آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » العراق الرسمي ينقلب على نفسه: أهلاً بالاحتلال!

العراق الرسمي ينقلب على نفسه: أهلاً بالاحتلال!

لا يمكن فصل العدوان الذي استهدف مخازن ذخيرة لـ»الحشد الشعبي» العراقي بالقرب من مدينة النجف، أوّل من أمس، عن الاتفاق الذي وقّعه الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، حول انسحاب القوّات القتالية الأميركية في نهاية العام الجاري، وتحويل المهمّة إلى استشارية، والذي تريده واشنطن غطاءً «شرعياً» لمواجهة إيران في العراق، وتوجيه ضربات ضدّ الفصائل المتحالفة معها، تحت عنوان حماية قوّاتها. فالولايات المتحدة، التي لم تتبنَّ العدوان، ولكنه لا يمكن إلّا أن يكون إمّا من تنفيذها أو بالتنسيق معها (من تنفيذ إسرائيل مثلاً) كونها تسيطر تماماً على الأجواء العراقية، تريد اختبار المعادلة الجديدة التي أرساها الاتفاق، والمصمَّم، كما يبدو، لتحقيق الأهداف الأميركية في مقارعة إيران في العراق مباشرة، وأهداف بعض القوى العراقية التي تستقوي بالأميركيين لإقامة توازن مع حلفاء طهران في البلاد، خاصة أن أقلّ من ثلاثة أشهر تفصل عن موعد الانتخابات المبكرة المقرّرة في العاشر من تشرين الأول المقبل، على رغم أن إرجاء هذه الانتخابات إلى الموعد الدوري في ربيع 2022 صار مرجّحاً، بعد قرار زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، مقاطعتها وانضمام آخرين إليه في ذلك، وآخرهم صالح المطلك. 

قد يفسّر هذا، جزئياً، المفارقة التي تنطوي عليها مواقف القوى السياسية، التي أيّدت بغالبيتها اتفاق الكاظمي – بايدن، ولا سيما في ما يُسمّى «البيت الشيعي». وهو موقف يختلف كلّياً عن ذلك الذي اتّخذته القوى نفسها عندما صوّت مجلس النواب العراقي على «إنهاء تواجد أيّ قوات أجنبية في العراق، ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأيّ سبب كان»، في قرار تاريخي أعقب اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في الثالث من كانون الثاني عام 2020. فإمّا أن الموقف المذكور كان في حينه مسايرة للغضب الشعبي الذي ساد عقب الجريمة، وإمّا أن الموقف الجديد يمثّل انقلاباً في سياسة تلك القوى التي تجد نفسها في وضع مأزوم، تحت ضغط تململ شعبي أوصل إليه الفساد المستفحل في البلاد. 
وبعيداً عن مواقف العراقيين، ظهرت النوايا الحقيقية للاحتلال على ورقة ملاحظات كان يمسك بها بايدن خلال الاجتماع مع الكاظمي، وبان محتواها بصورة غير مقصودة على الأغلب، أمام الصحافيين، وهي تتضمّن جملتين، الأولى: «مقترح الولايات المتحدة بشأن الردّ على الهجمات»، والثانية: «إيران تدرس كبح الهجمات». وعلى رغم أن المضمون الدقيق لهاتين الملاحظتين غير واضح، إلّا أن الواضح أنهما تتعلّقان بالهجمات ضدّ القوّات الأميركية، والتي تتّهم واشنطن فصائل متحالفة مع إيران بتنفيذها. وينسجم هجوم النجف، تماماً، مع ما ورد في تلك الورقة، التي تعكس، بصورة ما، المهمّة الفعلية غير المنصوص عليها صراحة في الاتفاق، فيما جاء في التبرير الرئيس لإبقاء القوّة الاستشارية الأميركية، أن الهدف هو تقديم مساعدة للقوّات العراقية في الحرب على «داعش». فالاستهداف الأميركي للتنظيم غائب منذ مدّة طويلة، إمّا لأنه ضعف إلى حدّ أن وجوده صار مقتصراً على بعض الخلايا السرّية، وإمّا لأن الولايات المتحدة تريد استخدام ما تبقّى من التنظيم لتسويغ بقاء احتلالها للعراق. في كلّ الأحوال، يُضفي بقاء القواعد الأميركية الرئيسة، مثل «عين الأسد» غرب بغداد و»حرير» في «إقليم كردستان» – خضعت الأخيرة لأعمال توسيع وتحصين أساسية هذا العام -، وفق ما ينصّ عليه الاتفاق، خصائص الاحتلال الكامل الأوصاف على الوجود الأميركي، وإنما بوجه آخر، هذه المرّة مغطّى من حكومة الكاظمي. وما يعزّز تلك القراءة الموقع الاستراتيجي للقاعدتين؛ إذ تقع الأولى في منتصف الطريق بين بغداد ومدينة القائم على الحدود العراقية، والثانية في منطقة الحكم الذاتي الكردية التي تضمّ قوى ذات نوازع انفصالية.

«التيار الصدري»: اتفاق الانسحاب خطوة إلى الأمام ولكن ننتظر التطبيق


وفي مواقف القوى العراقية، يؤيّد «التيار الصدري» الاتفاق، ولكنه يأخذ لنفسه مسافة منه. ويقول النائب عن التيار، رياض المسعودي، في حديث إلى «الأخبار»، إنه «لا يوجد اتفاق بين حكومة الكاظمي وحكومة بايدن، وإنما الكلام حول مسارات معينة وردت في اتفاقية التعاون الاستراتيجي المُوقّعة في 17 تشرين الثاني 2008. والشيء الجديد هو إعلان الحكومة الأميركية أنها ستقوم بإنهاء العمليات القتالية في العراق وتحويل الجهد القتالي إلى جهد غير قتالي، وهذه نقطة أساسية مهمّة إذا ما تمّ تفعيلها، وبالتالي رؤية التيار الصدري هي أنها خطوة إلى الأمام، ولكن تحتاج إلى تطبيق، ولذلك يتعيّن الانتظار حتى موعد 31 كانون الأول من هذا العام لمعرفة جدّية الجانب الأميركي في التطبيق». ويضيف المسعودي إلى ذلك شروطاً لتيّاره غير ما ورد في هذه الاتفاقية، تتمثّل في عدم تدخّل الولايات المتحدة الأميركية في صناعة القرار العراقي، وعدم الضغط على الحكومة العراقية لكي تمتنع عن التوصّل إلى اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي أو مع دول ذات ثقل كبير مثل الصين واليابان وكوريا والهند. مسوّغ موقف «التيار الصدري» هو أن الحكومة العراقية هي المسؤولة عن إدارة الملفّ السياسي، كونها مُنحت الثقة من قِبَل مجلس النواب، وبالتالي جاءت بموافقة أغلبية القوى السياسية. ولذا، يعتقد المسعودي أنه «يجب أن يُترك لها المجال، وتُعطى لها المساحة لمعالجة هذه الملفّات». ويشير إلى أن «النقطة الحاسمة والمهمّة في هذا الموضوع هي أن التيار الصدري يعتقد أن هناك خللاً في موضوع استقلال العراق والسيادة وهيبة الدولة، وتثبيت أركان الدولة بشكل حقيقي على الجميع. لذلك يمكن لهذه اللقاءات أن تكون بداية لتحقيق الاستقلال والسيادة وهيبة الدولة، أو أن لا تكون. ولذا نحن سوف نعطي هذه الفرصة للحكومة، لكي نتّخذ قرارات أخرى تتناسب وطبيعة ما سيجري في الأشهر المقبلة لغاية 31 كانون الأول».
من جهتها، تنظر أوساط الكاظمي إلى الاتفاق بوصفه إنجازاً، ولا تخفي وقوفها في موقع معارض تماماً لطهران. ويعتقد المحلل السياسي العراقي، نجم القصاب، القريب من رئيس الوزراء، أن «طهران غير مقتنعة بالاتفاق، لأنه يُعتبر انتصاراً للولايات المتحدة وانتصاراً لحكومة الكاظمي الذي لا تثق به إيران، مثلما كانت تثق بسلفه عادل عبد المهدي»، متوقّعاً أن يستمرّ هذا الاتفاق ويكون ساري المفعول في المرحلة المقبلة، على رغم المعارضة الإيرانية له. ويعتبر أن «العراق الآن أعطى شرعية للولايات المتحدة لأن تكون متواجدة في بعض القواعد العسكرية»، قائلاً إنه «لأوّل مرّة يتمّ توافق سياسي على هذا التوقيع الذي حصل بين الولايات المتحدة وبين العراق، ويُعتبر قوة للسيد الكاظمي وقوة للعراق والعراقيين»، مشيراً إلى أن «الاتفاق ليس فقط على الانسحاب أو تحويل المهمّة الأميركية إلى استشارية لغرض تقديم الخبرة أو التسليح أو التأهيل أو التدريب، وإنما تعاون حقيقي على المستوى الزراعي والصناعي والتجاري والطاقة، وكذلك إعطاء العراق أكثر من 500 ألف جرعة لمواجهة كورونا».

(سيرياهوم نيوز-الاخبار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ليلة استهداف “تل أبيب”.. صدمة ودمار رهيب وتبادل لشظايا الصاروخ بين المستوطنين

حالة من الهلع والقلق بين المستوطنين الإسرائيليين بعد سقوط صاروخ من لبنان في مبنى في “تل أبيب” بشكل مباشر، حيث تحدّث المستوطنون عن الأضرار الناجمة ...