هجينة مشبوهة ومشوهة ما ...