} حسن حردان
يعتقد البعض ويتوهّم البعض الآخر انّ فقدان قادة كبار من أمثال الرئيس ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، سوف يؤثر سلباً على مسار السياسات التي تنتهجها إيران، نظراً لأهمية هاتين الشخصيتين الهامتين في تركيبة نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وصعودهما المتدرّج إلى هذه المراتب في المسؤولية وقيادة السياسة الإيرانية بشكل مبدع وخلاق، وبما ينسجم مع ثوابت ومنطلقات الثورة الإيرانية التي قادها الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني إلى النصر على نظام الشاه عميل أميركا وشرطي الخليج وحامي مصالحها في المنطقة ومصالح كيان الاحتلال الصهيوني… وواضع الركائز الأولى لبناء دولة إسلامية يقوم دستورها على نصرة المستضعفين في العالم وتحقيق التنمية والعدالة والنهوض بإيران دولة مستقلة متطورة وقادرة على حماية نفسها والدفاع عن استقلالها وسيادتها بعيداً عن الهيمنة الأجنبية…
دولة لا تقف على الحياد بين الحق والباطل، دولة تدعم نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وكلّ قوى المقاومة في المنطقة، والتي حرص على تكريسها من بعده قائد الجمهورية الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي، حيث يتواصل بناء المؤسسات التي تعزز من جهة استقرار نظام الجمهورية، وترسّخ من جهة ثانية ثوابت ومنطلقات ثورتها الآنفة الذكر…
وفي هذا السياق تمّ تعزيز بناء المؤسسة العسكرية، ومؤسسة حرس الثورة الإسلامية لحماية الثورة ومنجزاتها وترجمة أهدافها، والدفاع عن البلاد واستقلالها وسيادتها في مواجهة التدخلات والتهديدات الأميركية الغربية الإسرائيلية، والقوى الإرهابية والمعادية للثورة…
كما تمّ بناء المؤسسات الدستورية والتنفيذية والتشريعية والقضائية والرقابية، بما يؤمّن التعاون في ما بينها في الوقت نفسه.. ووضعت الآليات الدستورية والعملية على قاعدة تداول السلطات وعدم حصول ايّ فراغ في حال شغل ايّ منصب من المناصب.. ولهذا وفور فقدان الرئيس رئيسي ووزير الخارجية عبد اللهيان، تولى نائب الرئيس محمد مخبر مسؤولية الرئاسة لمدة خمسين يوماً ريثما يتمّ انتخاب رئيس جديد للبلاد، وقد جرى تحديد موعد انتخابه في 28 من شهر حزيران المقبل، فيما جرى تعيين مساعد وزير الخارجية علي باقري كني وزيراً للخارجية بالوكالة، وهذا يعني استمرار السياسات الخارجية التي تنتهجها إيران، وأنه لا وجود لفراغ في السلطة، لأنّ هناك مؤسسات وآليات واضحة وراسخة لاستمرار عمل السلطات وتداولها…
انطلاقاً مما تقدّم فإنّ المراهنين على حصول فراغ في السلطة او فوضى في داخل إيران، او تغيير في سياسات إيران الخارجية إنما هم واهمون، فإيران التي بُنيت على ركائز المؤسسات ومدرسة الثورة التي تنتج وتؤهّل القادة والكادرات باستمرار، لا تتأثر او تهتز او تضطرب لمجرد فقدان قادة من قادتها، على أهميتهم ودورهم، ففي مسيرة إيران منذ انتصار ثورتها استشهد ورحل الكثير من القادة وفي مقدّمتهم قائد الثورة الإمام الخميني، فيما استشهد اثنان وسبعون من أعضاء وقادة الثورة في تفجير مقر الحزب الجمهوري الإسلامي في 24 تشرين الأول سنة 1981، ابرزهم السيد محمد بهشتي مؤسّس الحزب ورئيس السلطة القضائية ورئيس مجلس الثورة الإسلامية ومجلس الخبراء، وكان يعتبر ثاني أقوى الشخصيات في الثورة آنذاك وله دور كبير في إعداد الدستور الإيراني، وقد وصفه الإمام الخميني في بيان أصدره اثر ذلك بأنه كان «أمة في رجل»…
مع ذلك لم تضعف الثورة التي كانت في بدايات نضالها لترسيخ انتصارها وبناء مؤسسات الدولة وحماية منجزات الثورة.. فكيف اليوم وقد مرّ أكثر من أربعة عقود على الانتصار، وأصحبت الثورة ومؤسسات الجمهورية التي تمّ بناؤها أكثر رسوخاً وثباتاً، وإيران قوة إقليمية مستقلة تنعم بالاستقرار رغم المؤامرات والحصار والعقوبات الأميركية الغربية التي تتعرّض لها.. كما باتت أكثر دعماً ومساندة لقوى المقاومة وفلسطين في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وهو ما جسّدته قولاً وفعلاً في الفترة الأخيرة انْ كان لناحية دعم المقاومة في غزة في مواجهة حرب الإبادة، او كان لناحية دخولها المباشر على خط الاشتباك مع كيان العدو بعد الاعتداء على القنصلية الإيرانية في دمشق واستشهاد قادة من الحرس الثوري.. وقبلهم كان قد استشهد ابن الثورة ومنفذ وصاياها وتعاليمها في نصرة المستضعفين في العالم وفي المقدّمة الشعب الفلسطيني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري اللواء قاسم سليماني…
(سيرياهوم نيوز 3-البناء)