آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » العامل الأميركي في التصعيد الأخير بين الصين والفلبين

العامل الأميركي في التصعيد الأخير بين الصين والفلبين

شاهر الشاهر

 

أصبحت منطقة بحر الصين الجنوبي المنطقة الأكثر سخونة في العالم بعد أوكرانيا، ليس لما تتمتع به من أهمية استراتيجية وثروات طبيعية فحسب، بل لقربها أيضاً من الصين التي باتت اليوم أهم قوة عالمية.

 

العامل الأميركي في التصعيد الأخير بين الصين والفلبين

العامل الأميركي في التصعيد الأخير بين الصين والفلبين

تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة بحر الصين الجنوبي عبر عقدها تحالفات عسكرية مع أكثر من 5 دول لديها خلافات حدودية مع بكين في تلك المنطقة.

 

وتحتفظ الولايات المتحدة بـ16 قاعدة عسكرية تطل على بحر الصين الجنوبي، إضافةً إلى الاتفاقيات الأمنية والتحالفات العسكرية التي نسجتها واشنطن مع دول المنطقة بهدف تطويق الصين واحتوائها.

 

لذا، أصبحت منطقة بحر الصين الجنوبي المنطقة الأكثر سخونة في العالم بعد أوكرانيا، ليس لما تتمتع به من أهمية استراتيجية وثروات طبيعية فحسب، بل لقربها أيضاً من الصين التي باتت اليوم أهم قوة عالمية، لأنها تعمل على صياغة نظام عالمي أكثر عدلاً بالتعاون مع حلفائها، وخصوصاً روسيا وإيران وكوريا الشمالية.

 

ثمة إرث تاريخي يدفع الصين إلى الدفاع عن حقوقها في منطقة بحر الصين الجنوبي الذي تبلغ مساحته نحو 3,5 مليون كم2، إذ كانت أول من اكتشف جزر بحر الصين الجنوبي بعد استعادة السيادة عليها من المحتل الياباني بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.

 

قامت بكين حينها بتوثيق أحقيتها في منطقة بحر الصين الجنوبي بعدد من الوثائق القانونية، مثل بيان حكومة جمهورية الصين الشعبية حول المياه الإقليمية عام 1958، ثم قانون المناطق الاقتصادية الخاصة عام 1998.

 

من هنا، فإن الموقف الصيني مما قامت به البحرية الفلبينية لم يكن سوى رد فعل على تجاوز تلك القوارب المياه الإقليمية للصين، التي أعلنت مراراً موقفها الحاسم في الدفاع عنها.

 

لقد أصبحت منطقة بحر الصين الجنوبي أهم منطقة على مستوى العالم، نتيجة لتدافع استراتيجيات الدول الكبرى وسعيها إلى السيطرة عليها. تضم منطقة بحر الصين الجنوبي 7 دول، ويمكن أن نقرأ أحياناً أنها 8 دول، إذا ما اعتبر البعض تايوان دولة مستقلة.

 

لبكين مشكلات حدودية مع جميع دول المنطقة، وهو ما يثير قلقها قبل غيرها، ويجعلها تعمل على إيجاد حل لتلك المشكلات، لتفويت الفرصة على الولايات المتحدة التي تسعى إلى تخويف دول المنطقة من “النفوذ الصيني”.

 

تلك المشكلات عائدة كغيرها من المشكلات الدولية إلى الحقبة الاستعمارية وما خلفته من توترات بين الدول ناتجة من حدود مصطنعة وغير مستقرة.

 

المشكلة، من وجهة نظر الصين في عدم التوصل إلى حل لتلك المشكلات الحدودية، يعود في الدرجة الأولى إلى تدخل العامل الخارجي (الولايات المتحدة الأميركية) وسعيه إلى تأجيج الصراعات، ما يسمح له بالحضور في تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة.

 

من جهتها، تشعر دول المنطقة بقلق كبير نتيجة للنمو المتعاظم للصين، فمن يجاور تنيناً لن يعرف الراحة مطلقاً. بكين، ورغم محاولاتها لبناء الثقة وتصفير المشكلات مع جاراتها، لم تصل إلى إيجاد حل مرضٍ لجميع الأطراف، وهو ما يزيد فرص التدخلات الخارجية في دول المنطقة.

 

الرؤية الصينية للمشكلات الحدودية في منطقة بحر الصين الجنوبي

ترى بكين أحقيتها بمساحات كبيرة من منطقة بحر الصين الجنوبي، مستندة في ذلك إلى وثائق تاريخية رسمت الحدود الإقليمية للصين في منطقة بحر الصين الجنوبي عبر ما يسمى بـ”الخطوط التسعة”، إذ كانت بكين قد نشرت عام 1947 خريطة تفصيلية لادعاءاتها، تبين أن سلسلتي باراسيل وسبراتلي تعدان جزءاً لا يتجزأ من الأمة الصينية.

 

ترسم تلك الخطوط الحدود الإقليمية للدول المطلة على منطقة بحر الصين الجنوبي، وتحتفظ لبكين بمساحات واسعة في منطقة خط الوسط داخل مياه البحر.

 

المشكلة أنَّ “خط الخطوط التسعة” الذي يظهر على الخرائط الصينية لبحر الصين الجنوبي لا يحتوي على إحداثيات جغرافية محددة.

 

وتستند الصين أيضاً إلى معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، التي دخلت حيز التنفيذ في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1994. وكانت هذه المعاهدة قد عالجت قضية الدول الأرخبيلية وحقها باعتبار تلك الجزر جزءاً من مياهها الداخلية.

 

وقد ضمنت تلك المعاهدة للدول السيادة على مياه إقليمية تقدر بـ12 ميلاً بحرياً، ومياه اقتصادية تمتد إلى 200 ميل بحري من خط الأساس.

 

هناك 3 جزر تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، هي باراسيل وسبارتلي وسكاربو روشول. امتلاك هذه الجزر يعطي الصين سيطرة واسعة على منطقة بحر الصين الجنوبي. هذه الحجج الصينية لم تكن تحظى بالقبول لدى دول المنطقة، لكن تلك الدول لم تكن تسعى إلى خلق أي توترات مع بكين، نظراً إلى حجم التداخل في العلاقات بينها وبين الصين.

 

هذا الموقف الصيني لقي انتقادات كبيرة من الولايات المتحدة، التي وجدت فيه فرصة لتحريض دول المنطقة ضد بكين، عبر نسج تحالفات عسكرية مع تلك الدول والتعهد بتقديم الدعم اللازم لها في حال نشوب مواجهة عسكرية بينها وبين الصين.

 

اللافت في الأمر أن الولايات المتحدة لم تصدّق على الانضمام إلى تلك المعاهدة، لكنها في الوقت نفسه ما دأبت توجه اللوم إلى بكين وتدعوها إلى احترام حرية الملاحة الدولية واحترام حق دول المنطقة في السيادة على مياهها الدولية.

 

تتمتع منطقة بحر الصين الجنوبي بأهمية استراتيجية كبيرة، لكونها تشكل ممراً للتجارة الدولية، وطريقاً لمرور أكثر من 80% من النفط المنقول من الشرق الأوسط إلى دول شرق آسيا، إضافة إلى الثروات الطبيعية الموجودة في المنطقة، التي تقدّر بنحو 125 مليار برميل من النفط و500 تريليون قدم مكعب من الغاز في المنطقة التي تتقاسمها الصين مع فيتنام والفلبين وتايوان وبروناي وماليزيا، وثروة سمكية هائلة تقدر بـ1,6 مليون طن من الأسماك سنوياً. وتقدر قيمة البضائع التي تمر عبر بحر الصين الجنوبي بـ5 تريليون دولار سنوياً.

 

الخلافات في بحر الصين الجنوبي هي أساساً خلافات حول السيادة على مياه البحر وجزر باراسيل وسبراتلي (التسميتان غربيتان)، وهما سلسلتان من الجزر يدّعي عدد من الدول السيادة عليها.

 

إضافة إلى هاتين السلسلتين، هناك العديد من الصخور والشعاب المرجانية والكثبان الرملية التي تتنازع هذه الدول السيادة عليها، مثل شعب سكاربره (وهو اسم غربي أيضاً).

 

الفلبين

الفلبين هي إحدى دول المنطقة التي لديها خلافات حدودية بحرية مع الصين، يعود العديد منها إلى صعوبة رسم تلك الحدود بدقة، نظراً إلى التغيرات الطبيعية التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى وجود جزر جديدة لم تكن موجودة من قبل.

 

ظهور مثل هذه الجزر جعل الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة يوجهون الاتهامات إلى بكين بإنشائها جزراً اصطناعية في منطقة بحر الصين الجنوبي. تلك الجزر، مهما كانت مساحتها صغيرة، من المهم فيها أنها تكون نقطة بداية جديدة لقياس عمق المياه الإقليمية لبكين.

 

خلال السنوات الماضية، كانت الفلبين قادرة على خلق توازن في العلاقة بينها وبين كل من الولايات المتحدة والصين، ويبدو أنَّ الرئيس السابق كان أقرب إلى الصين من الرئيس الحالي الذي سعى خلال زيارته الولايات المتحدة في شهر أيار/مايو الماضي إلى الحصول على دعم الولايات المتحدة له في حال حدوث مواجهة مع الصين.

 

ترتبط الفلبين بعلاقات تاريخية مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ خضعت طويلاً للاحتلال الأميركي.

 

عام 2014، وقعت مانيلا مع الولايات المتحدة اتفاقية تعاون دفاعي عرفت باسم “اتفاق التعاون الدفاعي المعزز”، تسمح للقوات الأميركية باستعمال معدات ومواد عسكرية وتخزينها فيها. وقد سُمح للولايات المتحدة باستخدام 5 قواعد عسكرية في الفلبين.

 

في نيسان/أبريل الماضي، جرى توقيع اتفاق جديد بين الفلبين والولايات المتحدة، يسمح للأخيرة باستخدام 4 قواعد عسكرية إضافية في الفلبين، منها قاعدتان في كاجايان القريبة من تايوان.

 

كانت هناك سلسلة من الأعمال العدائية السابقة من الفلبين تجاه الصين، منها:

 

– التحالف العسكري مع الولايات المتحدة عام 2014.

 

– اللجوء إلى محكمة العدل الدولية عام 2013 لحل نزاعها مع بكين، رغم رفض الأخيرة ذلك.

 

– الحصول على قرار من المحكمة بأحقيتها بالجزر عام 2016، وهو ما رفضته بكين واعتبرته قراراً مسيساً.

 

– زيادة عدد القواعد العسكرية الأميركية لتصبح 9 قواعد.

 

– السماح للقوات الأميركية بالوصول إلى المناطق القريبة من تايوان.

 

– عام 1999، قامت مانيلا بوضع سفينة حربية تعود إلى الحرب العالمية الثانية في الجزر المتنازع عليها، وتستخدم السفينة حالياً كموقع عسكري يثبت حقها بتلك الجزر.

 

– إلغاء المحكمة الدستورية في الفلبين الاتفاق الثلاثي الموقع بين الصين والفلبين وفيتنام حول الاكتشافات الطبيعية في هذه الجزر.

 

– إقامة مناورات مشتركة مع القوات الأميركية في نيسان/أبريل الماضي بمشاركة 17 ألف عسكري.

 

– زيارة الرئيس ماركوس جونيور في أيار/مايو الماضي للولايات المتحدة.

 

– تعديل المناهج الدراسية وتضمينها “الحكم التاريخي” الذي يثبت أحقيتها في الجزر المتنازع عليها مع الصين.

 

– استبدال تسمية منطقة بحر الصين الجنوبي في مناهجها الدراسية لتصبح “بحر غرب الفلبين”.

 

على الرغم من تلك الإجراءات، فقد سعت بكين لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة مع مانيلا، فاستضافت الرئيس ماركوس جونيور في كانون الثاني/يناير الماضي، وأوفدت وزير خارجيتها إلى مانيلا في شهر نيسان/أبريل الماضي لمناقشة وضع حل دبلوماسي للأزمة بين البلدين، لكن يبدو أنَّ مانيلا تجد نفسها اليوم أقرب إلى الولايات المتحدة، لعدة أسباب منها:

 

– العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة تاريخية، فالوجود الأميركي في الفلبين قديم وقوي.

 

– المساعدات الأميركية لمانيلا التي تقدر بـ100 مليون دولار.

 

– التزام أميركا بالدفاع عن مانيلا هو التزام صارم وقوي.

 

– ولأن كل دولة عدو لجارها، وصديق لعدو جارها.

 

يُشار إلى أنَّ ما تقوم به الحكومة الفلبينية لا يحظى بقبول شعبي، فغالبية الفلبينيين لا يريدون أن تكون الفلبين طرفاً في أي مواجهة بين الولايات المتحدة والصين، إذ رأى 3% فقط من الفلبينيين المستطلعة آراؤهم أن ما يحدث في بحر الصين الجنوبي يشكّل مصدر قلق مباشر لهم.

 

ولعلَّ أهم تحدٍّ يواجه بكين الآن ومستقبلاً يكمن في مدى قدرتها على إيجاد حل دبلوماسي للمشكلات العالقة بينها وبين جيرانها من دول المنطقة، لتفويت الفرصة على من يسعى لتأجيج الصراعات في تلك المنطقة.

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...