مالك صقور
في خضم ما يجري في هذه الأيام في العالم ، ولا سيما في العالم الثالث ، وتحديدا في مشرقنا البهيج – مهد الحضارات ، وينبوع الديانات ..قررّ صاحبي أن يغلق المحطات الفضائية ، ويلغي الشبكة العنكبوتية ، وينزع بطارية الهاتف المحمول ، حتى ويفصل الهاتف العادي ( الأرضي ) . فما عاد يستطيع العيش والصبر في هكذا ظروف . فأغلق على نفسه صومعته ، وكتب على الباب بيتاً من قصيدة مشهورة للمتنبي :
ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن
يسيئ بي فيه كلب وهو محمود
ولما كان لا غنى لنا عنه ، خاصة أنا ، فهو أستاذنا الجليل ، وهو مرجعنا في كل شيئ .. فهو أستاذ في الفلسفة وفي علم الأجتماع ، وعلم السياسة ، ويعرف تاريخ الأمتين ، وكتبه تغني المكتبة العربية ، ولهذا كله ، يعز علينا أن نخسره ، ولا نسمع رأيه ووجهة نظره في وقائع الأحداث الساخنة والخطرة ..
تجرأت واقتحمت خلوته ، وأزعجته ، وقلت معاتباً : لا نستطيع من دونك ، ونحن بحاجة إليك ، بحاجة إلى رأيك . فقال : أولاً كما يقول الإمام كرم الله وجهه : ” لا رأي لمن لا يطاع ” . وثانياً : ألا يحق لإنسان مثلي وقد ذرفت على الثمانين ، أن أرتاح بعض الوقت ، من وجع الرأس ونفخ القلب . ألا يحق لي أن ارتاح فلا أسمع الكذب والرياء والنفاق ؟ يا بني ، أعصابي ما عادت تحتمل مناظر العنف ، ولا الحروب ، ولا الجرائم المنظمة ، والقتل الوحشي ، ونحن في نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين ، الذي يمتاز بالتطور وثورة المعلوماتية والأتصالات ، والذكاء الاصطناعي ..ألخ .. ومع كل ذلك أنظر إلى روسيا وأوكرانيا ، فهل تعلم عدد الضحايا من الجانبين ، وحجم الخراب ، انظر إلى فلسطين وغزة والضفة الغربية ، واستباحة الكيان الصهيوني لكل شيئ ، حتى استباح جبل الشيخ والمنطقة الجنوبية برمتها والمنطقة العازلة أيضاً ، أمام العالم كله ، وكأن شيئاً لم يكن .أنا أدين النظام العالمي ، والحكومات العالمية ، فهي في مكان وشعوبها في مكان ..
فأردت أن أقلب الصفحة وأغير الحديث ، ربما أخفف عنه ، وأردت أن أعود به إلى الفلسفة .لكن خطر ببالي السؤال التالي : أستاذنا الجليل ، على ذكر الشعوب .. هل يوجد شعب على الكرة الأرضية يعتبر شعبا سعيداً ومطمئناً ؟ ويعيش البحبوحة ، ومرتاح الضمير ، هادئ البال ؟
صمت الأستاذ برهة وابتسم ،( وكأنه عرف أني أريد أن أغير الحديث عن القضايا الساخنة الراهنة التي تقض مضجع كل ذي عقل ..) وقال نعم يوجد .. وتناول من مصنف تحت يده ، مقالة ، وقال خذ هذه المقالة ، عثرت عليها منذ أيام ، بين أوراقي الكثيرة ، وقد ترجمتها ، ولم تنشر، وهي منقولة عن تحقيق صحفي أجرته مجلة
(نيديليا )- الأسبوع – السوفييتية ، الصادرة في موسكو في الخامس من كانون الأول عام 1964 .
قرأت المقال ، واكتشفت جهلي ، فأنا لم اسمع بشعب يدعى ( شعب الهونزا ) .. فقال وهل تعلم لماذا يعيش شعب الهونزا سعيداً ؟ قلت ربما لأن يعيش بعيداً عن الحضارة . فقال : لا ، إنه شعب لا يريد المال .
استأذنته بنشر مقتطفات من المقالة في موقع ( اخبار سوريا الوطن-سيريا هوم نيوز ) ، فسمح بذلك ..
جاء في المقالة : ” في كل عام ينزل رجلان قويان من الجبال في القسم المتطرف الشمالي من بلاد الهند ، يقومان برحلة طويلة جداً مشياً إلى مدينة بومباي ، ليقابلا الأغا خان . والرجلان هما رسولا شعب الهونزا المحير ، الذي يسكن في جبال همالايا على ارتفاع ألفي متر ..
يظهر هذان الرجلان بمظهرغريب ، رجلان قويان ، يتمتعان بقوة ونشاط بعد رحلة شاقة طولها ألف كيلو متر عبر البلاد ، حيث السهول والصحارى ، والجبال والغابات ، فحسب أعراف هذا الشعب وتقاليده ، يذهب رسل منهم إلى بومباي لكي يسلموا التبرعات التي جمعها شعبهم إلى الأغا خان ، لأن الشعب لا يهمه المال ولا يجد سعادته في المال ..
لكن المقالة لم تنته بعد !
فمن هو شعب الهونزا ؟ ولماذا هو سعيد ؟ وأين يسكن وكيف يعيش ؟
للزاوية القادمة ..
(موقع اخبار سوريا الوطن-2)