آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » العطش للحوار هو العطش للحرية

العطش للحوار هو العطش للحرية

 

 

مالك صقور

 

في كتابه ” فن الإصغاء ” يستشهد عالم النفس إريك فروم بقول الناقد السوفييتي ميخائيل باختين عن شاعرية دوستويفسكي حول قضية هامة تتعلق بالرواية متعددة الأصوات ..يقول : من الضروري القول إن النسبية والدوغمائية يستبعدان كليهما أي نقاش ، وأي حوار حقيقي ، بجعله إما غير ضروري ( النسبية ) ؛ أو غير ممكن( الدوغمائية ) .

وهذا يدعو للتأمل في عنوان مثل (( فن الإصغاء )) ..فكيف يكون الإصغاء فناً ؟!

ربما مرَّ هذا السؤال دون اهتمام ، لكن في الحقيقة ، ما يشيرإليه دوستويفسكي أولاً ، ثم إيرك فروم ثانياً، إن ذلك ضروري جداً .. نعم ضروري لمن يهتم بأمر مُلحٍ في حياتنا ، في عملنا ، وفي كل مناحي الحياة ، ألا وهو الحوار ..

إذن ، الإصغاء وفن الإصغاء يقودان إلى الحوار .. إلى الحوارالصحيح ، إلى الحوار الهادئ ، إلى الحوار المجدي والمفيد . ولكي يكون الحوار مفيداً و ناجحاً يجب أن يتوفر شرطان :

الشرط الأول : هو أن يفهم ويتفهم المرء ( المُحاوٍر ) أن للطرف الآخر أي المشارك في الحوار حقاً يساوي حقه تماماً . وهذا يعني أن يأخذ المرء رأيه بجديه بوصفه ممكناً ، ويستطيع أن يحاوره أو يناقشه .. وهذا الرأي يترجمه الفيلسوف الألماني بولنوف إلى صيغة بسيطة بقوله : إن الشرط المسبق الأول للحوار هو القدرة على الإصغاء الى الآخر . والإصغاء بهذا المدلول يعني أكثر من التقاط الإشارات الصوتية ، كذلك أكثر من فهم ما يقوله الآخر ، يعني أن ( أدرك أن الآخر يود أن يقول لي شيئاً.. شيئاً مهماً بالنسبة إلي ، شيئاً يجب أن أفكر فيه وقد يجعلني أو يرغمني إذا دعت الضرورة حتى على تغيير رأيي ) .

الشرط الثاني :هو الثقة بالآخر ، وهذا يعني أن يكون المرء مستعداً للتصريح برأيه لا يخشى لومة لائم ، ولا يخاف الأذى ، ويدعم هذا الرأي الفيلسوف الصيني لاوتسه الذي قال : ” إذا لم تثق بما فيه الكفاية ، فلا أحد سيثق بك ” . فالحوار هو الوحيد الذي يخلق اساساً للثقة .

لكن سؤالاً يطرح نفسه : كيف لي أن أصغي إلى الآخر ، وأثق به ، إذا كنت أساساً لا أصغي إلى نفسي ولا أثق بها ؟ ومن لا يصغي إلى نفسه ، لا يراجع نفسه ، وهذا يعني أنه لا يعرف نفسه ، وهنا الطامة الكبرى . سواء على الصعيد الفردي أوعلى الصعيد الجماعي ؛ والصعيد الجماعي هو الحوار الذي يتم في الاجتماعات أو الندوات او المؤتمرات ، وحتى في المفاوضات ، بين فريقين ..أوبين شخصين اثنين ..

يصف إيرك فروم في كتابه ” فن الإصغاء ” الذين لا يتقنون الإصغاء – لا يتقنون الحوار وهم أنصاف أيقاظ و أنصاف نيام .. ويوضح فروم ، كما أن شرط الوجود الاجتماعي هو الوجود في البيت ، وشرط الإصغاء إلى الآخر هو الإصغاء إلى الذات . والإصغاء إلى الذات أي إصغاء المرء إلى نفسه – كما يقول ايرك فروم – شديد الصعوبة ، لأن هذا الفن يقتضي قدرة أخرى نادرة في الإنسان الحديث : هي قدرة المرء على أن ينفرد بنفسه ، يراجع أفعاله يوقظ ضميره .

إذن :

فن الإصغاء ، هو في النهاية فن الحوار الذي يتطلب معرفة الذات ومعرفة الذات والثقة بالنفس تؤهل للحوار مع الآخر ، كي يكون الحوار جدياً ومجدياً وفاعلاً لا منفعلاً . والحوار مع الآخر يعني القبول بالآخر .

في هذه المرحلة الانتقالية التي تبدو صعبة .. تعالوا نصغي لبعضنا ، تعالوا نفهم ونتفهم واقعنا ، اسمحوا بالحوار الصيحيح و الجريء ، وهذا يعني قبول الآخر ، كي يمضي الجميع معاً وكتفاً بكتف لبناء سورية .

إن العطش للحوار هو العطش للحرية .

(موقع اخبار سوريا الوطن-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السلم الآهلي مسؤولية الحكومة والمواطنين ومطلب مشترك لهما

    عبد اللطيف شعبان     من حق المواطن أن يعيش كريما معززا في وطنه، وجميع دساتير الدول تضمن ذلك لمواطنيها، وكثيرة هي الحاجات ...