حسني محلي
بعد أيام من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، جاء الشيخ تميم إلى طهران ليُثبت للعالم “أن قطر كما هي”. وهو ما سوّقه الإعلام القطري، والإسلاميون الموالون لتميم وحليفه الرئيس إردوغان، على الرغم من تخلي الأخير عنهم جميعاً في مقابل “غرامه الجديد” مع هرتسوغ ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان، وقريباً مع السيسي.
وبغياب اهتمام الإعلام السعودي والإماراتي والمصري أيضاً بالزيارة، أبرز الإعلام القطري والذباب الإلكتروني للإسلامويين من أتباع الدوحة، الجملة التالية من حديث الشيخ تميم في المؤتمر الصحافي مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وقال فيها “إن دولة قطر تؤمن باحترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، واحترام حُسن الجوار وحل الخلافات والنزاعات عن طريق الحوار. وإن التزام هذه المبادئ هو مفتاح الحل لجميع الخلافات والأزمات الموجودة في المنطقة”.
أتباع الدوحة عَدّوا هذه الكلام “انتقاداً علنياً من الشيخ تميم للإيرانيين في عقر دارهم، لأنهم يتدخّلون في سوريا واليمن والعراق ولبنان، والمنطقة العربية بصورة عامة”.
وعدّها البعض رسالة من الشيخ تميم إلى الحليف الاستراتيجي بايدن، في محاولة منه لإثبات مزيد من الولاء له، مقارنة بـ”المحمدين”، ابن زايد وابن سلمان، مع اقتراب موعد الزيارة التي سيقوم بها للمنطقة في إطار الترتيبات الأميركية الجديدة لضمان مزيد من التطبيع مع الكيان الصهيوني، واستسلام الأنظمة العربية والإقليمية له.
ويفسّر ذلك تهرب الأنظمة الخليجية من مهاجمة “تل أبيب” واتخاذ موقف عملي ضدها بعد اغتيال جيش الاحتلال الإسرائيلي للزميلة شيرين أبو عاقلة. وهو ما لفت الانتباه إليه آية الله السيد علي خامنئي، عندما قال، خلال استقباله تميم، “إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتوقع من العالم العربي أن يدخل، على نحو صريح وعلني، في ميدان العمل السياسي ضد هذه الجرائم، بما فيها أحداث منطقة الشيخ جراح، بحيث إن دعم بعض الدول العربية للشعب الفلسطيني، فيما يخص تلك الأحداث، لم يرتقِ حتى إلى مواقف بعض الدول الأوروبية، فهي لم تتّخذ أي موقف عملي”.
كلام السيد خامنئي هذا، يبدو واضحاً أنه لم ولن يحرّك عواطف الشيخ تميم ومشاعره، حتى لو كانت الزميلة شيرين مراسلة “الجزيرة” منذ 25 عاماً، وهو ما لم يغيّر سياسات الإعلام القطري، الذي خدم، بصورة ذكية جداً، المشروع الإمبريالي الصهيوني، كما يخدمه الآن في أوكرانيا، عبر تمجيد “انتصارات النازيين”، من خلال أخباره وبرامجه، وكل ذلك بالتنسيق والتعاون مع واشنطن وحلفائها في أوروبا.
ومن دون أن يتذكّر الشيخ تميم أنه هو، ومن قبله والده الشيخ حمد، كانا من حماة أمثال هؤلاء النازيين، بصبغة إسلامية، بحيث فعلوا جميعاً فعلتهم في سوريا والعراق، فجاءوا بعشرات الآلاف من “النازيين المتأسلمين” من جميع أنحاء العالم، وأدخلوهم سوريا، باعتراف رئيس وزرائه السابق الشيخ حمد بن جاسم.
كما لم يتذكّر أتباع الشيخ تميم، الذين باركوه لأنّه “هاجم إيران في عقر دارها”، أن قطر هي التي تآمرت على سوريا، وهي التي تدخّلت في سوريا والعراق، وهي التي انتهكت سيادة هذين البلدين، وهي التي دعمت أعداء هذين البلدين، وهي ما زالت كذلك، بالتنسيق مع الرئيس إردوغان، حليف الشيخ تميم الاستراتيجي. وهذا أيضاً باعتراف حمد بن جاسم. ومن دون أن ننسى أن تميم أيّد العدوان الخليجي على اليمن في آذار/مارس 2015، لكنه تراجع عن هذا التأييد لاحقاً في إطار تقاسم الأدوار داخل السيناريو الأميركي ـ الصهيوني، الذي جمع الشيخ تميم ومحمد بن سلمان وطحنون بن زايد، في البحر الاحمر، في الـ17 أيلول/سبتمبر 2021. وبعد أن حقّق هذا السيناريو عدداً من أهدافه، ليس فقط عبر تدمير سوريا والعراق واليمن وليبيا، وإلحاق مزيد من الأضرار بلبنان ومصر وتونس، وضع المنطقة تحت الوصاية الإسرائيلية، بصورة مباشرة أو غير مباشر، بعد استسلام الأنظمة العربية والرئيس إردوغان لـ”تل أبيب”.
يفسّر ذلك تهرّب أنقرة من استهداف “إسرائيل” واتهامها بجريمة قتل الزميلة شيرين، ورجّحت على ذلك التصعيد ضد الرئيس الأسد خلال الحديث عن اللاجئين السوريين، ليقول إردوغان وقادة حزبه “إن تركيا لن تسلّم السوريين إلى نظام قاتل ودموي”، في إشارة منه إلى استمرار السياسات التركية – القطرية ضد سوريا، والمنطقة بصورة عامة.
والتقطت “تل أبيب” هذه الإشارة بسرعة، فصعّدت عملياتها ضد سوريا ردّاً على التحالف السوري – الإيراني الجديد، وكاستفزاز آخر ضد روسيا للاطّلاع على إمكانات ردها على التكتيكات الإسرائيلية الجديدة ضد سوريا مباشرة. وهو ما صادف الهجوم الإرهابي ضد الجنود السوريين غربي حلب، وهي المنطقة التي لم تشهد أي عمل إرهابي من هذا النوع منذ أكثر من عامين. وصادف كل ذلك لقاء محمد بن زايد ومايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، ويعرف الجميع أنها تُدير كل علمياتها العسكرية في المنطقة من قاعدتي العديد والسيلية في قطر.
وعودة إلى الفقرة الثانية من هجوم الشيخ تميم على إيران “في عقر دارها”، بحيث “أكد ضرورة حلّ الخلافات والنزاعات في المنطقة عن طريق الحوار”، فالجميع يعرف أن تميم وحليفه الرئيس إردوغان هما ضد أي نوع من أنواع الحوار الصادق والمباشر مع دمشق من أجل إنهاء الأزمة السورية، وهو ما يتطلّب في الدرجة الأولى وضعَ حدّ نهائي للتدخل التركي في سوريا، في كل أشكاله، وهو ما يحظى بدعم من الشيخ تميم، سياسياً ومالياً. ويعرف الجميع أنه يعرقل عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وذلك بالتنسيق مع واشنطن والعواصم الغربية، ومع “تل أبيب” أيضاً.
وما على الشيخ تميم إلّا أن يُثْبت نيّاته الصادقة فيما يتعلق بأقواله في طهران، وهو ما يتطلّب منه موقفاً واحداً فقط، ألا وهو الاعتذار إلى الشعب والدولة السوريَّين بسبب ما ارتكبه هو، ومن قبله والده، بحقها، ليس فقط بعد عام 2011، بل أيضاً قبل ذلك، عندما أخفى نيّاته خلف علاقاته الودية بدمشق اعتباراً من عام 2003، وبصورة خاصة بعد الانفتاح التركي على سوريا بعد استلام حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا، وليس هناك أي مؤشّر على أي تغيير في هذه النيّات!
(سيرياهوم نيوز3-الميادين15-5-2022)