غسان ريفي
أفرغ التيار الوطني الحر عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي التي ألقاها في قداس مار مارون وتحدث فيها عن “ممارسة حكم الدويكا وإنتهاك الدستور في مجلس النواب بالتشريع وفي الحكومة بالتعيين” من مضمونها، وأدخلها في التجاذبات السياسية محاولا الاستفادة منها في صراعاته المفتوحة مع كل التيارات والأحزاب، والتي تدفعه الى عزلة حقيقية يحاول مواجهتها برفع السقوف السياسية لكن من دون جدوى.
اللافت، أن التيار الوطني الحر أدخل البطريرك الراعي الى نادي من يتعاطى معهم على “القطعة” بحسب ما تقتضيه مصلحته السياسية، شأنه شأن مجلس النواب والحكومة وغيرهما، حيث سارع التيار الى تبني مواقف الراعي والاشادة فيها كونها جاءت متطابقة لوجهة نظر رئيسه النائب جبران باسيل الذي لطالما إنتقد مع نوابه المقربين مواقف البطريرك ووقف ضدها وعمل على مواجهتها، ما يشير الى حالة عدم التوازن التي يتخبط بها نتيجة شعوره بفقدان النفوذ وتراجع الشعبية.
هذا التخبط، يدفع باسيل الى إعتماد الإنتقائية في تعاطيه مع كل القضايا السياسية، حيث لا يثبت على موقف، ويتحدث بالشيء ونقيضه، وهو يمارس ذلك مع البطريرك الماروني الذي تارة يشيد بموقفه وطورا ينتقده سواء بالمباشر أو بالواسطة.
وإذا كانت بركة مار مارون قد أعادت باسيل الى رشده في السير بما يقوله صاحب الغبطة، فعليه أن يلتزم بما سبق وقام به قبل إنتخاب عمه ميشال عون رئيسا للجمهورية، حيث جمع الراعي في بكركي الأقطاب الأربعة للمسيحيين ميشال عون وسمير جعجع وسليمان فرنجية وأمين الجميل، معترفا بأحقية كل واحد منهم بالرئاسة، وقد وقع الخيار بعد ذلك على الرئيس عون، واليوم الظروف لا تسمح بإنتخاب جعجع ولا الجميل، فليتماشى باسيل مع رأي البطريرك الذي إعتبر أن “كلامه في قداس مار مارون وضع الإصبع على الجرح” وليذهب نحو خيار إنتخاب فرنجية الذي يعتبره البطريرك مؤهل ومستحق للوصول الى قصر بعبدا.
كذلك فإن البطريرك الراعي الواقع بين نيران التيار والقوات والكتائب وخلافاتهم وطموحاتهم وأجنداتهم ما يجعل مواقفه متناقضة بفعل محاولاته إرضاء هذا الفريق أو ذاك، يبدو أن الأمر قد إلتبس عليه في بعض القضايا التي أثارها، لا سيما لجهة عدم دستورية التشريع في مجلس النواب، علما أنه كان من أشد المتحمسين لتمديد ولاية قائد الجيش وقد حذر مرارا وتكرارا في عظاته من الفراغ في سدة القيادة العسكرية، وكذلك الأمر بالنسبة لتعيين رئيس الأركان، علما أن الحكومة لم تبادر الى تعيين قائد جيش ولا حاكم مصرف لبنان ولا مدير عام الأمن العام إلتزاما بالدستور، لكن الدستور نفسه لا يمكن أن يقبل أن يكون البلد على حافة حرب كبرى مع إسرائيل التي تعتدي عليه يوميا، وتكون الهيكلية العسكرية للجيش غير مكتملة، لذلك وإلتزاما بالواجب الوطني بادرت الحكومة الى هذا التعيين الذي حظي بغطاء وطني واسع ولم يكن مخالفا لرأي البطريرك.
أما في رئاسة الجمهورية، فهل يستطيع صاحب الغبطة أن يُجبر النواب المسيحيين أو الموارنة منهم على النزول الى مجلس النواب لإنتخاب رئيس، وهل إستطاع قبل ذلك أن يجمعهم في لقاء حواري في بكركي حول ملف الرئاسة سارع من يتبنى مواقف البطريرك اليوم الى تفشيله، فاستعاض عنه الراعي وحفاظا على ماء الوجه بلقاء صلاة وتأمل للنواب المسيحيين لم يسمن ولم يغن من إنتخاب.
لم يكن الأمر يحتاج الى إستحضار الدويكا بهذا الشكل، خصوصا أن إنتخاب رئيس للجمهورية قادر على إنهائها في حال وجودها، لكن القوى المسيحية التي فشلت في قطع الطريق على سليمان فرنجية بالتقاطع على الوزير السابق جهاد أزعور، تستخدم أزعور اليوم شماعة لتعلق عليها خلافاتها وعدم جديتها في ترشيح أي شخص، أو التوافق على أي شخص، وفي إستمرار قطع الطريق على فرنجية الذي ما زال يقف على أرض نيابية صلبة قوامها 51 نائبا مرشحين للزيادة بعد الايجابية التي أبداها النائب السابق وليد جنبلاط تجاهه.
لذلك، فليحث البطريرك الراعي النواب المسيحيين على قبول الحوار مع الشركاء في الوطن، أو على التوافق على مرشح جدي، والذهاب به الى مجلس النواب لمواجهة مرشح الفريق الآخر، بدل تجهيل الفاعل، وتحميل المسؤولية الى من لديه مرشح جدي ومعلن ومستعد للمنازلة في مجلس النواب.
(سيرياهوم نيوز ١-سفير الشمال)