- دانية بلال
- الثلاثاء 6 نيسان 2021
- 00:08
وسط أزمات داخلية وخارجية تشهدها البلاد، يدخل الأردن هذا العام المئوية الأولى على تأسيس إمارة الضفة الشرقية لنهر الأردن، التي تحوّلت إلى المملكة الأردنية الهاشمية.
رغم صغر مساحة الأردن وشح موارده مقارنة بالدول العربية المجاورة له، إلا أنه يضطلع بدور إقليمي بارز متصل بالقضية الفلسطينية. ويعدّ الشريط الحدودي لكيان الاحتلال مع الأردن هو الأطول والأكثر استقراراً من الناحية الأمنية منذ عقود. وعادة ما يُشار إلى اتفاقية «وادي عربة» على أنها عزّزت أمن الكيان الإسرائيلي، لكن في الواقع عزّزت أيضاً استقرار الأردن الأمني والاقتصادي والاجتماعي؛ إذ عبّر وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، سيلفان شالوم، عن هذه المصلحة المتبادلة بقوله «إن أمن الأردن واستقراره وازدهاره هي أيضاً مصلحة استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل».
من عبد الله الأوّل إلى وادي عربة
ارتبطت العائلة الهاشمية الأردنية بالقضية الفلسطينية، خاصة عندما منحها البريطانيون دوراً خاصاً في الوصاية على المسجد الأقصى. كما لعبت العائلة المالكة دوراً في مفاوضاتها مع الحركة الصهيونية حول مشروع قرار التقسيم، وذلك بعد فشل الحركة الصهيونية في مفاوضة الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة الحاج محمد أمين الحسيني. وكشفت رئيسة حكومة الاحتلال السابقة غولدا مائير، في مذكّراتها، عن لقائها الملك عبد الله الأوّل حين كانت تشغل رئاسة الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، للوصول إلى تفاهم بينهما قبل نكبة عام 1948.
وقد شارك الجيش الأردني إلى جانب الجيوش العربية في حرب النكبة، التي أفضت إلى هزيمة الجيوش العربية. وتعزّز ارتباط الأردن بفلسطين حين قرّرت زعامات فلسطينية في مؤتمر أريحا مبايعة الملك عبد الله الأوّل، ملكاً على فلسطين والأردن، ليصبح بموجبه مواطنو الضفة الغربية أردنيين. وظلت الضفة الغربية والقدس الشرقية تحت السيادة الأردنية إلى حرب النكسة عام 1967. كما خاض الجيش الأردني معركة الكرامة بدعم ومساندة القوات الفدائية الفلسطينية عام 1968، تصدّى خلالها للجيش الإسرائيلي وكبده خسائر فادحة. كما شارك الأردن في حرب تشرين 1973، حيث وقف إلى جانب الجبهة السورية ضد إسرائيل.
بدت السياسة الخارجية الأميركية، منذ إدارة إيزنهاور، تميل إلى تخفيف الخلاف بين النظام الأردني وإسرائيل. فإبّان محاولات إسرائيل تحويل مياه نهر الأردن من خلال قناة «بنات يعقوب»، اقترحت إدارته مشروع «جونستون» لتقسيم المياه عام 1953 بين كل من سوريا والأردن وإسرائيل. وبصعود الحركة القومية بقيادة جمال عبد الناصر، بدأت إسرائيل، هي الأخرى، تشعر بحاجتها إلى إبقاء استقرار الحكم في الأردن، فأرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، ديفيد بن غوريون، إلى الرئيس الأميركي جون كينيدي، رسالة جاء فيها أن «بقاء الأردن تحت حكم الهاشميين يصب في المصلحة القومية الإسرائيلية». وترجمت الرغبة الإسرائيلية الأميركية في الحفاظ على النظام الأردني، في أعقاب أحداث «أيلول الأسود» عام 1970، حين تعهّدت إسرائيل، بموجب اتفاق أميركي ــ إسرائيلي، باستخدام سلاح الجو ضد الدبابات السورية الموجودة في إربد، وبشن هجوم بري ذي محورين ضد الأراضي السورية والقوات السورية في الأردن.
جاء مطلع التسعينيات بتطورات دولية انعكست على القضية الفلسطينية، والعلاقات الأردنية الإسرائيلية، تمثّلت في تفكك الاتحاد السوفياتي. واجه الأردن حالة من العزلة نتيجة وقوفه إلى جانب العراق في اجتياحه للكويت عام 1990، فرأى الأردن وجوب تغيير سياسته تجاه «المعسكر الدولي»، فذهب إلى المشاركة في مؤتمر مدريد عام 1991، ووفّر للوفد الفلسطيني في المؤتمر مظلة رسمية.
بمجيء حزب «العمل» بزعامة إسحاق رابين إلى السلطة في تل أبيب، تقدّمت مفاوضات السلام مع الأردن، وتم التوقيع النهائي على معاهدة السلام في احتفال رسمي بمنطقة وادي عربة في الأردن بتاريخ 26 تشرين الأوّل 1994، بحضور الملك حسين ورابين والرئيس الأميركي بيل كلينتون ووزير الخارجية الروسي كوزيريف.
وقد تضمّنت «معاهدة وادي عربة» مواد متعلقة بالتعاون بين الطرفين في مجالات الأمن والمياه والاقتصاد والنقل والسياحة والطاقة والبيئة وغيرها. كما عزّزت المعاهدة علاقات التعاون التجارية ومناطق التجارة الحرّة، والتي أدت إلى إنهاء المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل. إضافة إلى ذلك، أعقبت توقيع معاهدة السلام عشرات الاتفاقيات الثنائية بين الطرفين. ونتيجة إبرام الأردن للمعاهدة، حصل على مساعدات عسكرية واقتصادية من الولايات المتحدة، التي تعهّدت بضمان أمن الأردن وتدعيمه.
وبمرور أكثر من ربع قرن على معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، ربما لن يُقدم الأردن على إلغائها، رغم ما تسبّبت له من حرج كبير، خاصة لعدم التزام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بإنهاء الصراع على أساس «حل الدولتين» وتطبيق قرار الأمم المتحدة 242، وفشلها في الوصول إلى مفاوضات التسوية النهائية في كامب ديفيد عام 2000. وقد بقيت هذه المعاهدة، إلى اليوم، محصورة في إطار رسمي وبعض العلاقات التجارية لأصحاب رؤوس الأموال، وسط رفض شعبي أردني لأي تطبيع مع إسرائيل.
يطرح بقاء نتنياهو في السلطة العديد من التحدّيات أمام الأردن، مع تلاشي أي بوادر استقرار في العلاقات في المرحلة المقبلة. وبتطبيع نتنياهو علاقات إسرائيل خارج دول الطوق الأول، فإنه يبدو غير معني بتحسين علاقاته مع الأردن، الذي يعاني من أزمات داخلية على الصعيد الصحي والاقتصادي. وما تجاهل نتنياهو للقيادة الأردنية، إلا انعكاس لاعتقاد حزب «الليكود» القائل: «إذا كانت هذه الضفة لنا، فالضفة الأخرى أيضاً لنا».
«الربيع العربي»
باندلاع «الربيع العربي» أواخر عام 2010، سادت مخاوف إسرائيلية مستقبل اتفاقية السلام مع الأردن، خاصة بعد إطاحة الرئيس المصري حسني مبارك، وتحوّل الاحتجاجات في سوريا إلى حرب شكّلت تهديداً لإسرائيل. وقد شهد الأردن احتجاجات استطاع الملك احتواءها بجملة من «الإصلاحات»، لكن تداعيات «الربيع العربي» على الأردن كانت كبيرة نتيجة نزوح أكثر من مليون لاجئ سوري وتفاقم الوضع الأمني في سوريا والعراق مع صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). وقد عمّقت هذه التداعيات العلاقات الأردنية الإسرائيلية للحفاظ على أمن الطرفين. ففي دراسة نشرها «معهد دراسات الأمن القومي» عام 2017 بعنوان «مفهوم محدث للأمن القومي لإسرائيل» جاء فيه أن «الاضطرابات في العالم العربي عزّزت التحالف العسكري الاستراتيجي بين الأردن وإسرائيل على أساس التفاهم أنه في وقت الحاجة ستقف إسرائيل إلى جانب المملكة الهاشمية». وأكدت الدراسة أن «إسرائيل ساعدت الأردن في الإبقاء على الاستقرار النسبي وإزالة التهديدات من حدودها».
تعدّ العلاقات الإسرائيلية الأردنية في المستوى الأمني حجر الزاوية لـ«الاستقرار الإقليمي»، ويوفّر الأردن لإسرائيل عمقاً استراتيجياً لحماية جبهته الشرقية. ولكن ثمّة تساؤلات تدور هذه الأيام حول أسباب تصاعد الأزمة بين الطرفين، قد تُشكّك في أهمّية استقرار الأردن بالنسبة إلى إسرائيل.
نتنياهو ــ عبد الله
شهدت السنوات الأخيرة تأزّماً غير مسبوق على صعيد العلاقات الأردنية الإسرائيلية، حتى بدت هذه العلاقات المتأزمة كأنها مرتبطة بشخص الملك عبد الله الثاني، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وقد عمد نتنياهو إلى تأزيم هذه العلاقات منذ حكومته الأولى (1996-1999)، عندما حاول الموساد اغتيال القيادي في حركة «حماس» خالد مشعل، في العاصمة الأردنية عمّان. ولكن أُحبطت العملية، وهدّد الملك الراحل حسين بإلغاء معاهدة السلام، فتدخّل الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون، لإنهاء الأزمة، وأطلق الأردن سراح عميلي الموساد مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين.
وكان لوصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب دور أساسي في تصاعد توتر العلاقات بين إسرائيل والأردن. ويبدو أن هذه العلاقات ستبقى على حالها مع مجيء إدارة جو بايدن. فقبل أيام لم يستجب نتنياهو للطلب الأردني بتزويده بحصص مائية وفقاً لاتفاقية «وادي عربة» التي تعهّدت خلالها تل أبيب بضخ المياه من بحيرة طبريا إلى نهر الأردن. كما منع الأردن، مطلع شهر آذار، عبور طائرة نتنياهو نحو أبوظبي، ما تسبّب في إلغاء الرحلة. وتداولت تقارير إعلامية أن المنع جاء على خلفية عرقلة إسرائيل زيارة ولي العهد الأردني الأمير حسين بن عبد الله، الأراضي المحتلة. ويرفض الملك عبد الله تلقّي أي اتصالات من نتنياهو، ولكن في المقابل كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» استضافة الملك عبد الله لوزير الأمن وخصم نتنياهو، بيني غانتس، الذي صرّح خلال لقائه ناشطين في حزبه أن «نتنياهو شخصية غير مرغوب فيها في الأردن».
يعزو عوديد عيران، الباحث في «معهد دراسات الأمن القومي»، تردّي العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى «صفقة القرن» وما أفرزته من إشكاليات تُقصي دور الأردن ومكانته في المنطقة، إذ جعلت هذه الصفقة العائلة الملكية الأردنية قلقة على مستقبل وصايتها على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس، وخاصة أن تكهّنات سادت حول مساعي ترامب لإسناد دور الوصاية على المسجد الأقصى للعائلة الملكية السعودية لدفعها نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. كما تكرّس «صفقة القرن» السماح لليهود بالتعبّد في الحرم القدسي، وهو ما يثير حفيظة العائلة الملكية الأردنية. إضافة إلى ذلك، فإن الصفقة أشارت إلى مشروع كونفدرالية محتمل بين الأردن والضفة الغربية بوصفه «وطناً بديلاً للفلسطينيين».
شكّلت الإجراءات الإسرائيلية لضم الضفة الغربية، والتي تشمل غور الأردن، عاملاً آخر لتأزيم العلاقات الإسرائيلية مع الأردن؛ إذ قاد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي حملة دبلوماسية ضد هذه الإجراءات، وهدّد بتراجع الأردن عن معاهدة السلام. كما رفض الملك عبد الله في تشرين الأوّل عام 2019، تمديد عقد إيجار أراضي الباقورة والغمر لإسرائيل، حيث تسمح المملكة، بموجب اتفاقية «وادي عربة»، بإقامة المستوطنين فيها وزراعتها في ظل السيادة الأردنية. إضافة إلى ذلك، اندلع خلاف بين الطرفين، إثر اعتقال إسرائيل لمواطنين أردنيين لأسباب أمنية.
وبتطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل، لم يعد للأردن أي قيمة استراتيجية من ناحية الأمن الجغرافي، حتى إنه لم يعد يلعب دور الوسيط بين إسرائيل والأنظمة العربية. كما تُضعف اتفاقيات التطبيع الموقف الأردني القائم على «الأرض مقابل السلام» وعلى حل الدولتين. ورغم عدم دعم الأردن لاتفاقيات التطبيع، إلا أنه وقّع مع إسرائيل اتفاقاً يسمح للرحلات الجوية من الإمارات والبحرين بالتحليق فوق أجوائه.
إضافة إلى ذلك، أقدمت إسرائيل على مجموعة من الخطوات لاستفزاز الأردن، أبرزها تخلّيها عن الشراكة مع الأردن في مشروع «ناقل البحرين» المهم لأمنه المائي وتزويده بالطاقة. كما أنشأت إسرائيل مطار «رامون» قرب إيلات وعلى بعد أمتار من مطار الملك حسين في العقبة، مخالفة بذلك قانون الطيران المدني والاتفاقيات بين البلدين. وأقدمت إسرائيل على تهديد الأردن بالملاحقة القضائية في حال انسحب من اتفاقية استيراد الغاز مع تل أبيب، والتي دخلت حيّز التنفيذ مطلع عام 2020، بتكلفة 15 مليار دولار للسنوات العشر المقبلة.
نتنياهو يريد انقلاباً؟
لم يكن الحدث الأردني، السبت الماضي، مفاجئاً لمتتبع الشائعات وتقارير الصحافة الإسرائيلية، منذ عامين، والتي تحدّثت عن «تنظيم سرّي ضد الملك وبعض المسؤولين في محيطه». رجحت صحة هذه التقارير، عندما صدر مرسوم ملكي في أيار 2019 يقضي بتعيين أحمد حسني مديراً لجهاز المخابرات العامة، الذي يعدّ مؤسسة مركزية في أمن النظام الأردني. وتزامن هذا المرسوم مع استبدال مسؤولين آخرين في القصر الملكي. لكن ذهبت صحيفة «هآرتس» في مقال نهاية عام 2019، إلى أبعد من ذلك، إذ ادّعت أن «اليمين الإسرائيلي يُعِدُّ خطة لإزاحة الملك عبد الله عن العرش». واستندت «هآرتس» في ادعائها إلى مقالات لكتاب موالين لحكومة نتنياهو، يطمحون إلى «ربيع أردني» يمكن من خلاله تنفيذ انقلاب على الملك.
لذلك، اهتمت الصحافة الإسرائيلية بمتابعة تفاصيل الأحداث الأخيرة في الأردن، وتداعياتها على العلاقات الأردنية الإسرائيلية التي تشهد أزمة حادة. ورغم أن الأردن تكتّم على تفاصيل «المؤامرة» و«الجهات الخارجية» التي تقف وراءها، إلا أن سمدار بيري، وفي مقال في صحيفة «يديعوت أحرنوت»، ادّعت أن «عمّان تشتبه في نتنياهو الذي يُسعده التخلّص من الملك عبد الله واستبداله بملك آخر». وما يعزّز فرضية دور إسرائيلي ما نقله موقع «عمون» الأردني أن رجل الأعمال الإسرائيلي والضابط السابق في الموساد، روي شابوشنيك، تواصل مع زوجة الأمير حمزة عقب الأحداث لإخراجها وعائلتها من الأردن إلى ألمانيا. وفي حين أكد الاتصال، نفى شابوشنيك صلته بالموساد، في وقت ذكر فيه موقع «واللا» العبري أن لشابوشنيك صلة بالأميركي أريك برنس، مؤسّس شركة «بلاك ووتر» الأمنية.
هوامش:
عوديد عيران: باحث أول في معهد دراسات الأمن القومي، عنوان المقال: مؤشرات مقلقة على استقرار الأردن، ٢٠١٩
العنوان: اليمين يريد نسف السلام مع الأردن، الكاتب: روغيل ألبير، هآرتس، تاريخ: ٢٢-١٢-٢٠١٩
معهد دراسات الأمن القومي، تاريخ 2017، عنوان: “مفهوم محدث للأمن القومي الإسرائيلي”. الباحث: أودي ديكل وعمر عيناف