| سليمان نمر
لم يكد يمر شهر على الإتفاق الذي أعلن عنه من بكين في العاشر من آذار/مارس الماضي، بين السعودية وإيران، حتى تبدت ملامح إنفراجات إقليمية عديدة، أبرزها الإنفراج في العلاقة السعودية السورية.
تشير أجواء الرياض السياسية إلى أن إنفراجات هامة ستشهدها بعض الملفات العربية التي للسعودية علاقة بها، لا سيما في ظل اقتراب صنعاء والرياض ـ خلال أسبوعين ـ من الإعلان عن اتفاق ينهي حرباً مأساوية استنزفت السعودية ودمّرت اليمن طوال تسع سنوات. ويتضمن الإتفاق المرتقب الإعلان عن وقف دائم لإطلاق النار والقيام بخطوات بناء ثقة منها دفع رواتب الموظفين وبينهم العسكريين في جميع مناطق اليمن، بما فيها تلك التي يسيطر عليها الحوثيون؛ فتح ميناء الحديدة؛ فتح مطار صنعاء؛ إستئناف تصدير النفط؛ فتح الطرقات؛ اطلاق سراح الاسرى والمخطوفين؛ الإتفاق على فترة انتقالية لمدة عامين تجري خلالها مفاوضات بين الحكومة الشرعية والحوثيين للإتفاق على شكل الحكم في اليمن مستقبلاً، وذلك برعاية سعودية. وكان وفد سعودي برئاسة سفير المملكة لدى اليمن محمد سعيد آل جابر قد زار صنعاء على متن طائرة تابعة للأمم المتحدة قبل أيام قليلة واستقبل هناك على أعلى المستويات ، وتم خلال هذه الزيارة وضع اللمسات الأولية على إتفاق الهدنة.
ويريد الحوثيون الهدنة حتى نهاية السنة الحالية، بينما تريد الرياض هدنة دائمة مقابل إعلان تخليها عن الحرب على أن يتزامن ذلك مع بدء مفاوضات الحل السياسي الدائم. ومن المقرر أن يقوم وفد سعودي وآخر عماني بزيارة مشتركة إلى صنعاء الأسبوع المقبل لوضع اللمسات الأخيرة على الإتفاق.
ووفق أجواء الرياض، يحتل الملف السوري مرتبة ثانية من الإهتمام بعد ملف اليمن، بدليل الإنفراج القريب المتوقع في العلاقات بين الرياض ودمشق، وذلك على قاعدة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
ووفق مصادر الرياض فان تفاهمات عربية (مصر) وإقليمية (إيران) ودولية (روسيا) ساهمت في الدفع باتجاه دعوة سوريا للمشاركة في القمة العربية المقبلة المقرر عقدها في الرياض في 19 أيار/مايو المقبل، على أن تسبق ذلك خطوات من جانب الحكومة السورية، أبرزها إتخاذ إجراءات عملية لوقف تهريب حبوب الكبتاغون المخدرة إلى دول الخليج العربي ومنها السعودية.
وتقول مصادر ذات صلة في الرياض إن وفداً أمنياً سورياً (على الأرجح برئاسة نائب رئيس مكتب الأمن القومي السوري عبد الفتاح قدسية) زار العاصمة السعودية، سراً، قبل أيام قليلة، بناء على وساطة روسية، وتمحور البحث حول ملفات أمنية أبرزها ملف تهريب الكبتاغون السوري إلى السعودية ودول الخليج.
وذكر مصدر ديبلوماسي عربي في الرياض أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى جدة، الإثنين الماضي، واجتماعه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان – والذي دام ثلاث ساعات بحضور مستشار الامن الوطني السعودي الوزير مساعد العيبان ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل فقط – ركّزت على اعادة العلاقة مع سوريا ومن ثم دعوتها الى قمة الرياض العربية، وثمة معلومات أن زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للقاهرة قبل يومين من السفر العاجل للسيسي إلى جدة هدفت الى إعطاء تطمينات سورية للسعودية بضمانة روسية.
وكشف مصدر دبلوماسي خليجي أن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي سيعقدون إجتماعا إستثنائياً في جدة يوم الجمعة المقبل، وسيتم خلاله طرح الملف السوري وامكانية اعادة العلاقات الخليجية مع دمشق وسط عدم ممانعة سعودية ومعارضة قطرية.
وإرتأت الرياض الا يكون قرار إستئناف العلاقات مع دمشق قراراً سعودياً منفرداً بل أن يحظى بموافقة دول مجلس التعاون على أن يكون القرار عربياً بعد ذلك.
ويشير المصدر إلى أن الأمر لن يقتصر على وقف تهريب الكبتاغون، بل ثمة خطوات مطلوبة من سوريا ، أبرزها اعلان العفو العام، والتعهد بإعادة جميع اللاجئين السوريين إلى بلادهم من دون أي ملاحقات أمنية لهم، فضلاً عن تعهد النظام بإجراء إصلاحات سياسية، على أن يتم ذلك بضمانة روسيا التي تلعب دوراً كبيراً في التوسط لإعادة العلاقات العربية ـ لا سيما السعودية ـ مع الرئيس بشار الأسد، معتمدة على علاقاتها الجيدة مع الرياض. ووفق المصادر، فإن روسيا ستضمن أي إتفاق مع سوريا لإعادة العلاقات العربية مع دمشق وفق التفاهمات المطلوبة، أمنياً وسياسياً.
وتدعم طهران مسار إستئناف العلاقات الدبلوماسية السعودية مع دمشق، على أن تشكل التفاهمات السعودية الإيرانية في المرحلة المقبلة مدخلا لسلسلة من الملفات الإقليمية الشائكة، وبينها ملف حزب الله في لبنان.
والملاحظ أن السعودية تنخرط في مسار هذه التفاهمات مع كل من طهران وموسكو، في ظل حالة إمتعاض أميركية عبّر عنها رئيس جهاز المخابرات المركزية الاميركية وليام بيرنز الذي قام بزيارة غير علنية إلى السعودية، الأسبوع الماضي.
وقالت صحيفة “ول ستريت جورنال” الأميركية إن بيرنز أعرب، خلال هذه الزيارة، عن “انزعاج” واشنطن تجاه التقارب بين الرياض وطهران بوساطة صينية، وكذلك التقارب بين المملكة وسوريا. ونقلت الصحيفة عن “أشخاص مطلعين” أن بيرنز، أبلغ، بشكل غير مباشر، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أن الولايات المتحدة “شعرت بالصدمة من تقارب الرياض مع إيران وسوريا”.
وبدا أن رئيس المخابرات المركزية الأميركية لم يجتمع بولي العهد السعودي وإقتصر برنامجه على عقد لقاء مع مستشار الامن الوطني السعودي الفريق مساعد العيبان وعدد من مسؤولي أجهزة الامن السعودية.
وعدا عن التباينات الأميركية السعودية في أسواق النفط، منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية حتى الآن، تبدو واشنطن منزعجة من الدفء الذي يُميّز علاقات ولي العهد السعودي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلاً عن التحسس من الدعوة إلى قمة الرياض العربية الصينية التي عقدت على مسافة زمنية قريبة من قمة جدة الخليجية الأميركية، التي بقيت قراراتها حبراً على ورق!.
(سيرياهوم نيوز3-180 بوست)