أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير بسام صباغ أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء ما يسمى “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سورية” هو قرار مسيّس آخر يستهدف سورية، ويعكس بوضوح تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، ويشكّل دليلاً إضافياً على استمرار النهج العدائي لبعض الدول الغربية ضد سورية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي دفعت مجموعة صغيرة من الدول ليس لديها أي إدراكٍ للواقع الفعلي في سورية لتقديم القرار.
وقال صباغ في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم “إن الولايات المتحدة الأمريكية دأبت على تقديم قرار في إطار اللجنة الثالثة للجمعية العامة تحت ما يسمى “حالة حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية”، والذي يشكّل نموذجاً للقرارات القطرية المسيّسة التي تستهدف دولاً بعينها بذريعة حماية حقوق الإنسان فيها، وقد أقحمت فيه إشارة إلى موضوع المفقودين في سورية، وذلك لفتح نافذة استهداف أخرى من خلال إنشاء آلية مسيّسة جديدة”.
وأضاف صباغ: إن التقرير الذي قدّمته الأمانة العامة للأمم المتحدة حول موضوع المفقودين والمناقشات التي تلته استندت إلى نهج انتقائي في التعامل مع هذه المسألة، إذ تجاهلت فيه وبشكلٍ أساسي الملكية الوطنية السوريّة لها، وضرورة التشاور والانخراط مع سورية وموافقتها رسمياً على إطلاق مسار مناقشة هذا الموضوع.
وأوضح صباغ أن الدول راعية القرار قامت بتجاوز هذه الأسس الجوهرية، وذهبت نحو إنشاء آلية غريبة غامضة المعالم، لا تورد أي تعريفٍ محددٍ لمصطلح المفقودين، مجهولة الأطر الزمنية والحدود الجغرافية، معدومة الشروط المرجعية، يغيب هيكلها التنظيمي وطرائق عملها وشركائها، والأنكى أن تمويلها غير محددٍ حتى اليوم رغم أن سوابق هذه الدول معروفة في القيام بفرض تمويلها على الدول الأعضاء من الميزانية العادية في الأمم المتحدة.
وشدد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة على أن كل ما سبق يؤكد، وبما لا يدع مجالاً للشك، خطورة نوايا الساعين إلى إنشائها، والتي سيتم استخدامها غطاءً للتدخل في شؤونها الداخلية، وأداة لممارسة المزيد من الضغوط على سورية وشعبها.
وقال صباغ “إن سورية لم تتوان عن التعامل مع موضوع المفقودين السوريين انطلاقاً من أنها مسألة وطنية سوريّة، وتعاملت مع كل الطلبات التي تم تسجيلها عن وقائع فقدان الأشخاص المقدّمة أمام سلطات إنفاذ القانون، وأجرت وفقاً للأنظمة والقوانين السوريّة تحقيقات مستقلة بشأنها بناءً على ما توفّر لديها من معلومات وإمكانيات ذات صلة”.
وأضاف صباغ “إن سورية شكّلت فرقاً طبية متخصصة للتعامل مع موضوع المقابر الجماعية، ودرّبت بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر أطباء شرعيين سوريين للقيام بمهمة استخراج الرفات البشرية، كما تعاونت في إطار “صيغة أستانا” لكشف مصير المفقودين الذين تحتجزهم المجموعات الإرهابية”.
وأكد صباغ أن سورية حريصة على التعامل مع هذه المسألة الإنسانية، إلا أنها ترفض نهج التسييس الذي تم السير به بشأنها، وتؤكد على أن المسائل الإنسانية لا يمكن تجزئتها، ولا يمكن التعامل معها بانتقائية، فهناك الآلاف من المفقودين الذي سقطوا ضحايا لأعمال العدوان العسكري الذي شنّته الولايات المتحدة، ماذا عنهم؟ وهناك آلاف المفقودين الذين اختطفتهم واحتجزتهم المجموعات الإرهابية المسلحة، والميليشيات الانفصالية العميلة للقوات الأمريكية الموجودة بشكلٍ غير شرعي في شمال شرق سورية.
وتابع صباغ: “نحن على يقينٍ تامٍ بأن الدول التي تقف وراء إنشاء هذه المؤسسة لن تسمح لها بالتعامل مع المفقودين جراء تلك الجرائم، بل ستعمل على حرف انتباه المجتمع الدولي عن المرتكب الحقيقي لهذه الجرائم التي خلّفت الآلاف من المفقودين، في تكريسٍ واضحٍ لنهج المعايير المزدوجة التي تتّبعها”.
وأوضح صباغ أن بعض الدول الغربية قادت حملاتٍ ممنهجة حول موضوع المفقودين في سورية، وذلك من خلال تنظيم فعاليات جانبية لإطلاق ادعاءات مفبركة وغير صحيحة، وتداول أعدادٍ مضخّمة للمفقودين على نحو غير موثّق، إضافة إلى التضليل الذي مارسته من خلال الترويج إلى أن سورية منخرطة في عملية التشاور حول مشروع القرار، وهو أمرٌ مثّل أحد المشاغل الرئيسية لعددٍ كبيرٍ من الوفود التي شاركت في النقاشات حوله.
وشدد صباغ على أن سورية لم تكن طرفاً في أي من هذه المناقشات التي جرت، ولم تتم دعوتها إليها، ولم يتم التشاور معها بشأن إنشاء هذه المؤسسة المزعومة، وقد أكدت ذلك في العديد من الرسائل والمذكرات والإحاطات التي تم تقديمها للدول الأعضاء خلال الأشهر الماضية.
وجدد صباغ رفض سورية القاطع ما ورد في مشروع القرار جملةً وتفصيلاً، ووشجبها محاولات تضليل الرأي العام وتشويه موقفها، وإيهام الآخرين بانخراطها في عملية المشاورات حوله في محاولةٍ يائسة لاستدراج دعمهم نحو هذه المبادرة الهدّامة.
وقال صباغ “إن سورية تدعو الدول الأعضاء الحريصة على إعلاء قيم ميثاق الأمم المتحدة إلى الوقوف في وجه محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لسورية، ودعم سيادتها واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، ورفض الانتقائية وازدواجية المعايير في التعامل مع مسائل حقوق الإنسان، وتأكيد معارضتها كل الآليات المسيّسة التي يتم إنشاؤها لخدمة أجندات سياسية ضيّقة لبعض الدول”.