بقلم:نبيل فياض
كنت اتحفظ في الماضي على إعلان ميلي لليمين رغم بدايتنا في بيئة يسارية أقرب إلى الاشتراكية، لكن الإنسان يتغير، وهذه سمة جوهرية عنده. في الماضي أحسست بالخجل حين انتقد اصدقاء المان قدماء من مدينة كيل كتابتي في جريدة الحرية الفتية، التي قدمني إليها الدكتور المؤرخ، شتيفان دانه. في الماضي كنت اتحفظ على فكرة ترجمة عمل الفيلسوف الفرنسي اليميني، ألن دو بنوا، الذي ينتقد فيه الديمقراطية كفكرة، والذي أعتقد انه استقى معظم أفكاره من نيتشه. اليوم تغير كل شيء. فتأييدي للباحث اليميني اللبناني، عدو اليسار الغربي، عماد شمعون، أكثر من معلن. اليسار الغربي، برؤية موضوعية، هو من يضخ الدم في عروق التطرف، تحت عنوان اسمه حقوق الإنسان. وحتى اليوم فشلت ان افهم الدفاع عن الحق في حرية القتل. ثم، ماهي الديمقراطية؟ تعريفا، حكم الشعب. لكن لحظة، أين الشعب يحكم؟ في الهند؟ اكبر ديمقراطية في العالم. في ألمانيا؟ في فرنسا؟ في جنوب افريقيا؟ في الولايات المتحدة. هراء! هل تريدون اقناعي أن الشعب الأمريكي كله لم يستطع تطوير ذاته سياسياً منذ عام ١٧٩٢، زمن تأسيس الحزب الديمقراطي؟ هل تريدون اقناعي ان الشعب الامريكي ما يزال راكداً فكرياً عند زمن تأسيس الحزب الجمهوري عام ١٨٥٤؟ الديمقراطية هي الحمار الذي يركبه السياسيون ورجال الاعمال ورجال الدين كي يصلوا إلى غاياتهم، وعندما يصلون، يقتلونه، بانتظار استيلاد حمار جديد يستخدمونه مرة أخرى. لا توجد ديمقراطية في أي مكان من العالم. لذلك ليس ثمة مجتمع ديمقراطي ومجتمع غير ديمقراطي. وكل من يتفلسف في الغرب متهماً مجتمعات أخرى بأنها غير ديمقراطية لا يمكنك غير سؤاله عن معالم الديمقراطية او حكم الشعب في بلاده. هل يحكم السود في الولايات المتحدة، هل يحكم الهنود الحمر، هل تحكم النساء، هل يحكم المثليون؟ عام ٢٠١٢، دخلت فعلياً في لعبة الانتخابات الأمريكية حين ترشح ميت رومني، الذي اعرفه عن طريق ابنه جوشوا، صديق صديق عمري، ماركوس ساوثورث. لكن الحقيقة ان الانتخابات الأمريكية بعيدة للغاية عن تصورنا الطفولي للانتخابات. واعتقادي أن ميت رومني، لو لم يكن مورمونياً، لفاز في الانتخابات. لكن لحظة؟ هل ميت رومني أفضل المورمون ثقافيا ومعرفيا وانسانيا؟ طبعا لا. لكنه غني إلى درجة لا توصف، وتلك هي الميزة الأهم كي تصبح رئيساً لمعقل الديمقراطية في العالم. نحن نميز للغاية بين الديمقراطية والحرية الفكرية. الحرية الفكرية أهم بما لا يقارن من الديمقراطية. والحرية الدينية هي العنصر الأهم في الحرية الفكرية، لأنه حين أكون مقيداً في الماوراء، فكم بالأحرى أن اكون أكثر تقييداً في الحياة المادية التي اعيشها واقعياً. سوريا تعيش حرية فكرية أفضل من أية دولة اخرى في الشرق الأوسط، خاصة في الحقبة الأخيرة. ودون مبالغة، يحكي معي شباب مصريون يريدون العيش في سوريا بسبب القيود الثقافية والدينية التي تفرضها الجماعات المتحكمة بعقل مصر. الأغرب ان مثقفاً سويدياً صديقاً قال إن نشر كتابي ام المؤمنين تاكل اولادها غير ممكن في السويد لانه قد يعترض عليه بعض من سيتهمه بازدراء الأديان وستضطر الدولة إلى منعه. وفي الأشهر الاخيرة اضطررت إلى إلغاء حوارات صحفية في أميركا وكندا لأن الصحفي أو الصحفية اعترضا على بعض جمل الأمر الذي اضطرني لإلغاء الحوار كما أشرت. في زمن الحرب، عرض علي اللجوء في اربع دول: قطر، سويسرا، اميركا، والمانيا، ورفضتها كلها. ولا اعتقد ان الحياة في سوريا افضل من مثيلتها في سويسرا. ما السبب؟ على الأقل في سوريا اعبر عن ذاتي الثقافية دون تهديد من أحد. لذلك، مارست حقي الانتخابي. أنا اصوت للحرية المعرفية. كان من المستحيل، لأسباب صحية، القيام بعملية التصويت، لكن القائمين على العملية ساعدوني… وصوتت. طبعاً… للذي أعرفه.
(سيرياهوم نيوز-صفحة الكاتب٣٠-٥-٢٠٢١)