آخر الأخبار
الرئيسية » منوعات » الدولة اللبنانية تعلنها حرباً على… «باربي»!

الدولة اللبنانية تعلنها حرباً على… «باربي»!

| نزار نمر

لا يصبح بلد ما في القعر رسميّاً إلّا عندما يصبح تطاول السلطات على الفنّ والثقافة أمراً معتاداً. في القرون السابقة كان يتمّ إحراق كتب ومكتبات، أمّا اليوم فيتمّ تحظير أفلام. ما الفرق؟ لا فرق، نظريّاً. كلاهما عبارة عن مجموعة معلومات يتمّ حجبها عن الجمهور من دون الأخذ برأيه. ولئن هناك أزمات متفاقمة في البلد تستدعي الاهتمام أكثر من الأفلام، إلّا أنّ هذه النظرية تنطبق على السلطات أوّلاً. كما أنّها قضية لا ينقصها أهمّية، فهي تتعلّق بهوية البلاد وثقافتها العامّة، وانحدارها يعني انهيار العمود الأخير الذي يوحّد هذا الكيان بشيء، ألا وهو الثقافة والفنّ وحرّية التعبير والإبداع. والانحدار هنا لا يتعلّق بمحتوى هذا الفيلم أو ذاك، وليس هناك نوع محتوى لم يعهده اللبنانيّون، بل بالانفتاح، وهو غير الانفتاح على الرأسمال الغربي الذي يتحفنا به بعض اليمين والليبراليّين ودعاة الفدرالية. نحن نتكلّم عن مفهوم الانفتاح المجرّد، الحقيقي، الذي يعني تلقّف كلّ ما هناك من ثقافات وحضارات ووجهات نظر، برحابة صدر. أليس هذا هو لبنان الذي تنادون به؟

هكذا، قرّر وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى، أمس، حسم النقاش حول فيلم «باربي» الصادر أخيراً، والذي لا يزال يجتاح العالم بتصدّره الإيرادات، و«الصرعة الزهرية» التي ترافقه، والجدل الذي يثيره، ما أدّى إلى منع عرضه في عدد من الدول. ومنذ صدوره، يدور الحديث في لبنان حول إمكانية حظره، وزاد التخوّف بعد قرار تأجيله، قبل أن تأتي المفاجأة التي فجّرها المرتضى كحبّة الكرز على قالب الحلوى. تردّد أمس أنّ الوزير أبلغ الحاضرين في لقاء الديمان الثلاثاء بنيّته تسطير كتاب في اليوم التالي إلى وزارة الداخلية والأمن العامّ والنيابة العامّة التمييزية، لمنع عرض «باربي» في الصالات اللبنانية، بعدما «وصله تقرير عن أنّ الفيلم يروّج لأنماط اجتماعية تتنافى مع الدين والقيَم».

سرعان ما قامت الحملات الرافضة على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرةً أنّه لا يحقّ لأيّ كان أن يفرض على الناس ما يودّون مشاهدته، وإذا كان هناك مَن يرى أنّه يتعارض مع الدين والقيَم، فبأيّ حقّ يجبر الآخرين على اعتناق أفكاره؟ وتساءلوا عن مدى صحّة كون لبنان بلداً علمانيّاً كما تتمّ الإشارة إليه. هذا عدا أنّ عملية مراقبة الأفلام ليست من صلاحية الوزير أساساً، والمراقبة على أيّ حال من المفترض أنّ معاييرها تتعلّق فقط بقانون تجريم التطبيع مع العدوّ، لا أكثر ولا أقلّ. وفوق ذلك، فإنّ الصالات اللبنانية سبق أن استقبلت أفلاماً تتضمّن مشاهد جنسية، ولم يثر ذلك أيّ مشاكل، وهي من المفترض أنّها تتعارض مع الدين وأيضاً «القيَم» التي يتحدث عنها الوزير. فهل المشكلة هو انخداش الأنانية الذكورية الجماعية، وهو ما يراه الوزير ديناً وقيَماً؟
الأنكى أنّ الفيلم سيُعرض في دول عربية عدّة، بما فيها المملكة العربية السعودية التي اعتادت حجب أفلام كثيرة في السابق، أي إنّ المملكة قرّرت الانفتاح ومواكبة العصر، فيما القائمون على القرار في لبنان يعيدونه من ضفّة الانفتاح الذي لطالما عُرف به، إلى ما يشبه القرون الوسطى ويقررون لعب دور الوصيّ على المجتمع «القاصر» برأيهم. هل يدرك الوزير المفترض أنّه مؤتمن على الثقافة، حجم الضرر الذي يلحقه بسمعة لبنان الثقافية؟ وإذا كان الوزير يخاف على أولاده، وهو أمر متفهّم، ألا يمكنه ببساطة عدم السماح لهم بمشاهدته؟ ألا يمكن رفع حدّ السنّ الدنيا المسموح لها بدخول الصالات، وهو أمر يحصل مع أفلام كثيرة؟ ثمّ هل يعرف الوزير أنّنا في عصر الـ«ستريمينغ»، ويمكن لأيّ كان مشاهدة الفيلم على الإنترنت حتى ولو تمّ حظره؟ أمّا وزير السياحة المهتمّ بإنعاش السياحة في البلد واستقطاب الزوّار، فهل يدرك حجم العقبة الذي يضعه تكرار حجب الأفلام أمام جهوده؟ ولن نتوجّه إلى وزير الداخلية أو رئيس حكومة تصريف الأعمال، فالمحطّات السابقة أثبتت عبثية ذلك، وما على المشكّك إلّا النظر حوله لرؤية الانفلات الأمني والأخلاقي والأزمات على الصعد كافّة.

الأمر لا يتعلّق بمجرّد فيلم، وهو فيلم هوليوودي آخر يتضمّن الرسائل ذاتها التي يتضمّنها أيّ فيلم مثله يُعرض في الصالات اللبنانية من دون مشكلة، ولا يكترث القائمون عليه للسوق اللبناني الصغير في تحقيق أرباحهم. الموضوع يتعدّى الفيلم إلى فكرة الحجب من أساسها، التي باتت تتكرّر كثيراً في الآونة الأخيرة ومع أفلام عالمية ضخمة. هو مسار تصاعدي بدأ منذ إلغاء حفلة «مشروع ليلى» التي كانت مقرّرة في «مهرجانات بيبلوس» في آب (أغسطس) 2019، بسبب تذمّر مجموعة متطرّفة، ولم ينتهِ مع حظر فيلم «سبايدرمان» بسبب عبارة واحدة وردت في خلفية مشهد واحد!

الأنكى أنّ الفيلم سيُعرض في دول عربية عدّة، بما فيها السعودية

اللائمة تقع أيضاً على بعض الإعلام الذي بدلاً من أن يدعو إلى إلغاء الرقابة على الإبداع والتوقف عن لعب دور الوصيّ على الشعب، قرّر لعب دور المخبر، فشنّ حملات على الفيلم قائمة على أفكار باطلة ووهمية. وللأسف، ذلك يشمل الإعلام الداعم للمقاومة الذي يصبّ اهتمامه على موضوع لا يستحقّ كلّ هذه الهجمة، واضعاً نفسه والمقاومة في مواجهة ناس عاديّين مع ما يؤدّيه ذلك من خسارة المقاومة للمؤيّدين، في وقت تستغلّ فيه الصفحات والمواقع المموّلة خارجيّاً اللحظة من أجل تكبير حجم جمهورها تمهيداً لغسل الأدمغة بأجندات لا تخدم الناس في أيّ حال، وأوّل أهدافها عزل المقاومة نفسها.

في كلّ الأحوال، لا يجب السكوت عن هكذا قرار في حال وصل إلى التطبيق النهائي، كما تمّ السكوت سابقاً. على المعنيّين اتّخاذ القرار الصائب لمرّة، وعلى الأحرار التحرّك رفضاً له، بعيداً عن الشعارات الليبرالية العبثية!

 

سيرياهوم نيوز3 – الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

طلال مارديني: أكذب بسبب ومن دون سبب

عبر  الفنان طلال مارديني عن إعجابه بالفنانة اليمنية بلقيس فتحي، وذلك بعد أن طلب منه اختيار فنانة للزواج منها، ليرد قائلاً في لقاء تلفزيوني: «بلقيس ...