.
بقلم :سعد الله بركات
“كنت أبحث عن أديب نعمة…لمحت نعمى ،تحاورها منيرة ….قرأت الحوار …..فصرت أسيرا ”
صباحا.. ومصادفة ، حدّثتني الشاعرة زميلة المهنة، وصديقة الفكر والقلم ، منيرة أحمد ،عن إبداع الشاعرة نعمى سليمان ، وحين بحثت عدت بما يفي لزوّادة تذوّق شعري ماتعة ،ها أنا أفردها أمامكم .
حين قرأت قولها : ((إن توصيف نعمى الإنسانة يشبع وجودي)) *، وهي ترفع لواء الحبّ شعارا، أن (( إزرعوا ا الحبّ تحصدوا إنسانية )) ، وجدت نفسي أمام رفعة من السمو ، لابدّ وأن تشعّ إبداعا راقيا محمّلا بقيم وعبر ثرّة ،وماهي مهمة الأديب غير هذا ، لم يطل انتظاري حتى قرأت قصيدتها :
“أعبر ُ على رغبتي
أفرش ُ الوقت َ ضياء
أنثر ُ الفرح َ
فيعلق ُ في جلباب ِ المساء
نعم
المساء بيدر ُ المواعيدِ
يا حارسة َ الظلال ِ
أنا هنا
لا وجه َ لي
كالريح ِ
أجول ُ على الجهات ِ
أخطف ُ أخضر الشّجر ِ
وأزرق َ السماواتِ..”
هذه القصيدة وغيرها مما قرأت، جعلتني استحضر الشاعرة منيرة أحمد ، وهي تصف يراع” نعمى” بقولها :
” تهطل كلماتها ناعمة كاسمها ، مبلّلة الأطراف بنعميات الحرف والمعنى، رشيقة الطلّة … باسمة القلب … عاشقة للجمال … كما لحرفها الأول ” لم نغرق في التوصيف وعبق شعر ” نعمى” يتضّوع على حروف القصيد ومابين السطور ، و من:
” القرنفلُ البعيدُ”
((صارَ يماماً
وتقطفُ الأمّ الدمعَ
من عينِ الألم
اليمامُ يطيرُ
صوبَ وطنٍ
وعاشقةٌ تجدلُ
انتظارها
أتراها حبيبةُ
ذاك البطل ؟))
” نعمى سليمان” الإنسانة كما توضّح وتضيف :” لأن الإنسانية هي الأساس في زمن الماديات وزمن القبح.. أنا نعمى المدرّسة والعاشقة للجمال …, المؤمنةُ بأنّ الحبّ يخلق عالماً يمطر خلقاً ” وكأنها تؤكد أن الحبّ أساس الأخلاق وبناء مجتمعات السعادة والفرح:
” رائحة القرفة
تأخذني لأقاصي الحنين
رحم الأمس مكتظ ٌ بالذكريات
وغدي يعانقُ الحلم
حلمي المشبع ِبالفرح ِ
قال لي أبي :
تمسّكي بالحب
وازرعي في دروب الفجر
ابتسامة ً
تقطفين القبل َ
من ثغر ِ الورد
هو العطر
ارتشاح الروح ِ
من مسام الحياة”
علاقة شاعرتنا ،مع الكلمة، علاقة عشق أزلي :”تربيتي كانت في بيت محب للثقافة والأدب والجمال ومن بين ما عزّز أبي رحمه الله في شخصيتي ،المطالعة وحبّ الكلمة ، ناهيك عن دراستي[الأدب الإنكليزي] التي لها جانب كبير في تأثيرها الجميل على كتاباتي ” :
” رغبةُ القلمِ في النومِ على جسدِ الورق،
ورسمِ الوطن قصائد
ترقصُ في هيكلِ النّون ”
*ومابين ،،النون،، ونعمى الشاعرة ، علاقة عشق آخر ،هاهي تعنون ديوانها الأول، (في هيكل النون) صدر 2018 عن دار ،،دال ،،بدمشق في 143 صفحة من القطع المتوسط ، يحتوي على /68/ نصاً شعرياً قصيراً ، لكن مهماً في المدلول، الذي اختزله الشاعر منذر يحيى عيسى حين زين الغلاف الأخير :
“نعمى …
صلاتها القصيدة في كل أوقاتها
وقد أدمنت التعبّد في هيكل النون المقدس
تطلق الدعاء مستديرا شهيا
كأرغفة مائدةٍ على قارعة الأمل
ترسم في دفاترها حدائق وردٍ وأغانٍ وآلهة
تمزجُ بين الأزرق والأزرق وبين الأخضر والضوء
فتولد معجزة ” الكاف والنون ”
نعمى شاءت أو لم تشأ.. تشارك في هذي المعجزة
وتكتب كالنوارس بمناقيرها على صحف البحر ما ترى – قصائد رؤيا حالمة
” نون والقلم ”
ونونُ ” كنْ ”
نون ” النسوة ”
ونون ” النوافذ ”
وكل نونٍ ، ترفلُ بالحنان
بشغفٍ تداعت لتقيم في هيكل نعمى
على خاصرة البحر المهرجان ”
وفي قصيدها من الوجدانيات الحياتية والوطنية ،مثل مافيه، نفحات أمل وعاطفة من حبّ شفيف لايفارق بوحها وهي تقدّسه بل وتكرّسه ، حين تطلق شراع قصيدها من سفوح بانياس وشواطئها السورية ليتهادى مع موج،، الأبيض المتوسط ،، على نحو ما تقول :
“بيني وبينك
صمت ٌ واشتياق ٌ
وكلمات
تعال َ ننثر النّور
ونرسم ما نشتهي
على جسد ِ السماء
سأرسم ُبالحاء حقل َ
قمح ٍ
و أهبه للجباه ِ السمراء
والسين هنا
سورة ُالأوطان ِ
ترددها سواعد ُ الشبان ِ
ويغتالني النون
نظرة ٌ من مقلة ِ ولهان
…..
إيه ٍ أيّها النبض ُ
هو الحُسن ُ مرهون ٌ
بالأوطان ِ”
في إهداء الديوان ، إلى روح أبيها ، قبل أن تخصّه وأمّها بقصيدتين في فاتحة الديوان لفتة من سموّ الوفاء ،مثلى” ألواني و الوطن ” مقام النون ” و…و… اشتهاءات الأحلام “وقصائد للفجر” اللتين فازتا بجوائز مسابقات،، العاديات ،، وفي الأخيرة تقول :
” من هنا يبدأ
دربُ الكبرياء
وتمتدُ السينُ
سماء قناديلها الشهداء
نورٌ أنا مقامُ الأنبياء
والواو وردٌ نابتٌ
على جنباتِ الوقتِ
بساتينَ رغبةٍ
وأبعد
والروحُ في مكمنِ الألمِ
تناجي ربّها بكلماتٍ بيّناتِ
يا أيّها الربّ
أنا الأمّ الصابرةُ الصامتةُ
هبني سلامك”
هاهي تنشد قصيدها لفجر الأمل القادم محفوفا ب،،قناديل الشهداء ،، ومحمولا على صبر أمهات يعلين لله النداء ، أن يهب بركة سلامه ، لتمحو آثار( العشرية السوداء) .
وخلال احتفاء جمعية العاديات في السلمية ،بديوانها هذا ، تحدّث الأديب مهتدي غالب قائلا ** :” شاعرة النون ،اختارتني أباً واخترتها ابنة ، قصيدة شفافة كنبع ضياء ، … ، دافئة كقيثارة محبة وعطاء .. صوتها غابات موسيقى .. وهديل .. حمائم الحروف .في عالم الأمل والفرح ، بولادة كنوز القصيدة ،المحبّة، الإنسانية ،التي تتجلى في لحظات من سكينة واطمئنان، آلهة التكوين من كاف ونون ، كاف الكتاب ونون القصيدة” .
“قمرٌ ،وزيتونة ،
وقصيدتي
سأزين بها
جيدَ الوطنِ
الوطنُ الذي تدلّى
فكان قابَ نبضةٍ وأدنى
كانَ شقائقَ نعمانٍ
وأبعد ….”
= الأديب محمد عزوز يقول إن نعمى، تعرف تماماً، أن الكتابة مسؤولية كبيرة ، وليت الكثيرين والكثيرات يتعلمون منها، وهذه قصائدها تصلّي في محراب نونها ، تعبق بالأنوثة ، بالعشق ، بحب الوطن ز جماليته ، قصيدة “نعمى ” تعيش وتحيا ، لأنها تعني التجدّد ، والشجرة التي تثمر في مواسمها ، تعانق الفصول عناق الأحبة “.
ـ الشاعر فائق موسى ، ينوّه إلى دلالات في باكورة نعمى فيقول :”النون في العنوان أقرب ما في دلالتها أنّها الحرف الأول من اسم الشاعرة ، وهي أيضا نون النسوة بدلالتها على أن كاتبة الكلمات أنثى في كل ملكاتها ، الحسية والمعنوية ..، وهي أنثى الوطن ونونه التي تختم كل مشاعر الانتماء “تراها ترتّل :
“في حضرةِ أنثى
يتوهُ في غيمهِ الماء,
………….
في حضرةِ أنثى
تقومُ القصائدُ من
صمتِ القوافي
تخرجُ الفراشاتُ
من سرةِ الوقتِ
وتفكُ الدهشةُ أزرارها
وتغفو على نهدِ الفرحِ
القصائدُ
وكل ما يقال من كلام”
ويتوقّف الشاعر موسى عند بنية قصائد شاعرتنا فيرى أنها ” غير عابئة بشكلانية شعراء الحداثة ، وهي تمزج بين الهمس والموسيقى ، فيأتي جرسها بلحن خفيف ، وأما اللغة الشعرية فاستمدتها من معجم الوطن والأرض ، وعمدت إلى استخدام الانزياحات اللغوية ، وتراكيب متأصلة متجددة ” .كما غرفها موضوعاتها من أعماق المجتمع معايشة أو معاناة
وفي جديد ،،نعمى ،، أمثلة وعظات سواء عبر ،،ومضة ،،:
“لا تسألوني عن الآباء
هم الأمان في الخوف
والبسمة حين بكاء
والقوة في الضعف
والملاذ حين يخذلك العالم
والعطر الذي تتعطر به للابد حتى تغمض عينيك”
أو عبر قصيدة :
” في هذي البلاد تنسى الله…
تنسى من أنت، ما انتماؤك ، تنسى طائفتك
وتدخل متاهة الإنسانية المفقودة
………
جثث جثث يتعثر بها المارة
لا مقبرة تتسع لكل الأحلام
على شجرة الغار علقت أمنياتي
أراها أناث تتهدل أثداؤها
يباب يباب والأثداء تنزّ الوجع
………
ذات يوم مررت بعرّافة عجوز
سألتني أتحبيّ الياسمين؟
قلت : لم أكن أعرف أن للياسمين مخالب
ابتسمت وأكملت الدرب
وأنا لا شيء يعجبني
تنبّهت شرودي وهمست
القلب لا يتسع لسواه يا بنيّة
حملت أحزاني ومضيت
في الشارع الصاخب
وجوه المارة تروي حكايا الحرب والفقر
………
أيتها البلاد لي فيك حبيب
سأكتب عن لؤلؤ عينيه
سأكتب عن رائحة المواعيد البعيدة
عن انتظارات بطعم الدهشة
سأكتب قصيدة أنثى
سازرّر ياقتها باسمه
وأعلن فصل خامسا
فصل الحنين ”
ولعلّ ديوان شاعرتنا المخطوط ،لا يتأخر صدوره، لتتحفنا بعبق جديد من قصيدها الذي يتضوع عبقه على المنابر ، وهي العضو الناشط في ملتقى بانياس الأدبي ، ورئيسة جمعية بانياس الثقافية ، وقد كرّمتها جمعية عاديات سلمية .
لا تهوى الشاعرة نعمى ، المطوّلات ، لعفوية بوح ، أو مجاراة لروح عصر وناشئة لاهثين مع السرعة ، كما لا تقارب القصيدة العمودية ، تراها تطلق عنان قصيدها في فضاء من الحرية والطموح ، بعيدا عن أية ، قيود، لكنها تتقن فن الومضة بدلالاتها المكثّفة :
“على مشارف الصباح
أخيط الوجع
أزرّر معطف الغياب
أخبىء الشوق وأمضي”
********
” في حوار الضوء والنعم
كنت أسير الكلمة”
*الكاتب الإعلامي سعدالله بركات
========
*حوارها و منيرة احمد ، 29\12\2015
** آراء النقاد من مقالة للصحفي حسان نعوّس – جريدة الفداء الحموية 22\1\2019
(سيرياهوم نيوز ٣)