محمد عبد الكريم أحمد
أعلنت الحكومة السودانية، أول أمس، قطعَ العلاقات مع الإمارات، في ظلّ تراكم التوتّر بين البلدَين. وسبق القرار بساعات، إعلان «محكمة العدل الدولية» (5 الجاري) عدم اختصاصها في الدعوى المقدّمة من قبل الخرطوم ضدّ أبو ظبي، على خلفية اتهام الأخيرة بالتورّط في «جرائم إبادة جماعية» في إقليم دارفور، وهو ما تلاه تصعيد عسكري تولّته قوات «الدعم السريع» عبر قصف مدينة بورتسودان ومينائها بمُسيّرات متطوّرة.
ووفقاً لتقارير محلّية سودانية، فإن قوات إماراتية شنّت هذه الهجمات انطلاقاً من البحر الأحمر، مستندةً إلى دعم لوجستي وعملياتي من «أراضٍ صومالية». وهكذا، فإن من شأن قرار قطع العلاقات، ووصف مجلس الأمن والدفاع السوداني، للإمارات بأنها «دولة عدوان»، أن يمثّلا مدخلاً واسعاً نحو مزيد من التورّط الإماراتي في الأزمة السودانية.
قرار قطع العلاقات: لا تراجع لا استسلام!
وُصفت خطوة الخرطوم بقطْع «جميع الصلات مع الإمارات، بما في ذلك إغلاق سفارة السودان وقنصليّته» في أبو ظبي، بالتصعيد الدرامي غير المسبوق؛ إذ جاءت لتعبّر عن عمق الخلافات بين البلدَين، وصعوبة تجاوزها. ويلاحَظ أيضاً، أن الإمارات سعت، من دون جدوى، لوصف قرار «العدل الدولية»، بـ»الانتصار الدبلوماسي» لها، علماً أن القرار جاء أساساً بسبب تحفُّظ أبو ظبي المسبق على المادة التاسعة من «اتفاقية الإبادة»، ما يحول تالياً دون اختصاص المحكمة، «إلا في حالة القبول الإماراتي الواضح».
ولم يكد سجال قرار المحكمة يهدأ قليلاً، حتى تطوّرت الأوضاع في بورتسودان على وقع قصف لمواقع مدنية وعسكرية في المدينة بالمُسيّرات، بادرت مصادر أمنية واستخبارية سودانية إلى اتهام قوات «الدعم السريع» بالوقوف وراءه، «واستخدام أسلحة متقدّمة وصلت إليها عبر قنوات خارجية»، وفق تقارير إعلامية وتصريحات مسؤولين سودانيين. وتمثّل ضربات «الدعم» لبورتسودان تصعيداً كبيراً سيرخي بتداعياته على مجمل المساعدات الدولية التي تدخل السودان عبر هذا الميناء، الذي وصفه وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، بأنه «أنبوب حياة العمليات الإنسانية في السودان».
كذلك، فإن تلك الضربات قادت بالفعل إلى تراجع سيناريو قرب نهاية الحرب أو حتى حصْرها جغرافياً في غرب السودان وجنوبه الغربي، أخذاً في الاعتبار احتمال تصعيد السلوك الإماراتي الانتقامي، ولا سيما مع تصاعد دعوات سودانية إلى مصادرة مشروعات واستثمارات تخصّ الدولة الخليجية في السودان.
قطع العلاقات واضطراب البحر الأحمر
أشار بيان السودان حول التصعيد في بورتسودان إلى ما يمثّله ذلك من «تهديد للأمن الإقليمي والدولي، ولا سيما أمن البحر الأحمر»، مع التأكيد على احتفاظ البلاد، وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، «بحقّ الدفاع عن النفس». وإذا أضيف ما تقدّم، إلى التقارير التي تتحدّث عن ضلوع الإمارات في الهجمات انطلاقاً من «مياه البحر الأحمر»، لا يعود مستبعداً حدوث تصعيد خطير، تتبدّى ملامحه الأولية في حرمان السفن الإماراتية من المرور في المياه الإقليمية السودانية.
وفي هذا الإطار، يرى مراقبون سودانيون أن الأزمة فتحت الباب أمام تصعيد إقليمي ودولي، نظراً إلى موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر، ووسط تزايد المخاوف من تحوّل النزاع إلى حرب إقليمية بالوكالة. وكان قائد منطقة البحر الأحمر في الجيش السوداني، محجوب بشرى، كشف، أخيراً، عن تفاصيل تتعلّق بـ»الهجوم الإرهابي الذي استهدف المدينة بطائرات مُسيّرة انتحارية»، متّهماً دولة الإمارات بتنفيذه، انطلاقاً من قواعد عسكرية خارج الحدود، في «مناطق الانفصال في الصومال، مثل بونتلاند أو أرض الصومال».
وعلى رغم مجيء التصعيد قبيل أيام من جولة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الخليجية، والتي ستشمل الإمارات، فإن قدرة هذه الأخيرة على تجاوز تناقضات سياساتها في البحر الأحمر ستواجه تحدّياً مهمّاً في حال الاشتباك مع السودان؛ كما أن فرض ترتيبات أمر واقع انطلاقاً من بعض أقاليم الصومال لن يسهم إلّا في تعميق أزمات البحر الأحمر، وإثارة تحفظات السودان وعدد من دول الإقليم (الأفريقية والآسيوية على حد السواء) تجاه هذا التصعيد.
أمّا بالنسبة إلى الأزمة السودانية الداخلية، فإن هجمات بورتسودان وقطْع العلاقات بين الخرطوم وأبو ظبي يؤشّران إلى تعمُّق التورّط الإماراتي، وتهميش أكبر لمصالح دول أخرى في السودان، من مثل مصر، والسعودية بدرجة أو بأخرى. كما يمنح قطع العلاقات قوات «الدعم» ذريعةً لا تعوَّض لإطالة أمد الحرب ونقل خطوط الصراع إلى شرق البلاد.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار