آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » الزلزال والانزياحات السكانية: تغريبة سورية جديدة

الزلزال والانزياحات السكانية: تغريبة سورية جديدة

 

 

زياد غصن

 

حتى وقت قريب، كان يُعتقد أن انحسار الحرب عن مناطق واسعة من البلاد، سيكون كفيلاً بإنهاء مشكلة النزوح الداخلي، والتي تسبّبت بزيادة الخلل الحاصل في التوزّع الجغرافي للسكان. إلا أنّ حجم الدمار الواقع على المساكن والبنى التحتية وعرقلة عملية إعادة إعمارها، عزّزا من فرضية ميل النازحين أكثر للاستقرار في المناطق التي نزحوا إليها، إلى أن وقع الزلزال الأخير، والذي يتوقّع له أن يسهم في حدوث انزياحات سكانية جديدة في المحافظات الأربع المنكوبة، بحثاً عن مسكن بديل أو عن الأمن، سواء داخل كل محافظة أو خارجها. أي إن بعض المناطق ستكون على موعد مع مزيد من الضغوط على القطاع الخدمي والموارد الطبيعية.

تذهب معظم التقديرات الرسمية والأممية إلى أن ما يزيد على ثلث سكان البلاد (6.7 ملايين شخص) اضطروا منذ العام 2011 إلى النزوح عن مناطقهم باتجاه مناطق أخرى داخل المحافظة نفسها أو في المحافظات الأخرى. فيما تشير التقديرات غير الرسمية إلى مغادرة حوالى 5.6 ملايين شخص البلاد، ليستقروا في دول مجاورة وأخرى كلاجئين.

ورغم تسجيل عودة أسر كثيرة إلى مناطق سكنهم الأصلية خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن ما يقرب من ربع سكان البلاد لا يزالون في دائرة النزوح الداخلي لعدة أسباب، منها ما هو متعلق بحجم الدمار الهائل الذي أصاب منازلهم ومناطق سكنهم الأصلية، ومنها ما هو متعلق بدخول النازحين في دائرة الاندماج الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات المضيفة. فضلاً عن عدم استقرار الأوضاع الأمنية في مناطق أخرى لا تزال خارج سيطرة الحكومة أو على تماس مع تلك المناطق.

تقلبات النزوح

اللافت في حركة النزوح الداخلية أنها لم تكن مستقرة، فهناك محافظات بدأت فترة الحرب بكونها جاذبة للسكان، ثم تحوّلت مع تطوّر مجريات الحرب إلى طاردة للسكان، كما هو الحال مع محافظة الرقة، وبعض المحافظات عادت لتصبح في ثالث تحوّل لها إلى جاذبة للسكان كريف دمشق، وحلب. وكما تخلص الاستنتاجات الرسمية، فإنّ الحجم الأكبر للنازحين تركّز بالدرجة الأولى في محافظات حلب، ريف دمشق، وإدلب. وتميّزت محافظات مثل اللاذقية، دمشق، طرطوس، السويداء بكونها أكثر المحافظات المستقطبة للسكان النازحين، مقابل حلب، إدلب، ريف دمشق، درعا، الرقة، دير الزور، التي صنّفت كأكثر المحافظات الطاردة للسكان.

وبحسب ما تشير دراسة بحثية غير رسمية، فإن “هناك خمسة عوامل تؤثر في قرارات الناس فيما يخص ترك منازلهم والانتقال إلى مناطق أخرى. وهذه العوامل هي:

-ترتبط معدلات النزوح ارتباطاً سلبياً برأس المال الاجتماعي. فقد لوحظت توترات بين النازحين والمجتمعات المضيفة، مع وجود منافسة على الموارد السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية.

-ترتبط معدلات النزوح إلى منطقة محدّدة بالأداء المؤسسي فيها، إضافة إلى المستويات الأدنى من العنف، التميّز، الفساد، والمستويات الأعلى من سيادة القانون.

-ترتبط ظروف المعيشة ارتباطاً إيجابياً بالنزوح، أي إن النازحين سيسعون إلى المواقع التي تضمن ظروف معيشة أفضل، بما في ذلك توفّر الاتصالات، والنقل، والكهرباء، والمياه، وفرص العمل.

-ترتبط معدلات النزوح ارتباطاً إيجابياً بالمستويات الأعلى للتنمية البشرية المقترنة بموقع معيّن، مثل توفّر البنية التحتية والموارد للخدمات التعليمية.

-ترتبط معدلات النزوح ارتباطاً سلبياً بمعدل الوفيات المرتبط بالنزاع في المنطقة التي ينزحون إليها.

وإضافة إلى الضغط الذي تشكّله على المرافق الخدمية والبنى التحتية والموارد الطبيعية في المناطق الجاذبة للسكان، فإن لظاهرة النزوح الداخلي تأثيرات اقتصادية واجتماعية عديدة تبدأ بالفاقد التنموي الكبير الذي تتسبّب به الظاهرة لمناطق النزوح، والذي سيحتاج إلى سنوات طويلة لإعادة ترميمه، مروراً بالعطالة التعليمية والصحية التي ترافق عادة الكثير من النازحين وأطفالهم خلال فترة نزوحهم، وليس انتهاء بالضرر الحاصل في مؤشرات رأس المال الاجتماعي.

لكن لا يخفى أن للظاهرة بعض الجوانب الإيجابية، ولا سيما في المناطق التي تحوّل فيها النازحون إلى قوة تنشيط لاقتصاديات المنطقة، سواء من خلال إدخالهم لأنشطة اقتصادية جديدة والتوسّع بما هو قائم منها كما حدث في اللاذقية، طرطوس، والسويداء، أو من خلال تنشيط الأسواق المحلية من جراء الإنفاق المرتبط في بعض جوانبه بدعم خارجي من الأقارب والأصدقاء.

نزوح الزلزال

ومع تعرّض مناطق واسعة من البلاد لزلزال مدمّر، وما تبعه من انهيارات وتصدّعات في العديد من الأبنية، وانتشار المخاوف من حدوث زلزال جديد أو وقوع هزات ارتدادية كبيرة، فقد بدأت موجة جديدة من النزوح الداخلي. وقد أشارت التقديرات الأولية إلى نزوح ما يقرب من نصف مليون شخص في محافظات حلب، اللاذقية، وحماه. فيما المعلومات عن طبيعة النزوح المتشكّل في مناطق إدلب الخارجة عن سيطرة الحكومة لا تزال غير واضحة. وما يزيد من حدة المشكلة أن المحافظات الأربع شهدت على مدار سنوات الحرب موجات نزوح تباين حجمها تبعاً لكل محافظة.

ووفقاً لتقديرات أممية صدرت نهاية العام الماضي، فإن أكثر من 78% من حركات النزوح المسجّلة حصلت داخل المحافظات، حيث احتلت محافظتا حلب وإدلب معظم عمليات النزوح المسجّلة. كما أنّ أكثر من 81% من أعداد النازحين داخلياً توزّعت بين حلب وإدلب في مناطق شمال غربي سوريا. وكان لافتاً بحسب البيانات الأممية تسجيل حركات نزوح في مناطق لا تشهد أي عمليات عسكرية مثل محافظتي اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري، حيث سجّلت في اللاذقية نحو 1100 حالة.

في عملية النزوح الجديدة، التي أعقبت اللحظات الأولى لحدوث كارثة الزلزال، يمكن تحديد توجّهاتها على النحو التالي:

-نزوح العديد من الأسر المتضررة داخل المناطق التي شملها الزلزال. وقد توزّعت أماكن إقامة الأسر المتضررة بين مراكز الإيواء التي افتتحتها الحكومة، والخيم التي نُصبت من قبل جهات أهلية ومجتمعية مختلفة، والمنازل المستأجرة أو لدى الأقارب والمعارف.

ورغم الجهود الحكومية والأهلية الكبيرة، إلا أن استيعاب حركة النزوح التي تمت داخل المناطق وتلبية احتياجات النازحين الغذائية وغير الغذائية، كانت أكبر من قدرة تلك الجهود، الأمر الذي تسبّب بثغرات كبيرة من شأنها أن تؤثر على بنية النسيج المجتمعي والوضع المعيشي للمتضررين النازحين ومستوى الخدمات المقدّمة لهم.

-في محافظة اللاذقية، وخصوصاً في مدينة جبلة التي نالها النصيب الأكبر من الزلزال، فضّلت الكثير من الأسر ترك منازلها في الحضر، سواء كانت سليمة أو متصدّعة، والتوجّه إلى الريف، حيث الاعتقاد أن فرص الأمان تبقى أكبر لاعتبارات متعلّقة بطبيعة الوضع العمراني للأبنية ووجود مساحات زراعية يمكن اللجوء إليها في حال حدثت هزات زلزالية وما إلى ذلك. وإلى الآن ليس معروفاً عدد النازحين باتجاه الريف، إلا أن هناك أعداداً كبيرة وفق المؤشرات الأولية. لكن هل ستستمر هذه الموجة من النزوح؟ أم إنها مؤقتة، ستنتهي مع تراجع المخاوف الشعبية؟

-نزوح بعض الأسر إلى محافظات أخرى بعيدة عن المناطق التي شملتها تداعيات الزلزال. فهناك أسر وصلت إلى دمشق وريف دمشق وغيرها من المحافظات البعيدة نوعاً ما. ومن المتوقّع، مع استمرارية الهزات الارتدادية، أن تزداد حركة النزوح هذه، وتالياً فإن الأمر سيكون مرهوناً بالوقت ومدى القدرة على تبديد المخاوف من الخطر الزلزالي، والأهم الإجراءات الحكومية التي سوف يتم اتخاذها في المناطق التي كانت مسرحاً للزلزال الأخير.

في المواجهة

 

تسجيل زيادة جديدة ومفاجئة في حركة النزوح الداخلي من شأنه أن يؤدي إلى تعمق التأثيرات السلبية المتشكّلة خلال السنوات السابقة. وعليه فإن الحد من هذه التأثيرات سيكون منوطاً بالإجراءات الحكومية من جهة، واستقرار الحالة الزلزالية في تلك المناطق، والتي ليس للبشر يد فيها، فيما ينتظر من الإجراءات الحكومية أن تتجه نحو:

-إعادة إعمار ما دمّره الزلزال من وحدات سكنية وبنى تحتية ومرافق خدمية، والذي ستكون له تداعيات إيجابية مباشرة على تشجيع النازحين للعودة إلى مناطقهم، ومن ثم الحد من حركة النزوح.

-المباشرة بتنفيذ مشروعات تنموية تساعد سكان تلك المناطق على تجاوز تداعيات الزلزال واستعادة حياتهم الطبيعية وتحسين الوضع الاقتصادي في تلك المناطق، وهو سيكون عاملاً أساسياً في جذب النازحين وتحقيق نوع من التوازن الديمغرافي. إذ إن استمرار معاناة المتضررين والتأخّر في معالجة مخاوفهم يتسبّب في تضخّم الكلفة الحكومية والمجتمعية.

-الاستفادة من تجارب الدول التي شهدت زلازل وتمكّنت من تحويلها إلى فرصة لطي صفحة الخسائر والآلام وإلى مرحلة أمل وتفاؤل في المقبل من الأيام. ومعظم تجارب الدول تبدو متشابهة، خاصة لجهة الشرائح والفئات الاجتماعية المتضررة وحاجاتها.

-العمل على إعداد رسائل إعلامية وتوعوية بين سكان تلك المناطق، تسهم في وقف حالة الخوف والذعر الحاصلة بعد الزلزال، وتعمل على إشاعة الحقائق والأدلة العلمية. وتعمل كذلك على نقل مطالبهم وطموحاتهم إلى المؤسسات الحكومية وضمان استمرار التعاضد الأهلي والمجتمعي.
(سيرياهوم نيوز4-الميادين)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

العطلــة الصيفيــة استثمار فــي حيــاة الطالــب

عبير محمد: أيام معدودة وتبدأ العطلة الصيفية، وتغلق المدارس أبوابها، ومن المفترض أن تكون تلك الفترة فترة ترفيهية في حياة الطالب، ولكن في بلادنا تصبح ...