الظروف الجديدة ملائمة لإنقاذ العراق

البروفيسور كمال مجيد

بعد احتلال بغداد في 9 نيسان  سنة 2003  تغيرت الظروف الداخلية في العراق بصورة جذرية حيث مزق العدو المحتل  شعبنا الى السنة والشيعة والاكراد. ثم اشعل حربا ً طائفية  بين السنة والشيعة ، بحجة ” اجتثاث البعث ” او بحجة محاربة المتمردين في ” المثلث السني “. و حسب المقالة الافتتاحية لرأي اليوم الغراء في  2023/ 3/ 11 تم قتل أكثر من مليون عراقي، خاصة  لأن الحرب توسعت من تلعفر، في الشمال،  عبر الفلوجة والقائم  ومدينة الثورة  والنجف حتى البصرة. وحين نجحت امريكا في العراق قررت تعميم العداء الطائفي بين مسلمي كل العالم وخاصة عن طريق توجيه الحكومات السنية ضد ايران بذريعة كونها “رأس الافعى.”

بحجة الديمقراطية  فرض المندوب السامي بريمر دستورا ً يقسم البلاد الى  فيدراليات بصورة تعطي الحق لمسعود البارزاني، مثلاً،  ليفرض قراراته على الحكومة في بغداد. فحين فشل البرلمان المزيف ، لسنة كاملة ، من اختيار رئيس الوزراء، اضطر قادة العملية السياسية الى إرسال هادي العامري، الى اربيل ليقنع مسعود باعطاء محمد السوداني  حق تشكيل الحكومة الحالية. وافق مسعود  على شرط ان ينال، ساعده الأيمن فؤاد حسين، منصبي نائب رئيس الوزراء  ووزير الخارجية وعلى شرط تجميد قرار المحكمة الاتحادية الذي منعه من السيطرة على نفط الشمال .

لقد سبق وفشل البرلمان  أيضا ً في تشكيل الحكومة لثمانية أشهر فسافر  قادة العملية السياسية الى اربيل لقبول اوامر مسعود باعطاء نوري المالكي حق تشكيل الحكومة.

لقد اتضح ان الديمقراطية التي تتبجح بها  امريكا لا تشير الى ان الشعب الكوردي لا ينتخب، ابدا ً، أي فرد من عائلة مسعود  البارزاني لأي منصب  حكومي، حالها حال عائلة جلال الطالباني. يعمل أفراد  العائلتين على فرض سلطانهم الحزبي على الاكراد بل على كل  العراق بصورة وراثية مستمرة.

والاتعاس يتدخل القادة العسكريون الأمريكان في شؤون الحكومة العراقية. بهذا الخصوص لابد من  ذكر شهادة أحمد الجلبي حول منع  الجنرال كيسي اهتمام نوري المالكي بالكهرباء لإجباره على التركيز  على محاربة الثورة القائمة ضد الاحتلال. لم تبق للمالكي مهمة اخرى سوى حماية جورج بوش من احذية منتظر الزيدي. هذه  الامثلة تفضح مضمون الديمقراطية الامريكية.

ان تجربة الاحتلال لعشرين سنة تؤكد على أن  الوضع المزري في العراق لا ينتهي دون طرد المحتل الصهيو امريكي. ان الظروف الموضوعية الجديدة التالية تلعب دورا ًمهما ً لتحقيق هذا الهدف النبيل: 1 – الحرب في أوكرانيا: اصيبت  الولايات المتحدة من جديد بأزمة عويصة نتيجة هذه  الحرب الى درجة يذكر الاعلام الغربي، سكاي نيوز العربي مثلا ً في 2023/3/13، احتمال ((إفلاس النظام المالي نتيجة فقدان الثقة بالدولار.))

 ولهذا  تم الإعلان عن إفلاس ثلاثة بنوك هم Silver gate و Signature  و Silicon Valley . والبنك الاول عملاق  يأتي بالدرجة السادس عشر  بين أكبر البنوك، برأسمال قدره 200 بليون دولار.

شرح البروفيسور الامريكي  ريتشارد وولف، مؤسس منظمة  (( الديمقراطية في التطبيق)) على مواقع التواصل الاجتماعي ان الحرب في أوكرانيا أثرت بصورة سلبية على  الوضع الاقتصادي  في الولايات المتحدة. انه اشار الى

 ان قيام حكومة بايدن بصرف ما مجموعه مئة بليون دولار، لإنقاذ حكومة زلينسكي من الانهيار، أنتج تضخما ًماليا ً في السوق الأمريكي  بما لا يقل عن 9%. لإيقاف هذا  التضخم عند حده  اضطر البنك الفيدرالي  الى رفع الفائدة على الديون الى أكثر من  4%. الأمر الذي قلص المعاملات التجارية الضرورية وانخفض مستوى المعيشة لعشرات الملايين وارتفع عدد العاطلين عن العمل الى 14 مليون .  شملت البطالة حتى  50 الفاً من موظفي غوغل وأبل

 العملاقتين، كما جاء في برنامج  Newsnight  على تلفزيون BBC ليلة 2/3/2023.

امتازت الحكومة الامريكية لعقود بتشجيع  شركاتها العملاقة فتح فروعها في أنحاء العالم بحجة “العولمة”. إلا أن انتشار البطالة، كنتيجة للحرب، أجبرت الحكومة على تشجيع هذه الشركات بملايين الدولارات لتعود الى الداخل لفتح او توسيع فروعها بغية تخفيف أزمة البطالة الخانقة.

جاءت الحرب بعد ان بلغت الخلافات السياسية ذروتها. الى درجة أخذت الصحافة الأمريكية تنذر بالحرب الاهلية كما أعلن توماس فريدمان في نيويورك تايمز في  6/5/2021  بالقول (( نحن لسنا بخير. لا تزال ديمقراطية امريكا في خطر حقيقي. في الواقع نحن اقرب الى حرب اهلية سياسية أكثر من أي وقت آخر في تاريخنا الحديث. ))

ومؤخرا ً انتشرت المخدرات والسرقات و حالات الانتحار و توسعت استخدام السلاح الفردي، المسموح دستوريا ً، في الهجوم على محلات الدراسة والعبادة .

كما نقل  جون سوبل ، مراسل بي بي سي  في 2021/4/27  حول  ((مقتل 13000 مدني امريكي في الاشهر الثلاثة الاولى )) من تلك السنة وحدها.

هذه الحقائق تؤكد ان امريكا ليست في وضع تستطيع فيه فتح جبهة ثانية في العراق، إضافة ًلاوكرانيا، لمقاومة انتفاضة العراقيين ضدها.

  2 – القطب الصيني الروسي الجديد: بعد انهيار الاتحاد السوفياتي نجحت الصين الشعبية في تطوير الاقتصاد الوطني بأسلوب اسطوري. لقد ارتفع مستوى معيشة الناس بشكل شرحه البروفيسور الأمريكي ستيغليتز سنة 2020  أمام عدسة التلفزيون بالقول  ان ((  الحزب الشيوعي الصيني تمكن من رفع المستوى  الاقتصادي لبليون شخص عشرين ضعفا ً.)) وبسرعة مدهشة نالت الصين الشعبية اعجاب المراقبين في  أنحاء العالم. لقد أعيدت العلاقات الايجابية بين الصين وروسيا وتم تشكيل منظمة شنغهاي الاقتصادية و منظمة بريكس بمشاركة الهند والبرازيل وأفريقيا الجنوبية معهما. هكذا تشكل قطب جديد يشمل 40% من سكان العالم.

نال هذا القطب استحسان العديد من البلدان الى درجة  بلغ عدد الذين يحاولون الاشتراك في منظمة بريكس او في منظمة شنغهاي 20 دولة بينها الأرجنتين و الجزائر والعربية السعودية وإيران وباكستان و اندونيسيا..  لقد وقع عدد كبير من الدول، خاصة ألمانيا وإيطاليا وتركيا وماليزيا وفنزويلا، الاتفاقيات  الاقتصادية والتجارية  مع القطب الجديد في حين  اقتربت  منه عسكريا ً كل من إيران وسوريا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وكوبا وفيتنام وجنوب السودان ومالي وبوركينا فاسو ونيكاراغوا .

مع توسع  القطب الجديد  بدأت الشعوب المنكوبة في آسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية بما في ذلك العراق، تدرك  بأنها تستطيع الاستفادة من الوضع الجديد في نضالها التحرري  ضد القطب الصهيو امريكي الهرم. أن نمو وانتعاش القطب الصيني الروسي الجديد عامل محفز لقيام الشعب العراقي برفض الهيمنة الأمريكية المتقهقرة.  ان الظروف العالمية الجديدة تعرقل امريكا من القيام بثورة ملونة ضد شعبنا كتلك التي لعب ازلام امريكا في “المجتمع المدني” في تشرين 2019 دورا ً قذرا ً في  إسقاط حكومة عادل عبد المهدي التي اقتربت من الصين..

 3 – الاتفاق السعودي الايراني: يخصوص هذا الاتفاق يقول عبد الباري عطوان في رأي اليوم في  2023/3/13 : انه (( سيُغيّر الخرائط الاستراتيجيّة في مِنطقة الشّرق الأوسط والعالم، … بل قد يُسرّع بإنهاء النّفوذ الأمريكي كُلّيًّا في المِنطقة، وربّما دمار “دولة إسرائيل. )) ذلك لأن الاتفاق سوف يحقق  (( المُصالحة بين مذهبيّ العالم الإسلامي الأبرز، أيّ الشيعة والسنّة، وقطع الطريق كُلّيًّا على كُلّ أشكال التحريض الطائفي لتأجيج الفتنة والانقسام الذي تقف خلفه الولايات المتحدة و”إسرائيل.)) يثني  محمد جواد الميالي ( نفس المصدر في 2023/2/12 ) ما أكده عطوان. بخصوص العراق  يقول الأخ محمد  (( يمكن لهذه الإتفاقية أن تشجع مختلف الجماعات الشيعية والسنية على السعي للتوصل الى حلول سياسية سلمية وشاملة، بدلاً من اللجوء إلى العنف والإرهاب.)) في حين أكد البروفيسور طارق لبساوي ، المختص في اقتصاد  الصين على (( … إن استئناف العلاقات الطبيعية بين إيران والسعودية ضرورة حتمية …و لا بد في هذا السياق أن نشيد بالدور الإيجابي الذي لعبته وساطة الصين … كما أن هذا الاتفاق مؤشر على تغير في موازين القوى و خروج تدريجي لأمريكا من المنطقة و دخول متصاعد للصين . )) (نفس المصدر والتأريخ.)

في 2023/ 3/ 13 نشرت واشنطن بوست لتنذر ((  الدور الذي قامت به الصين في هذا الاتفاق ربما يستهدف توجيه رسالة للقوى العظمى، ومن بينها الولايات المتحدة  مفادها أن محور الشرق الأوسط يتغير… و أن الاتفاق يبعث برسالة رمزية “ قوية جدا ” نظرا لتوقيعها قبل أيام فقط من الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق. ))

 ليس من شك ان الاتفاقية السعودية الايرانية عززت الامان للعراقيين من السنة والشيعة وستلعب دورا ً ايجابيا ًلاعادة الوحدة الوطنية التاريخية للنضال ضد العدو الصهيو امريكي المحتل. وايضا ً أنها ستقوي الوحدة النضالية لشعبنا مع الشعبين الشقيقين  المجاورين..

كل هذه الحقائق تبشر بتغيّر الظروف الموضوعية  لصالح الحركة التحررية العراقية. فلننسى الخلافات القائمة ونوحد جهودنا لإنقاذ عراقنا والى الامام!

 

سيرياهوم نيوز  4_راي اليوم