ما إن قاربت حكومة السيد حسين عرنوس إتمام عامها الرابع حتى طغى الحديث عن تغيير حكومي مرتقب على المشهد السياسي، وقد عاد هذا النقاش إلى الواجهة مجدداً، وبدا العديد من الوزراء كأنهم يتحسسون رؤوسهم، فكل منهم يخشى أن يحزم حقيبته ويغادر الحكومة .
المعلومات التي يجري تداولها على المستوى الشعبي، حول قرب إجراء تغيير أو تعديل حكومي، يأمل المتحمسين لتلك الخطوة أن يتم تحقيق هدفين، الأول يتمثل بإبعاد وزراء لم يقنعوا الشارع بأدائهم، والثاني أن يؤدي التغيير أو التعديل المرتقب لتحسين الأداء الحكومي، بما ينعكس إيجابا على المواطنين.
أعتقد أن موضوع التعديلات الوزارية في حكومة السيد حسين عرنوس لا جدوى منها، لأن هناك ثلاثة مستويات لأي وزارة يجب أن نفرق بينها، وهي: هل الوزارة تمثل سياسة وزير أم سياسة وزارة؟ والفارق بينهما كبير؟ أم إنها تمثل رؤية ضمن منظومة لمنهاج وزاري يحدد لها من قبل رئاسة الوزراء؟
الشعب السوري ينتظر حكومة غير تقليدية في إيجاد الحلول لمشاكل وقضايا المواطنين، حكومة بكفاءات وطنية تتحدث بفهم الأوطان في إدارة شؤون الدولة حكومة تؤمن بالأفعال لا بالأقوال، ولا نتطلع بأن تحدث المعجزات أو إن الحكومة الجديدة تحمل عصا سيدنا موسى عليه السلام ، وإنما العمل ضمن خطة عمل إنقاذية واضحة نستطيع من خلالها الوصول إلى الأهداف الحقيقية من نمو وتطوير في ظل الأزمة الحالية.
بعض الوزراء يجب أن نعطيهم فترة للتدرب على العمل الحكومي، فكل الوزراء جامعيون، وبعضهم يحملون أكثر من شهادة جامعية، لكن بعضهم تنقصه التجربة، والتجربة تكتسب، وهناك وزراء فشلوا، بعضهم كان يملأ البلاتوهات (التلفزيونية) بالتنظير والانتقادات، لكن عندما تسلموا المناصب الحكومية فشلوا، ولم يستطيعوا تقديم أي إضافة.
في المقابل، لا يزال هناك “امتحان الشارع” الغاضب من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والمجتمعية وسوء الخدمات وانخفاض الدخول وتدهور القيمة الشرائية لليرة السورية وانهيار سعر الصرف، وينبغي أن نسأل الآن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال، هل تستطيع الحكومة الجديدة أن تستفيد من أخطاء الحكومات السابقة؟
فالحكومة الجديدة، ومهما أطلق عليها من تسميات، سوف لن يكون حظها أوفر من الحكومة السابقة وستبقى سهام النقد تجاهها ، ما لم تتخذ الإجراءات التالية:
– تأمين العيش والحياة الكريمة للمواطن.
– القضاء التام على الفساد المستشري في البلاد وفي جميع مؤسسات الدولة .
– العمل الجاد والفوري في تخفيف معاناة الشعب من خلال توفير الكهرباء والماء والعناية الصحية والخدمات المعيشية الأخرى.
– حل مشكلتي البطالة والفقر المنتشرين في المجتمع السوري بشكل كبير وذلك بسبب انخفاض مستويات الدخول أو الأجور.
– يجب على كل وزير أن يكون أكثر صلابة وعدم السماح لأي متنفذ أن تكون الوزارة تحت تصرفه.
– وضع حداً لحيتان السوق والمتنفذين وإعادة النظر في الأسعار والتصدير والاستيراد.
بإختصار شديد لن تنجح الحكومة الجديدة إلا إذا نجحنا نحن في تنظيم أنفسنا وفى أداء عملنا وساعدناها حتى تساعدنا، لننهي عصر الواسطات والمحسوبيات والهدر في المال العام وتهميش وحرمان الكفاءات من الفرص، والالتفاف على القوانين إرضاء للمصالح الشخصية التي تضر بمصلحة الوطن والمواطن، وندخل الى عصر المشاركة في بناء الوطن ورقيه.
ومن المهم الآن أن تعود عجلة الإنتاج إلى الدوران، وهذا يحتاج إلى الكثير من المجهود ومن المساعدة ومن الكفاءة في الإدارة ومن هذا المنطلق :
نريد حكومة تهاجم المشكلات، وتنقض على الأزمات وتبحث عن الأكفأ، وتتخذ القرار الصحيح بسرعة ودون تردد، حكومة تخرج الإقتصاد من إرتباكه وتعالج ارتفاع الأسعار وتبث الروح في البلد الذي يحوي إمكانات بشرية واقتصادية هائلة غير مستثمرة.
نريد حكومة تمكين للنمو والعدالة الاجتماعية من خلال تحديد معدل النمو المطلوب وضمان عدالة توزيعة وتفعيل الأنشطة المختلفة وزيادة الإستثمارات وضغط نفقات الحكومة وتوفير البنية والبيئة القانونية والاستقرار والأمن لإستقطاب وإعادة الإستثمارات الهاربة، وزيادة الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية .
نريد حكومة جديدة في فكرها، في رؤيتها، في طاقمها، وان تكون قوية شجاعة تتعامل مع المواطن بكل رحابة صدر وإحترام لحقوقه قبل أن تطالبه بالواجبات.
نريد حكومة لا تتهم من يختلف معها في الرأي بأنه خصم، بل تعتبره شريكاً وعنده وجهة نظر، وان يكون لديها جدول زمني واضح لأهدافها وان تسوق أفكارها لتجلب لها التأييد الشعبي قبل التأييد البرلماني، ولا نريد حكومة تقدم الوعود ولا تسعى لتحقيقها، وترفع شعار الإصلاح ولا تلتزم به وهي بمثل هذا السلوك تخسر مؤيديها، ولا نريد حكومة تعمل بردود الأفعال وإنما وفق سياسة معتدلة تراعي فيها المصلحة الوطنية العليا وليس مصالح فئة أو شريحة على أخرى، وأن يبتعد كل وزير وكل مسؤول حكومي عن الغرور ويتواضع في تعامله مع الناس ويملأ منصبه (الفارغ) بالعمل وينزل إلى الشارع ليلتقي الناس فيه بدل أن يأتوا إليه… الخ.
وأخيراً ربما أستطيع القول إن المرحلة الحرجة التي تمر بها سوريا تدعونا لتغليب المصلحة العامة وحث الجميع على الإنجاز لاجتياز مرحلة الإحباط والركود، وبالتالي فإن وضع المجتمع السوري على سكة النهضة الشاملة المطلوبة يتوقف على قدرتنا في أن نشجع جميع الأفراد على تحمل مسؤوليتهم والمشاركة من موقعهم في العمل على التغيير وهذا يستدعي تغييراً في أخلاقيات المجتمع واستعادته لقيم الصدق والصراحة والأمانة.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم