رائد الحواري
” قمــــرُ الجليل..محمود درويش …في حضرة الغياب ”
أحدَ عشـــــرَ كوكباً
تغفو في ســـــماءِ الجليلْ
والشــمسُ
لمن تُعدُّ قهوتَـــها
وأنتَ تُطاردُ خيولَ الشِعْرِ
في المدارِ الجديدْ؟
الآنَ :
هل أدمنتَ الغيابْ؟
وهل أغوتكَ دروبٌ تُخمّرُ الدمعَ؟
فتسلقتَ حبالَ أحلامكَ
مرافقاً عصافيرَ الغناءِ
في زرقةٍ تتناسلُ برتقالاً
و تصيغُ بحوراً للأرضِ
كانت
تجيءُ كما تشاءْ
وتركتَ حصانكَ البريَّ
يحمحمُ في صقيعِ وحدتهِ
ويخوضُ في الأملِ البعيدْ …
*** ***
أيها العاشقُ النبيلُ :
مُتفرداً في رؤاكَ
كنتْ
وقد حاربتَ بالموتِ موتكَ
وانتصرتْ
ومثلَ “يوسفَ” ملكاً
إلى بلادٍ تعشقُ الخبزَ
وتمجّدُ الليمونَ
عُدتْ
حيث الأخوةُ في صراعِ الوهمِ
وجراحاتِ الدماءِ
يغتالونَ حلماً جميلاً
من أجلهِ
ناورتَ المدائنَ والقرى
و أطلقتَ أناشيدَ
في حناجرَ قبراتِ سهولكَ
وما اكتفيتْ
هزمتَ الموتَ بهديلِ حمامٍ
يصلّي في شرفاتِ المآذنِ
وحرمِ المغارةِ و القبابْ
وبقهوةٍ عربيةٍ
توقدُ نارها أجملُ الأمهاتْ
وصارعتَ الرماديَّ
في كل شيءٍ
فكيف تدخلُ في الرمادْ؟
وأنتَ من غنّى
لاخضرارِ الزعترِ البريّ
قداساً يزيّنُ طقوسَ الصلاةْ
وناديتَ كثيراً
لتقاسمِ الحياةِ
حتى مع من يكرهونَ لغيرهِم الحياةْ …
*** ***
طويلاً
صارعتْ موتكَ
وعلى عرشكِ استويتْ
لكنهُ بقوةٍ إليكَ عادَ وعادْ …
وأنت في حضرةِ الغيابْ
لا تخجلْ
من دموع الأمِ
وأنينِ الكلماتْ …
عنوةً
يعودُ إليكَ الموتُ
فأنتَ الآنَ حرٌّ
وأنتَ من أكدَ أنًّ :
“على هذهِ الأرضِ ما يستحقُ الحياةْ “.
*** ***
في غيابكَ
حضوركَ الآنَ أكثرْ
وأنتَ الشاهدُ
على موتٍ رأيتَ قبلَ أن تموتْ …
سلامٌ على الجليلِ
و عرسِ “قانا ”
ومعجزةِ المسيحِ
فمن نقاءِ الماءِ على عرشهِ يستوي الراحُ
حيثُ ينبتُ العطرُ في الترابْ
فهذهِ الشمسُ
تُعدُّ قهوتها في أولِ النهارْ
وتمنحُ دفئهُ للآتينَ من خلفِ الضبابْ
فكنْ منهم
و دَعِ الموتَ وحيداً
فالقمرُ هناكَ يحرسُ
زهرَ اللوزِ
وقصائدَ الشعراءْ …
حضوركَ الآنَ
يستهوي بلاداً كنتَ عاشقها
و كانَ غناءكَ العذبُ السلاحُ
” ذهبَ الذين نحبهم ”
وتظلُ قامةَ شِعركَ
في صدورِ أعداءِ الحياةِ الرماحُ …”
من مهام الأدب/ الشعر إحداث المتعة لمتلقي، وتقديم فكرة نبيلة، وطنية/ إنسانية تخدم المجتمع، وإذا استطاع الشاعر/الأديب تحقيق هاتين المسألتين يكون مبدعا، فالأدب/الشعر عندما يكون حاملا لفكرة ما، يحتاج إلى مجهود استثنائي وطريقة/لغة أدبية تخدم الأدب والفكرة معا، الشاعر “منذر يحيى عيسى” استطاع أن يجمع بين هاتين المسألتين في “قمر الجليل” التي يتحدث فيها عن “محمود درويش” مختزلا سيرته كشاعر، وكفلسطيني، فهناك العديد من (الإشارات) التي تدل على أن القصيدة كتبت ل”درويش” وعن “درويش”
الشاعر يعتمد على إيجاد ما يشير إلى أن المقصود هو درويش، إن كان من خلال العنوان: “محمود درويش.. في حضرة الغياب” أو من خلال ما جاء في القصيدة: “عصافير، سلاما على الجليل/عصافير تموت في الجليل، الغناء/ هي أغنية، وتركت حصانك/لماذا تركت الحصان وحيدا، العاشق/عاشق من فلسطين، في حضرة الغياب، زهرة اللوز/كزهرة اللوز أو أبعد” هذا على مستوى الدواوين، أما على صعيد القصائد فالشاعر يشير إلى مجموعة من القصائد من خلال التناص معها: “أحد عشر كوكبا/أنا يوسف يا ابي، لمن تعد قهوتها، توقد نارها اجمل الامهات، تعد قهوتها من أول النهار/ إلى أمي، بحور للأرض، إلى فدوى طوقان: إنني العاشق والأرض حبيبة، حاربت بالموت موتك/الجدارية: هزمتك الفنون كلها، هزمت الموت بهديل الحمام/يطير الحمام يحط الحمام، لاخضرار الزعتر البري/ أحمد العربي، فأنت الآن حر، ذهب الذين تحبهم/ قصيدة بيروت، على هذه الأرض ما يستحق الحياة” نلاحظ أن الشاعر ينحاز للقصائد الإنسانية في حياة “درويش” فقصيدة “إلى أمي” تم الإشارة إليها في أكثر من موضع، فالأم هنا أم حقيقية وليست رمزية، وقد أراد بها الشاعر التنويه إلى حجم معناة الفلسطيني الذي يبتعد عن أمه/عن أهله، أما عن المعاناة التي مر بها “درويش” فقد نوه إليها من خلال الجدارية وكيف صارع الموت فيها: “وقد حاربت بالموت موتك وانتصر” أما المسألة الوطنية وأثرها في درويش فنجدها في قصيدة بيروت وعصافير الجليل، وما ذكره للجليل كمكان، إلا من باب التأكيد ارتباط الفلسطيني بالمكان، ونجد حضور المكان من خلال رمزية البرتقال: “زرقة تتناسل برتقالا، فالشاعر بهذا الرمز/البرتقال أعدانا إلى فلسطين التاريخية وليس إلى ما احتله منها في عام 67، وبهذا يكون “منذر يحيى عيسى” قد أعطى صورة وافية عن “درويش” وعن المكان الذي ينتمي له.
ونلاحظ أن هناك تأكيد على اجتماعية الفلسطيني من خلال: “يصلّي في شرفاتِ المآذنِ، سلامٌ على الجليلِ وعرسِ “قانا “ومعجزةِ المسيحِ” فالتعدد والتنوع الديني في فلسطين/سورية يعد أهم سمية تميز هذه البقعة من الأرض، بمعنى أنها أرض لكل أهلها بصرف النظر عن دينهم/ملتهم وهذا يمثل رد ـ غير مباشر ـ على أولئك الذين يريدونها لجماعة دينية بعينها.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر
(سيرياهوم نيوز ٢-الحوار)