| مهدي عقيل
مطلع الأسبوع الفائت، عادت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بعد قطيعة دامت أكثر من سبع سنوات (2016-2023)، وهي الأطول بين البلدين، علماً أن علاقاتهما لم تكن يوماً على ما يرام، فكانت سمة التوتر تحكم علاقتهما سواء في زمن الشاه أو في زمن إيران الثورة.
انقطعت العلاقة بين السعودية وإيران ثلاث مرات، الأولى في زمن الشاه محمد رضا بهلوي، إثر إعدام السلطات السعودية حاجاً إيرانياً عام 1943، بتهمة شتم الصحابة، ودامت حتى عام 1946. لتعود العلاقة من جديد، والتي توطّدت في خمسينيات القرن الماضي نتيجة تعاون البلدين في مواجهة المد الناصري الذي هدّد عرشيهما بشكل أو بآخر.
أمّا القطيعة الثانية، فحصلت عام 1987، في زمن إيران الثورة، واستمرت حتى عام 1991، إثر مصرع أكثر من 400 حاج، بينهم قرابة 275 من الإيرانيين، بسبب نشاطات قام بها الأخيرون في الحرم المكي تُحرّض على مهاجمة الولايات المتحدة وترفع شعارات عدائية لإسرائيل، وتصدّت لها الشرطة السعودية على اعتبارها أعمالاً تخريبية.
والقطيعة الثالثة والأخيرة، حصلت إثر إعدام المملكة لرجل الدين الشيعي البارز نمر النمر عام 2016، وتعرُّض متظاهرين إيرانيين للبعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد.
وبدون أدنى شك، العودة الأخيرة للعلاقات لا تشبه مثيلاتها، فهي ليست عودة علاقات بين بلدين وحسب، والتي أتت نتيجة وساطة صينية في 10 آذار الماضي، إنما يُعوّل عليها الكثير.
ففي الوقت الذي استحالت فيه السعودية من مملكة محافظة وراضية بأمن خارجي «ترعاه» الولايات المتحدة منذ عقود، وأمن داخلي يركن إلى عقد اجتماعي-سياسي-ديني، يُشرك فيه آل سعود مشايخ آل الشيخ (الوهابية)، إلى مملكة طامحة للعب دور محوري في الإقليم والعالم ومتفلّتة إلى حد كبير من القبضة الخارجية السابقة (الأميركية)، ومن القبضة الداخلية السابقة (الوهابية). وكذلك استحالت إيران أيضاً، من دولة تجهد نفسها لاستعادة نفوذها على كامل أراضيها إبّان حربها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، إلى دولة امتدّ نفوذها إلى أربع عواصم عربية على الأقل.
وبالتالي، أمست أهمية العلاقة بين المملكة والجمهورية تكمن في مخرجاتها على الإقليم أكثر منه على العلاقة الثنائية بين البلدين. لذلك، ترى الباحثين يتناولون موضوع العلاقة بين طهران والرياض من باب تأثيرها على الإقليم بالدرجة الأولى، فيما تأثيرها على البلدين المعنيين يأتي بالدرجة الثانية أو الثالثة حتى، إذا ما أخذنا البعد الدولي لهذه العلاقة.
كل ما قيل عن تعثّر مسار تطبيع العلاقات بينهما لم يكن صحيحاً، حيث ظنّ كثيرون أن الضغوط الأميركية سوف تنجح في عرقلة عودة العلاقات
وقد أشار السفير السعودي الجديد لدى إيران، عبدالله بن سعود العنزي، في تصريح، إلى أن نقل العلاقات بين البلدين «نحو آفاق أرحب كون المملكة وإيران جارتين وتمتلكان الكثير من المقوّمات الاقتصادية والموارد الطبيعية والمزايا التي تساهم في تعزيز أوجه التنمية والرفاهية والاستقرار والأمن في المنطقة، وبما يعود بالنفع المشترك على البلدين والشعبين الشقيقين».
من هنا، يأتي التركيز على وقع وتأثير عودة هذه العلاقات على مختلف الملفات العالقة في المنطقة، وبطبيعة الحال للبلدين باع طويل فيهما، من اليمن إلى العراق مروراً بسوريا ولبنان. وكل ما قيل عن تعثّر مسار تطبيع العلاقات بينهما لم يكن صحيحاً، حيث ظنّ كثيرون أن الضغوط الأميركية سوف تنجح في عرقلة عودة العلاقات، وأَمِلَ المغرضون والمتضرّرون أن تبقى العلاقة مقطوعة وعدائية، وقد دحضها وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان، في زيارته الأخيرة للمملكة، ولقائه بولي العهد محمد بن سلمان، في منتصف آب الماضي، والتي مهّدت لتبادل السفراء، حيث أكّد الوزير الإيراني أن العلاقات «تتخذ مساراً صحيحاً»، وأشار إلى أهمية وفائدة «طرح فكرة إجراء الحوار والتعاون الإقليمي». وسوف تُتوّج الخطوات المتبادلة بين البلدين بزيارة رئيس الجمهورية الإسلامية، إبراهيم رئيسي، للمملكة، تلبية لدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز.
يبدو أن البلدين الإقليميين الكبيرين يسيران بخطوات التقارب بينهما بإتقان ودراية ومعرفة بالدوائر الغربية التي لا تريد قيامة لهذه العلاقة، خصوصاً أنها أتت برعاية ووساطة صينيتين تهدفان إلى ربط «طريق الحرير» بين ضفتي الخليج، إمّا برّاً عن طريق العراق، وإمّا بحراً تحت مياه الخليج. وبذلك يضمن التنين الصيني لمشروعه الإستراتيجي النجاح في منطقة غرب آسيا على الأقل، خصوصاً بعد قمّة العشرين التي اختتمت أعمالها قبل أيام، في العاصمة الهندية نيودلهي، برسم مخططات لمشاريع ربط الهند بالشرق الأوسط لمواجهة خطة «الحزام والطريق». هذا عدا أهمية كل من السعودية وإيران كمصدرين رئيسيين لتزويد الصين بالنفط والغاز.
وقد اختبر البلدان العلاقة الصراعية بينهما، والتي لم تأتِ بالنفع لأيّ منهما، حيث أهدرا الكثير من الأموال والطاقات بدون جدوى، وكان المستفيد الأول هو الولايات المتحدة وإسرائيل، والمتضرّر الأول هو المنطقة العربية برمّتها.
وفي الخلاصة، لا يمكن لدولة بحجم السعودية أو إيران أن تنعم بدور إقليمي مُعتبر دون أن تتعاون مع نظرائها في الإقليم، واليوم الظروف سانحة أكثر من أي وقت مضى، لتلعب الدول الإقليمية الدور الذي يتناسب مع حجمها وقدراتها، حيث إن العالم متجه إلى عالم متعدد الأقطاب، وتنويع الخيارات بات أمراً محتوماً، ولكل من إيران والسعودية قدرات لا تمكّنهما من فرض حضورهما في الإقليم وحسب، إنما البلدان يملكان مقوّمات وإمكانات لا يمكن الاستغناء عنها، والعالم بأسره يحتاج إليها.
ويبقى على قادة البلدين أن يُحسنوا استخدام تلك الإمكانات والقدرات الهائلة التي يملكونها ليشكلوا حجر الرحى لكل ما يدور في الإقليم. وبدون هذا «الحجر» لا القمح ولا الشعير ولا الذرة يمكن طحنها لصناعة خبز هذا الإقليم الذي لم تتركه القوى الدولية وشأنه على مرّ التاريخ.
* باحث لبناني
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار