عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
احتفل السوريّون أخيرًا بفوز الرئيس بشار الأسد في الانتخابات الرئاسيّة التي رفضتها دول الحصار وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكيّة، وكانت المشاهد القادمة من هُناك، والحُشود التي رفعت العلم السوري وصورة الأسد، دليلاً على رغبة السوريين العودة إلى حياتهم، في ظل مُؤسّسات دولتهم، وجيش بلادهم الذي نجح باستعادة أكثر من نصف البلاد، وكان لافتاً، أنّ الساحات التي ركّز عليها الإعلام الغربي والخليجي فيما أسماها بالثورة، وهتافات طالت رمز النظام، كانت مليئةً بالكامل بحُشود بالآلاف، وفي مشهدٍ مُعاكس تماماً، فالجميع هتف بالانتصار، مع لحظة إعلان فوز الأسد، في انتخاباتٍ وصفها خُصومه بالمسرحيّة، وبالرّغم من جائحة كورونا.
المشهد لا يتوقّف في الداخل السوري فحسب رغم الاتّهامات المُتكرّرة للحكومة السوريّة إجبارها المُواطنين على التصويت، والخروج للاحتفال، لكن هذه الانتخابات شهدت حتى خارج القطر السوري إقبالاً واسعاً من المُواطنين، وسط منع بعض الدول الأوروبيّة السوريين من المُشاركة وفق صحف غربيّة، وهو ما طرح تساؤلات حول أسباب منعهم، في دول أوروبيّة تُنادي بشعارات الحريّة، والديمقراطيّة، بل تتّهم النظام السوري بالديكتاتوريّة.
تعود الدولة السوريّة رويدًا رويدًا نحو السّاحة الدوليّة، وتلقّى الرئيس السوري برقيّات تهنئة بفوزه، بل وزاره قادة دول، المشهد يتطوّر على الصّعيد الخليجي ومن العربيّة السعوديّة التي ووفقاً لصحيفة “الغارديان” البريطانيّة، قام رئيس المخابرات السعوديّة اللواء خالد حميدان بزيارةٍ إلى دمشق، وهو أوّل اجتماع يجري مُنذ اندلاع الأزمة، وهي زيارة جرى تأكيدها سعوديّاً عبر مسؤولين، والمملكة لا تُمانع عودة سورية إلى الجامعة العربيّة، حيث زار وزير السياحة السوري عاصمتها للمُشاركة في مؤتمر في مشهد أبرزه الإعلام المحلّي السعودي، فيما العيون في قادم الأيّام على إعلان رسمي لإعادة فتح سفارة الرياض في دمشق، وهو يبدو تطبيعاً تدريجيّاً مع الأسد، لا ترفضه الولايات المتحدة الأمريكيّة حليفة السعوديّة التي تحفّظت إداراتها على عودة شرعيّة الأسد، بينما لا يزال الموقف القطري بعد المُصالحة الخليجيّة والانفتاح على نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رافضاً لتطبيع العلاقات مع الدولة السوريّة، وذلك موقف يتماشى مع حليفه التركي، والذي تحتل جماعاته المُسلّحة مُحافظة إدلب، تلك الأخيرة التي لم تخرج عودتها إلى الدولة المركزيّة في دمشق من الحسابات وفق تصريحات رسميّة سوريّة.
وأغلقت دول الاتحاد الأوروبي سفاراتها في دمشق مُنذ بداية الأزمة العام 2011، عدا جمهوريّة تشيكيا، والمشهد ينحو باتّجاه عودة تدريجيّة لإعادة تلك الدول فتح سفاراتها، آخرها قبرص اليونانيّة التي تستعد لإعادة فتح سفارتها في العاصمة دمشق، إلى جانب اليونان وفق ما يتردّد، وينظر البعض لهذه الخطوة من زاوية المُناكفة اليونانيّة لتركيا خصمة الدولة السوريّة، لكنّ نقابة المحامين السوريين التي أعلنت توقيع عقد مع القائم بالأعمال للسفارة القبرصيّة لاستئجار عقار جديد لسفارة قبرص في دمشق، قالت إنّ دول الاتحاد الأوروبي بدأت العودة تدريجيّاً إلى سورية، والبداية من قبرص، والحديث لا ينحصر في الخليج وأوروبا، فجار سورية الأقرب الأردني بدأ بزيارة وفود اقتصاديّة إلى دمشق، والعكس ضمن تبادل تجاري قد يصل لمرحلة ما قبل الأزمة، وحُصول انفراجة ما على صعيد العلاقات الأردنيّة- السوريّة، في توقيتٍ ليس ببعيد، كان الأردن رافضاً للتعامل الاقتصادي مع سورية، وفق نصائح أمريكيّة في السّياق الذي كانت تُوصّفه دمشق في تفسيرها الموقف الأردني.
التعنّت الأمريكي الغربي في رفض انتخابات الرئاسة السوريّة، لخّصه الرئيس الأسد، حين ردّ على ذلك الرّفض، بأنّ رفضهم هذا لا يُساوي شيئاً، فيما أيّده الحُلفاء (روسيا والصين) بإجراء تلك الانتخابات، بعد ما تردّد عن تأجيل وشُروط، وتخلّي روسي، يمنح تلك الانتخابات الشرعيّة، ومع فوز الأسد ثَبُتَ بُطلان هذا.
هذه الشرعيّة التي حاول خُصوم سورية سحبها منها في المجتمع الدولي على مدار السنوات بالأزمة، عادت وتجلّت بشكلٍ واضح بالتزامن مع الانفتاح السياسي على دمشق، حين انتخبت منظمة الصحّة العالميّة سورية في عضويّة المجلس التنفيذي للمنظمة، وكان لافتاً أنه جرى ذلك الانتخاب بالإجماع.
وقالت وكالة الأنباء السوريّة “سانا” بأنه جرى انتخاب سورية كمُمثلّة عن الشرق الأوسط، بالتزامن نشرت منظمة الصحّة العالميّة تغريدةً لها أكّدت انتخاب سورية كعُضوٍ جديد في المجلس التنفيذي للمنظمة (EB)، ومن بين أعضاء آخرين انضمّوا حديثاً، ولمُدّة ثلاث سنوات.
ويبدو أنّ قرار انتخاب سورية الرسميّة، قد أزعج ما تبقّى من مُعارضة سوريّة التي كانت تطمح الاعتراف بها، واستبدال شُخوصها بديلاً عن المسؤولين في الحكومة السوريّة، فخرج عشرات العاملين في المجال الطبّي في محافظة إدلب شمال غرب سورية، في مُظاهرات رفضاً لمنح حكومة الرئيس بشار الأسد مقعدًا في المجلس التنفيذي للمنظّمة، وهي المُحافظة التي لا تخضع لسيطرة الدولة السوريّة حتى الآن.
هذا الانتخاب يُعزّز من شرعيّة مُؤسّسات الدولة السوريّة، وانتخابها دليل شرعيّة الحكومة، التي لا تزال للمُفارقة خارج عُضويّة الجامعة العربيّة مُنذ العام 2011، ومع إعادة انتخاب سورية الرسميّة في المنظمة العالميّة، يكون لزاماً ومشروعاً أن تتعامل المنظمات والدول مع السلطات السوريّة، دون تلقّيها انتقادات، بزعم استهداف النظام المشافي، والقطاعات الصحيّة، ومنعه دخول العلاجات والأدوية للمناطق الخارجة عن سيطرته.
ومع بقاء سورية خارج عُضويّة الجامعة العربيّة حتى الآن، ومع الانفتاح السياسي والمجتمع الدولي عليها، قد تلعب الجزائر التي تستضيف القمّة العربيّة، دورًا في عودة سورية إلى الجامعة العربيّة، وبالتالي عودة شرعيّة الحكومة السوريّة عربيّاً، ووفقاً لتأكيدات جزائريّة فإنّ الجزائر قد تكون معنيّةً بدعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحُضور القمّة، التي لا تزال مُؤجّلة بفعل الجائحة أو لأسباب رفض الجزائر عقدها بدون سورية وتمسّكها بالاستضافة، وقد تلعب روسيا دورًا في ذلك الخُصوص، هذا عدا عن رغبة العراق بعودة سورية للجامعة، ومُطالبات نيابيّة مصريّة بضرورة تطبيع العلاقات المصريّة- السوريّة.
سورية التي كانت وحيدةً عربيّاً في استضافة قادة حركة “حماس” ما قبل الأزمة (الثورة)، هذه أوراق تخدمها اليوم بعد انتصار المُقاومة في غزّة، وعلاقتها القديمة المتجدّدة مع المُقاومة التي شكرت حليفتها إيران علناً، فالجميع وعلى رأسهم مصر التي كانت التواصل بالنسبة لحُكومتها مع الحركة “تخابرًا”، بدأوا يرغبون بتطبيع علاقاتهم مع الحركة المُقاومة التي فرضت مُعادلات قوّة جديدة بعد الانتصار، وسورية لها دور عسكري قبل أن يكون سياسي في دعم الحركة المذكورة، وهُناك تقارير تقول بأن عودة “حماس” لسورية باتت قريبةً، وتحديدًا بعد اجتماع الرئيس الأسد مع الفصائل، وتعهّده بتقديم أيّ مُساعدة للقضيّة الفلسطينيّة، حيث انشغال سورية بوضعها الداخلي بدأ ينتهي تدريجيّاً، وهو ما يسمح لدمشق عودتها للعب دور إقليمي من البوّابة الفلسطينيّة، التي كانت أحد الأسباب الرئيسيّة في الرّغبة بإسقاط الدولة السوريّة وفقاً لأدبيّاتها.
بكُل الأحوال، يبدو أن سورية الرسميّة بدأت تكتب فصلاً جديدًا، عُنوانه تثبيت شرعيّتها، والتعامل الدولي مع واقع وجود جيشها النظامي على الأرض، ومُؤسّساتها، وخدماتها، وليكون باب الإصلاح السياسي مفتوحاً أمام الرّاغبين بعد الانتخابات الرئاسيّة، فيما المُقابل قد تكون رهانات دول إقليميّة على ما تبقّى من مُعارضة أمرًا يُخالف الوقائع على الأرض السوريّة، فاستعادة إدلب، وشرق الفرات للحُضن السوري مسألة وقت لا أكثر.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم